الهند والسعودية.. الحاجة إلى تعميق العلاقات

01 ابريل 2016

سلمان ونارندرا مودي في قمة دول العشرين (نوفمبر2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
بعدَ ثمانيةِ أشهر من زيارتِه الإمارات العربية المتحدة، يقوم رئيس وزراء الهند، نارندرا مودي، غداً السبت، (2 إبريل/ نيسان) بزيارةٍ للمملكةِ العربيةِ السعودية. لا تنقصُ الأسبابُ الموضوعيّة لتفسيرِ هذه الزيارة، فالمملكةُ هي المزوِّدُ الأوَّلُ للهند بالبترول، وتستقبلُ ما يقاربُ 2.8 مليون مواطن هندي، كما أنَّ الهند لن تجدَ باباً أفضلَ تطرقُه في بحثِها عن مستثمِرين أجانبَ لتسويقِ مشاريعِها "صُنِع في الهند"، وذلك على الرغم من المشكلات الماليّة التي تعرفُها المملكة. ناهيكَ عن ذلك الزيارات المتبادلة، على الرغم من تباعدها، على مرِّ العقود، بين المسؤولين الهنود والسعودييّن، إلّا أنّنا نكون مخطئين إن اكتفَينا بالجوانب الرسمية والاقتصاديّة لهذه الزيارة.
كرّس نارندرا مودي جهداً كبيراً لإعادة صياغةٍ كاملة للسياسة الخارجيّة للهند، منذُ وصوله إلى سدّة الحكم. لا يمكن الحديث حرفِيّاً عن إعادةِ نظرٍ بالديبلوماسيّة المتّبعة في بلادِه، إنّما عن عَقلنةٍ تتكوّن من تعديلاتٍ عديدةٍ، وإعادةِ تعريف للأولويّات والتوجُّهات الرئيسيّة للسياسة الخارجيّة للهند. فيما يتعلّق بالشرق الأوسط، كان متوقَّعاً أن يخَصِّص نارندرا مودي لإسرائيل زيارتَه الأولى للمنطقة، إلا أنها كانت لدولة الإمارات، غير أنَّ حديثاً جرى في نهاية العام 2015 عن زيارةٍ مرتقَبة له إلى إسرائيل. لم يتمّ تحديدُ تاريخٍ لها، وبدلاً من ذلك، زارت وزيرة الخارجيّة الهندية، سوشما سواراج، القدس ورام الله في يناير/ كانون الثاني الماضي، للتحضير لهذه الزيارة، وحرصت على ألّا تنطق أيّة كلمةٍ من شأنِها أن تثيرَالجدل. حاليّاً، يجري الحديثُ عن زيارةٍ يقوم بها نتنياهو للهند، قبلَ أن يزورَ مودي إسرائيل، إلّا أنّه لم يتمَّ الإعلان عن موعدٍ لأيٍّ من الزيارتين، فتكونُ المملكةُ العربيّة السعوديّة وجهةَ مودي الثانية في المنطقة، رئيساً لوزراء الهند.

