الهوية البرازيلية في ميركاتو برشلونة...جعجعة بلا طحن!

28 يوليو 2017
+ الخط -

يظل أندريس إينييستا قيمة كبيرة في برشلونة رغم كبر سنه وكثرة غياباته، ولم يشارك قائد الفريق كثيراً في الموسم الماضي، نتيجة إصابته في أكثر من مناسبة، ليتأثر فريق إنريكي بالسلب ويفقد عدة نقاط هامة في مشوار المنافسة مع الريال.

وتغيرت قواعد التكتيك في برشلونة خلال حقبة لوتشو، لينتقل المدرب من أسلوب اللعب التموضعي إلى استراتيجية التحولات، مع الاستغلال المضاعف لثلاثي الهجوم في الصناعة والتسجيل وحتى التمرير، على حساب أهمية لاعبي الوسط بقيادة الرسام وزملائه.

تعاقدات بالجملة
وصف المدرب الحالي للمنتخب الأرجنتيني جورجي سامباولي هذا الأمر بإيجاز قائلا، "بارسا إنريكي ذو قوة هجومية، لكن بارسا ما قبله الأكثر توازناً كأسلوب أداء. ويعتبر الفريق الحالي أقل جماعية من نسخة بيب على سبيل المثال، لأنه خرج بعض الشيء عن قواعد التمركز، وزادت صبغة اللعب المباشر أثناء التحولات من الدفاع إلى الهجوم".

وتأثر إينييستا بالأخص خلال فترة إنريكي بهذا الأمر، لأنه لم يعد لاعب الوسط الثالث هجومياً، بل أصبح مطلوباً منه العودة خطوات للخلف، حتى يساعد بوسكيتس في الخروج بالكرة أمام دفاعه، ويكسر مصيدة الضغط التي يطبقها معظم المنافسين، مع قلة حيلة راكيتيتش في هذا الجانب.

تعاقد برشلونة مع أردا توران، أندريا غوميز، دينيس سواريز، دون نسيان رافينيا وراكي، لكن فشل الفريق في إيجاد بديل حقيقي بعد رحيل تشافي هيرنانديز، لأن كل هؤلاء أبعد ما يكونون عن لاعب وسط الدائرة المتحكم في نسق المباريات، مما جعل إنريكي في مأزق حقيقي آخر فترات الموسم، لفقدانه السيطرة على سرعة اللعب، ووقوع إينييستا في فخ عدم التركيز، لتواجده تارة كلاعب وسط متقدم، وفي مباريات أخرى كارتكاز مساند، مع نسف قيمته الحقيقية كريشة بين الطرف والعمق كالسابق، لأن هذه الوظيفة صارت للبرازيلي نيمار الذي يبالغ في الاحتفاظ بالكرة، ويقوم بالمراوغة والاختراق منفرداً أو بمساعدة الظهير الأيسر ألبا.

أندريس تحول إلى مجرد "وصلة" بين الظهير والجناح، لا أكثر ولا أقل. لدرجة وضع البعض تشبيهاً فيه قدر من التقليل لإينييستا عندما وصفوه برجل التوصيل أو "الدليفري مان"، وهذا الأمر لا يعيبه إطلاقاً بل هو مرتبط بشكل رئيسي بحالة برشلونة السيئة مؤخراً. وكان لتشافي هيرنانديز النجم السابق للنادي حديث مشوّق مع الصحافي مارتي بيرارنو، ليتحدث تكتيكياً عن الجانب المعقد في برشلونة، ولماذا أندريس إينييستا مجني عليه وليس جانياً داخل النظام الحالي.

المجني عليه
اعتاد لاعبو برشلونة على الدفاع بأربعة خطوط من دون الكرة، لكن مع تواجد ميسي وسواريز ونيمار هجومياً، دافع الفريق بخطّيْن فقط مع تمركز الثلاثي الهجومي في نصف ملعب الخصم، خصوصاً ليو ولويزتو، ليتم إجبار لاعبي الوسط على قطع أمتار مضاعفة، وحتى بعد الحصول على الكرة وبدء تنفيذ الهجمة، يجد إينييستا نفسه مطالباً بمزيد من الركض والجري، حتى يقطع المسافة الطويلة تجاه الثلث الأخير من الملعب.

