الهولنديّون غير متحمّسين لوهب أعضائهم

19 نوفمبر 2016
ترقّب وأمل... (كريستوفر فورلونغ/ Getty)
+ الخط -

وهب الأعضاء موضوع جدليّ في البلدان النامية وفي تلك المتطوّرة على حدّ سواء. والتحفّظ على الأمر يؤدّي إلى نقص كبير، فيأتي الوهب التلقائي حلاً محتملاً لإنقاذ كثيرين. هل تنجح هولندا في ذلك؟

ينقسم الهولنديون حول قانون جديد أقرّه مجلس النواب، يدخل حيّز التنفيذ في حال التصويت عليه أمام مجلس الشيوخ. بموجب القانون، يتحوّل كلّ مواطن هولندي ومقيم في هولندا أتمّ الثامنة عشرة من عمره إلى واهب للأعضاء عند وفاته.

مرّ القانون أمام الغرفة الأولى من البرلمان الهولندي بفارق صوت واحد، مع تأييد 75 نائباً واعتراض 74 آخرين، الأمر الذي يؤشّر إلى حجم الانقسام في المجتمع إزاء القانون الذي وُصِف بالمفاجئ.

ينصّ القانون على أنّه في حال الرفض، على الهولنديين أن يرسلوا اعتراضهم على وهب أعضائهم إلى مشروع وهب الأعضاء وزرعها التابع لوزارة الصحة، أو يستطيعون توكيل أحد أفراد العائلة أو صديق باتخاذ القرار عند الوفاة. من دون ذلك، فإنّ الجميع يتحوّل إلى متبرّع.

بعد التصويت على القانون، ارتفع عدد زائري الموقع الإلكتروني الرسمي لوهب الأعضاء من ثلاثة آلاف و500 زائر يومياً كحدّ أقصى، إلى تسعة آلاف. وهؤلاء بمعظمهم اطلعوا على المشروع، لكنّ ثلاثة أرباعهم سجّلوا اعتراضهم ورفضهم وهب أعضائهم عند وفاتهم. وبحسب الموقع ذاته، فإن نحو أربعة آلاف و500 واهب مسجّل تراجعوا عن ذلك في أعقاب التصويت على القانون. تجدر الإشارة إلى أنّه قبل التصويت، كانت نسبة الواهبين المسجّلين في هولندا 0.20 في المائة من مجموع الهولنديين، بينما تصل في ألمانيا المجاورة إلى نحو ستّة في المائة.

وتشير البيانات إلى أنّ 30 في المائة من الهولنديين المرضى المحتاجين إلى زرع عضو، يجدون واهباً في العائلة، فيما ينتظر 70 في المائة منهم واهباً مجهول الهويّة. أربعة في المائة يبحثون في هولندا عن واهب مناسب، والآخرون خارج الحدود. إلى ذلك، فإنّ واهباً واحداً فقط من بين 50 ألف واهب يمتلك عضواً صالحاً للزرع في جسد المريض. أمّا المتبرّعون بعد الوفاة، فلا تنقل أعضاؤهم من جثثهم إلا بعد التأكد من أنّها ما زالت في حالة جيدة وصالحة للزرع في جسم آخر. يُذكر أنّ عمليّة إزالة الأعضاء الصالحة للاستخدام والزرع تستغرق نحو 16 ساعة.




غالباً ما تقع العائلات أو المقرّبون من المتوفين الراقدين في المستشفيات في "السيناريو الكابوس". على العائلة أن تقرّر إذا كانت تسمح بوهب أعضائه لمريض لا تعرفه وينتظر نقل عضو من شأنه أن يوقف معاناته وينقذ حياته. في هذا السياق، تخبر مارتا التي توفى زوجها دماغياً، أنّها وافقت على وهب أعضاء جسده بعدما قطعت الأمل في شفائه. لكنّها اليوم غير راضية عن قرارها، وتقول: "لا أعلم كيف وافقت على ذلك القرار".

البروفسور فريد أولتي جرّاح هولندي متخصّص في نقل الأعضاء وزرعها في أحد مستشفيات أمستردام، يقول إنّ "تصدّي العائلة لقرار وهب أعضاء الفقيد يترك آثاراً سلبية على علاقات أفرادها بعضهم ببعض". ويرى أولتي في القانون الجديد "فرصة مهمة للناس وهم أحياء وبكامل وعيهم وصحتهم، لمناقشة مسألة حساسة كهذه ومن ثمّ اتخاذ القرار المتعلّق بأجسادهم بعد موتهم". وانطلاقاً من تجربته المهنية يقول: "أظنّ أن الأقارب والمعنيين بالمتوفّين بغالبيّتهم، كانوا يحجمون عن التجاوب والموافقة على الوهب ليس بسبب رفض مطلق لمبدأ وهب الأعضاء، بل لأنّهم يرزحون تحت ضغط هائل في أعقاب تلقيهم خبر وفاة أعزاء لهم".

من جهة أخرى، يعيد بعضهم إحجام الهولنديين عن إبداء حماسة تجاه القانون إلى أنّه أقرّ بتوافقات حزبية حكومية. بالتالي، يجدونه تعبيراً عن توجّهات السلطة التي تريد فرض خياراتها على المواطنين وأجسادهم بعد وفاتهم. فيرى كاتب متخصّص في متابعة هذا الموضوع أنّ على الحكومة أن تكون واضحة مع الهولنديين أكثر في ما يتعلق بهذا القانون، وفي ما سوف يحدث لأجسادهم بعد الوفاة. فالقانون أغفل مسألة ألا يكون للمتوفى عائلة أو مقرّبون قادرون على اتخاذ قرار في هذا الشأن بعد الوفاة.

إلى ذلك، يشير أحد المعنيين في مؤسسة نقل وزرع الأعضاء الهولندية إلى أنّه من المحتمل أن يرفض هولنديون كثر وهب أعضائهم، لأنّهم لا يريدون من الحكومة أن تملي عليهم ما يفعلونه أو تمارس ضغوطاً لدفعهم إلى اتخاذ قرار الوهب. ولا يخفي أمل مؤسسته بأن يساهم القانون الجديد في زيادة نسبة الواهبين المسجّلين، مستدركاً بأنّ لا ضمانات في هذا الشأن، ومشدداً على أهميّة بقاء خيار الرفض قائماً وحاضراً في خيارات المتبرّع.

دلالات