الأولويّة للمصالح
وكان المسؤولون العرب، لا سيّما السعوديّون منهم، قد استقبلوا بفتورٍ نجاحَ مودي الانتخابي.
فسمعتُه معادياً للمسلمين غالِبةٌ، بحكمِ الإيديولوجيّة الوطنيّة لحزب الشعب الهندي (PJB) والذي يمثله مودي، وخصوصاً بسبب الأحداث بين الهندوس والمسلمين عام 2012 في ولاية غوجارات التي كان يتزعَّمها، والتي ذهبَ ضحيتُها ما يقاربُ 2000 شخص، معظمُهم من المسلمين. على أنّه، لدى وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز في يناير/ كانون الثاني 2015، أعلن مودي، بنفسِه، يوم حدادٍ وطنيٍّ في الهند، وكان مودي والملك سلمان بن عبد العزيز قد تعرفا جيداً على بعضهما منذ التَقيا في نهاية العام 2014 على هامشِ قمَّة الدوَل الثماني العُظمى G20 في بريسبان، وأدركا أهميَّة التشاور المتبادَل بينهما. باختصار، بدأ النهج الاستراتيجي يطغى على النهج الإيديولوجي.
العلاقاتُ بين الهند والمملكة العربية السعودية قديمةٌ وراسخة، وإن لم تكن مقرَّبة وعميقةً. عرفت منعطَفاً مهماً عام 2006، حين كانَ الملك عبدالله ضيفَ شرفِ العرض العسكري في يومِ الجمهورية. فالمَملكة تُدرك أنّ مصلحتَها تتَّجهُ أكثرَ فأكثرَ نحو الشرق. في ذلك الوقت، لم يكن البترول والغاز الصخري الأميركيّين يسمَحان للولاياتِ المتَّحدة بالاستغناء عن الذهبِ الأسوَدِ السعودي، إلا أنَّ العربيّة السعوديّة مهتمَّةٌ بالبحث، على المدى البعيدِ، عن زبائنَ لشراءِ مخزونِها من الهيدروكربون. والهند والصين بلدان يمتلكان المواصفات المطلوبة: بلدان يعرفان تطوُّراً اقتصاديّاً كبيراً، عددُ سكّان كليهما هائلٌ، وحاجتُهما، بالتالي، إلى مواردِ الطاقةٍ عالِيةٌ جداً. هذا بالإضافةِ إلى أنّه ليس من عادةِ الصين ولا الهند الحديث عن شريكتِهما بخصوص حقوق الإنسان، على عكس الولايات المتحدة.
هذان البلدان شريكان يؤمَّن لهما، والرياض تسعى إلى كسبِ وُدِّهِما، لا سيّما وأنّهما لا يسعيان أبداً إلى الحلول مكانَ الولايات المتحدة حامِيةِ الحمى. فالعلاقاتُ بين البلدين، وإن كانت متدهوِرة حالياً، قد تجاوَزت الأمرّين على مدى عقود، ولا يتصوَّر أحدٌ أن تنقَطِع تلك العلاقاتُ في المدى المنظور. ومن هذا المنظورِ تحديداً، ليس لدى الصين أو الهند أيُّ طموحٍ للحلولِ مكانَ الولاياتِ المتَّحِدة في الخليج، فما من سوءِ تفاهمٍ أبدأً في هذا الموضوع.

إيران وباكستان.. تستوجبان الحذر
فيما عَدا المواضيع والنقاشات المذكورة أعلاه، والتي لا غِنى عن الحديثِ عنها (نفط، استثمارات، الجالِيةُ الهنديّة في المملكة العربيّة السعوديّة)، سيتطرّق مودي ومضيفوه السعوديّون، بطبيعةِ الحال، إلى مواضيعَ سياسية. ثمّة موضوعان أكثرُ حساسيَّة من غيرهما: باكستان والهند.
في مقابلة مع جريدة تايمز أوف إينديا، شدّد وزيرُ الخارجيّة السعودي، عادل جبير، على أن "العلاقات مع باكستان لن تكونَ على حسابِ العلاقات مع الهند". يقول المضمورُ (وإنّما ملمّح له بقوَّة) إنّ العكسَ صحيحٌ أيضاً، أي إنَّ توطيدَ العلاقاتِ مع العربيّة السعوديّة لن يؤدّي إلى الابتِعادِ عن دولةٍ وُصفت "حليفاً تاريخياً وسيبقى كذلك" في المقابلة نفسها، فاستِعجالُ زيارةِ وزيرِ الخارجيّة عادل الجبير في يناير/ كانون الثاني إلى إسلام أباد، والتي تلتها بعدَ ذلك بأيّامٍ زيارةُ وزيرِ الدفاع ووليّ وليّ العهدِ الأمير محمد بن سلمان، خيرُ دلالةٍ على أهمِّيّةِ باكستان في نظرِ المملكةِ. وجاءت الزيارتان بعدَ أسابيعَ من رفضِ باكِستان أن تشاركَ في "التحالف ضدَّ الإرهاب" الذي أعلنَ عنهُ محمد بن سلمان في منتصفِ ديسمبر/ كانونِ أول.
وعلى الرغم من استيائها الذي فشلَت في إخفائه، فإن السعوديّة لا تريدُ أن تخسرَ باكستان التي رفضَت أن تتبعَ الرياضَ للمرة الثانية: الأولى حينَ رفضَت إرسالَ قوّاتِها إلى اليمن ضدَّ الحوثيين، وحين نفت انتسابَها إلى التحالُفِ المكوَّن من 34 دولة إسلاميَّة بقيادةِ المملكةِ العربيَّة السعوديَّة.
سينتهِز رئيسُ الوزراء الهنديُّ هذه الفرصةَ، ليلعبَ مع الرياض الورقةَ التي سبقَ ولعبَها مع
أبوظبي قبل ثمانية أشهر، وكانت ضربةَ معلِّم، حين استَحصل على بيانٍ يدينُ الدول التي تستعمِل الدين لدعم الإرهاب، مشيراً بوضوحٍ إلى باكستان. لكن الامتحانَ الحقيقيَّ للعلاقاتِ السعوديّة – الهنديّة يبقى إيران، فلنيودلهي علاقات جيِّدةٍ مع طهران، ويميل السعوديون، في هذه الأيّام، إلى تقييمِ مصداقيَّة شركائهم وفقاً لموقِفهم من الجمهوريّة الإسلاميّة (تماماً كما تفعلُ الهند، فيما يخصُّ باكستان). من المحتَمل أن تضغطَ المملكةُ بوضوحٍ على الهند كي تبتعدَ عن إيران. وإن فعلت ذلك، لوُضِعت الهند في مأزق. فالهندُ بحاجةِ لإيران من الناحِيةِ الاستراتيجيّة، لأسبابٍ عديدة: لتأمينِ جزءٍ من مواردِها بالغازِ والنفط، للمساهمةِ بتثبيتِ الوضعِ في أفغانِستان، في إطارِ الانسحابِ الأميركي، وأخيراً إمكانيّةِ استِعمال مرفأ شهبار الإيرانيّ على بحرِ عُمان، طريقاً إلى آسيا الوسطى، ما يُخفِّف من حاجةِ كابولَ في اعتِمادِها على باكستان.