نيمار نفسه يحصل على الكرة ويلعب بشعار أنه في غنى عن لاعب الوسط، يراوغ ويخترق ويصل إلى منطقة الجزاء بنفسه، لذلك أُرهق إينييستا بالتحولات ولعبتها، وقام راكيتيتش بالتغطية فقط خلف ميسي. يُكمل تشافي تصريحاته مؤكداً أن هذه الطريقة لا تناسب لاعبين بقيمة بوسكيتس وإينييستا. ربما سيكون لاعب مثل كاسيميرو مثالياً لهذا الأمر، حيث أنه يركز أكثر على الجانب البدني، ويحمي زملاءه عند الهجوم وأثناء المرتدات.
يتضح من حديث تشافي أن كابتن الفريق يُجبر على قطع مساحات طويلة بالكرة، وأن برشلونة في حاجة ماسة إلى تعديل وضعه الخططي، بتقليل الاعتماد شبه الكلي على لاعبي الهجوم، في سبيل تطوير مهام خط الوسط، وإعطاء نجومه أريحية أكبر في التعامل بالكرة، حتى يستطيع التغلب على ضغط الخصوم في المباريات الكبيرة. باختصار شديد: إما جلب لاعب مثل كاسيميرو أو شراء لاعب وسط يحمل "جينات" هيرنانديز.

القيمة المضافة
من المبكر جداً الحكم على فالفيردي أو حتى توقع ما يدور بخاطره، خصوصاً مع حالة الارتباك غير المبررة في ميركاتو برشلونة الصيفي، فالنادي يبحث في كافة الاتجاهات وفق أقاويل الصحف الكاتالونية المقربة من دوائر صنع القرار، لكن دون تحديد هدف حقيقي، في غياب واضح للرؤية الشاملة التي تؤسسها الإدارة الرياضية أولاً ثم المدير الفني. ومن بين اللاعبين الذين اهتم بهم البارسا، فيراتي، باولينيو، كوتينيو، ديمبلي، ديبالا، وحتى كوندوجبيا، في دلالة واضحة على صعوبة تحديد إطار الرسم الخططي للفريق في النهاية.

تغيرت الأمور بعض الشيء هذا الأسبوع، مع مفاوضات جدية في إنكلترا من أجل ضم كوتينيو، دون فقدان الأمل في التعاقد مع البرازيلي الآخر باولينيو، إما الآن أو في يناير/كانون الثاني القادم على أسوأ تقدير، أي سيتجه بارتوميو إلى جلب لاعب ارتكاز مساند، وآخر مائل للجناح مع قدرة على أداء دور لاعب الوسط الهجومي في التشكيلة، وبالتالي تتجه الطرق وقتها إلى خطة (4 – 2 – 3 – 1)، بتواجد ثنائي محوري حول الدائرة، أمامه ميسي كصانع لعب في المركز 10، رفقة الجناحين كوتينيو ونيمار، وبالطبع سواريز كرأس حربة وحيد داخل الصندوق.

كوتينيو لاعب رائع لأقصى درجة، بدأ مسيرته الكروية كجناح صريح لكنه تحول لآخر وهمي مع ليفربول، حيث يبدأ المباراة على الخط ثم يتجه إلى العمق من أجل التسديد وصناعة الفرص. وبعد قدوم يورغن كلوب إلى الأنفيلد، تطور مستوى اللاعب في الحسم والاختراق من القلب تجاه مرمى المنافس، مع زيادة خبرته وتطور حالته البدنية. تقريباً يستطيع الآن شغل كافة المراكز في نصف ملعب الفريق الآخر دون أي تراجع أو تقصير.

الطريقة البرازيلية
يصر برشلونة على الوصول إلى باولينيو، لدرجة أن ناديه الصيني أصدر بياناً رسمياً يؤكد استمرار اللاعب في آسيا، ليستغرب المشجعون والمتابعون هذه الحالة، بسبب كبر سن اللاعب وفشله من قبل في فرض اسمه مع توتنهام، مع التأكيد على الفوارق الشاسعة بين الدوري الصيني وبطولة الليغا ودوري الأبطال على حد سواء، لكن لا يزال المدير الرياضي روبرتو فيرنانديز يفكر في جلبه بأي طريقة ممكنة، حتى وإن تعاقد معه بشكل رسمي في فترة الانتقالات الشتوية المقبلة.

