في هذا العصر الذي يُعدّ عصر استهلاك بامتياز، يبدو الموريتانيون لا سيّما الشباب منهم متمسّكين بالمظاهر.
ينتشر الهوس بالمظاهر في المجتمع الموريتاني لدرجة أنّه لم يسلم منها كبير ولا صغير، ولا مقتدر ولا معوز. الجميع يستعرض ما يملك من سيارات فارهة وساعات باهظة الثمن وهواتف حديثة وملابس من ماركات عالمية وعطور فاخرة، وما إلى ذلك من كماليات.
وهذا الاهتمام بالمظاهر والتنافس على شراء ما يُطرح في الأسواق بهدف التباهي والتفاخر، يتسبب في تداعيات اجتماعية ونفسية نتيجة إصرار البعض على الحصول على أشياء من دون أن تكون له القدرة المالية الكافية لاقتنائها. وهذا يتسبب في أزمات نفسية وشعور دائم بالنقص، بالإضافة إلى ترجيح القيم المادية بين الناس على حساب الشخصية والأخلاق.
وتعاني الأسر الموريتانية اليوم من هوس أبنائها بـالتقنيات الحديثة ومطالبهم التي لا تنتهي بالحصول على أحدث الهواتف المحمولة وإكسسواراتها، وكذلك الأجهزة اللوحية وألعاب الفيديو وغيرها. فالأهالي يجدون صعوبة كبيرة في تأمين هذه المتطلبات وشراء أجهزة جديدة ذات تقنية متطورة من حين إلى آخر، كذلك يجدون صعوبة في السيطرة على أبنائهم وحملهم على الاستفادة من تلك الأجهزة بطريقة عقلانية لا تؤثّر على اندماجهم في المجتمع وعلى دراستهم.
يقول حامد ولد محمد الغالي، وهو موظف، إنّ "شغل الشباب الشاغل بات تغيير الهاتف المحمول وساعة اليد والنظارة والقبعة والملابس ومواكبة الموضة مهما كلّف الأمر أسرهم"، مضيفاً أنّ "الأمر تحوّل إلى هوس تسرّب إلى فكر الشباب فأصبحوا لا يفكّرون إلا في اقتناء الكماليات والتمسك بالمظاهر والتشجيع على ثقافة الاستهلاك". ويخبر ولد محمد الغالي "العربي الجديد" أنّ لديه ثلاثة أبناء "لا يستطيعون مقاومة المنتجات الجديدة ويضغطون عليّ لشرائها لهم، خصوصاً الهواتف المحمولة التي يستبدلونها بأيّ طراز آخر يحمل مواصفات إضافية، وإن كانت الهواتف التي يملكونها بحالة جيدة ولم يمضِ على شرائها أكثر من بضعة أشهر". ويقرّ حامد بأنّه "في أحيان كثيرة، أرضخ لطلبات أبنائي على الرغم من عدم اقتناعي. فأنا أخشى أن تصيبهم عقدة نقص، لا سيّما وأنّ أصدقاءهم وأقرانهم يظهرون ويتباهون بأحدث منتجات العلامات التجارية الكبرى".
من جهتها، ترى عائشة بنت ببانا وهي مدرّسة أنّ "الثقافة الاستهلاكية شجّعت الهوس الذي يعاني منه الموريتانيون اليوم، فلم تعد الرغبة في التسوق تلبية لحاجة ملحة. وهو ما يخلّف صراعات ومشاكل بين الشباب بسبب التنافس مع بعضهم بعضاً على اقتناء كل جديد والظهور بحسب الموضة الحديثة". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "هوس الشباب بالمظاهر والتفاوت في المستوى الاجتماعي والقدرة المالية ينمّيان الحقد الطبقي، ويدفعان ببعض المراهقين الذين لا يملكون إمكانيات شراء المنتجات الفاخرة إلى استعارة الملابس ذات العلامة التجارية المميّزة أو شراء منتجات مقلدة، من أجل التباهي بها بين زملائهم". وتشير بنت ببانا إلى أنّها تنصح جميع طالباتها "بالاهتمام بالأخلاق والتحصيل العلمي بدلاً من الهوس بالمظاهر الفارغة وإدمان شراء منتجات العلامات التجارية وإنفاق أموال أهاليهم على الهوايات والمتع الشخصية".
إلى ذلك، يسود اعتقاد بين بعض الموريتانيين بأنّ المبالغة في حبّ المظاهر منتشر أكثر بين النساء، وبأنّ الهوس بالإكسسوارات والملابس والعطور والتنافس من أجل شراء أحدثها، والتباهي بكل ما يتعلق بالمظهر والشكل، ظاهرة أنثوية خالصة. لكنّ علماء في الاجتماع يرون أنّ هوس الشراء والتغيير لا يقتصر على جنس دون آخر، ويؤكدون أنّ حبّ المظاهر منتشر بين كلّ الفئات والطبقات الاجتماعية من دون فرق بين أبناء الطبقة الغنيّة والطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة.
وفي السياق نفسه، يقول الباحث الاجتماعي، سيدي محمد ولد يحظيه، لـ "العربي الجديد" إنّ "الموريتانيين يخصصون نحو 20 في المائة من دخلهم الشهري على أقلّ تقدير للترفيه والاهتمام بالمظاهر وشراء أحدث المنتجات من الماركات العالمية". يضيف أنّ "الترف في الاستهلاك بات ثقافة سائدة في المجتمع تغذّيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، حتى باتت المبالغة في الاهتمام بالمظاهر والأمور الكمالية منتشرة بين الناس". ويعيد ولد يحظيه الأسباب إلى "توفّر السلع والتأثّر بالغرب وانتشار العادات الاستهلاكية التفاخرية الجديدة في المجتمع، والتي أدّت إلى تشجيع الناس على الإسراف والتبذير، بالإضافة إلى غياب القناعة والرضا والسعي إلى كسب ثناء الناس والفوز بإعجابهم".
ويدعو ولد يحظيه إلى "محاربة ظاهرة الهوس بالمظاهر وترشيد الاستهلاك وتعزيز ثقافة الادخار وشراء الحاجات الضرورية، من دون السعي إلى ملاحقة الموضة وآخر الإنتاجات التقنية الحديثة". ويحذّر من أنّ "المبالغة في الاهتمام بالمظاهر والسعي إلى امتلاك أحدث الأجهزة والعلامات التجارية يتسبب في تراكم الديون نتيجة الإنفاق غير المبرر والنهم الاستهلاكي وطغيان القيم المادية في المجتمع".