مكافحة الإرهاب، موضوع تَوافُقي
عدا عن موقفِ الهند التقليدي بعدمِ التدخّل في الصراعات الدائرة بين بلدين، ثمَّة سبب آخر، يَدفع نارندرا مودي إلى عدمِ الانحِياز إلى جانبِ أو إلى آخرَ في الصراعِ بين العربيّة السعودّية وإيران، وهو أنَّ ربعَ الهنود المُسلمين الذين عددُهم الإجمالي 180 مليوناً، هم من الطائفةِ الشيعيَّة. ولا مجالَ لأيّة وساطةٍ بينَ المملكة العربيّة السعوديّة والجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة، على الرغم مما يتداولُه الإعلامُ الهندي: فلا رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، ولا الرئيس الصيني، شي ينبنيغ، حاوَلا التطرُّق للموضوع، على الرغمَ من أنَّهما قاما بزيارتَين متتاليتَين في شهرِ يناير/ كانون ثاني للعاصمتَين الخليجيّتين، فالعداءُ بين الدولتَين لا يفسحُ، في الوقت ِالراهنِ، مجالاً لأيّة وساطةٍ كانت.
وعليه، من المُفارقةِ بمكانٍ أن يلتَقي نارندرا مودي والملك سلمان بن عبد العزيز، على الأرجح، حولَ التعاوُنِ في مكافحةِ الإرهاب ضدَّ الحركاتِ الجهاديّة. ما لا نعرفُه على نطاق واسع هوَ مجالَ التعاونِ هذا موجودٌ، وقد أثبتَ جَدواه، عندما تمَّ تسليمُ مجموعةِ مشبوهين إلى الهند، من بينِهم أبو جندل الذي تمّ تسليمُه عام 2012، وهو هنديٌّ مُرتبطٌ بهجوماتِ نوفمبر/ تشرين ثاني 2008 في بومباي. كما تمَّ أيضاً تسليمُ محمد أسدلله خان (الملقَّبُ بأبي سفيان) إلى الهند، وهو مناضلٌ في مجموعةِ لشكر طيبة، وكانَ قد اعتُقِل في السعوديّة في ديسمبر/ كانون أول، بعد تبادلِ معلوماتٍ بين الهند وبريطانيا. وإن كانت الهندُ على قلقٍ من الخطرِ الذي يشكِّلُه الناشطون الجهاديّون، والرياض تعرفُ أنّها مستهدفة من تنظيمِ الدولة الإسلامية (داعش).
على الرغم من سمعتِه المسانِدةِ لإسرائيل والمعادِيَة للإسلام، يبدي نارندرا مودي عن حذاقة دبلوماسيّة وعن براغماتيَّةٍ لم تكن على رصيدِه من قَبل، حيثُ أنّه يعتمِدُ على الدولِ المُحافظة في شبهِ الجزيرة العربيّة، للمُضيِّ في سياستِه. وهو في ذلك يطبِّق وصيَّة كوتيليا، مؤلِّف الآرتاشاسترا، وهو كتابٌ حولَ فنِّ الحكمِ موجَّهٌ للملوك: "جارُك هو عدوُّك الطبيعي، إنما جارُ جارِك فهو صديقُك".

avata
أوليفييه دالاج

صحافي فرنسي