يتمركز باولينيو في المحور كلاعب ارتكاز مساند، يركض يميناً ويساراً، للخلف وإلى الأمام، تطور مستواه مع المنتخب البرازيلي تحت قيادة تيتي وحجز الخانة الأساسية، ويعتبر هذا اللاعب خياراً نموذجياً إذا فكر البارسا في لعبة التحولات، واحتاج إلى ارتكاز يقطع مسافات طويلة في الملعب دون أن يصاب بالإرهاق أو التعب. إنها وظيفة الأعمال "القذرة" كروياً التي لا يقدر عليها أمثال إينييستا وبوسكيتس وحتى البديل أندريه غوميز.

كوتينيو في المقابل أفضل سلاح ممكن لجعل ميسي يتحول إلى العمق كرقم 10 صريح، مع كبر سن الأرجنتيني وصعوبة قيامه بدور الجناح على طول الخط، بالإضافة إلى تخفيف الضغط أيضاً على نيمار، كما يحدث في تشكيلة السيلساو، فكوتينيو يسحب المدافعين بحركته ومهارته، وينطلق نيمار بحثاً عن التهديف في الفراغ المتاح، وعندما يرتاح كلٌّ من ميسي ونيمار فإن الفائدة ستعود بالإيجاب على سواريز وخلفه باكو ألكاسير.

العودة للأصول
يريد بارتوميو بقاء نيمار بأي طريقة، ويحاول بكل الوسائل المتاحة جلب زملائه في المنتخب البرازيلي، وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الرجل الذي تولى رئاسة برشلونة قبل جوسيب ماريا، سنجد اسم ساندرو روسيل ظاهراً في الصورة، إنه الإداري الكاتالوني المعروف عنه حبه الشديد لكل ما هو برازيلي، وصلته الوثيقة بكل الكوادر الرياضية في أميركا الجنوبية. يؤكد الماضي أن روسيل في 2007 أراد لويس فيليبي سكولاري بديلاً لفرانك ريكارد، وحاول جلب لويس فابيانو قبل ذلك كمهاجم رئيسي في حالة تعثر صفقة إيتو صيف 2004. ربما الرئيس الحالي على طول الخط يريد إحياء حلم صديقه القديم، لكن في 2017.

يقدم المنتخب البرازيلي تصفيات مثالية، ويلعب الفريق بقوة بدنية فعالة، مع ترك الشق الهجومي لأصحاب المهارات في الأمام، لكنه لا يعتمد على الاستحواذ والسيطرة مثل برشلونة، بل يركز أكثر على غلق مناطقه ومن ثم فتح المساحات خلف الدفاعات المقابلة. البارسا قادر على فعل ذلك في بعض المناسبات، لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة في الليغا وخلال مباريات خروج المغلوب بالشامبيونزليغ، لأن معظم الفرق التي تواجه برشلونة تلعب بالدفاع، وتقلل الفراغات في وبين الخطوط، وتعتمد فقط على المرتدات أو الضربات الثابتة، بما فيهم فرق كبار القارة العجوز من شرقها لغربها.

تقودنا هذه المعطيات إلى صعوبة البناء من الخلف، بسبب لعب ميسي، كوتينيو، نيمار، وسواريز بعيداً عن الدائرة، وصعوبة إتمام باولينيو لذلك إذا جاء، مع استمرار التضحية بإينييستا في حالة تواجده بجوار كوتينيو وبوسكيتس، وتدوير خطة 4-3-3 بصيغة مختلفة، بوضع الثنائي أندريس وفيليب يساراً ويميناً أو العكس أمام لاعب الارتكاز الوحيد، لأنهما بالتالي سيحتاجان إلى مجهود مضاعف في الركض والجري والقيام بالدور الدفاعي المرهق عليهما.

في النهاية سواء تعاقد برشلونة مع باولينيو وكوتينيو وحتى لوكاس ليما، وحتى وإن نجح فالفيردي في نسخ الطريقة البرازيلية الناجحة لتيتي، فإن البلاوغرانا سيخسر معركة الوسط آجلاً أم عاجلاً، ويجد نفسه من جديد بعد فترة طويلة أو قصيرة أسيراً لغول التشبع الهجومي، والضحية الكبرى بلا شك هي منطقة المنتصف، بفقدانها القدرة على ضبط إيقاع المباريات، وتوظيف الاستحواذ بطريقة مثالية في الربط بين الخلف والأمام، لذلك لا بد من التعاقد مع لاعب وسط من طينة تشافي، كفيراتي أو جورجينيو أو جان سيري أو أي اسم جديد يرشحه الكشافون!

المساهمون