الهند تخسر المزيد من نفوذها لمصلحة الصين: المالديف نموذجاً

12 يونيو 2018
عزز الرئيس المالديفي التعاون مع الصين (فريد دوفور/فرانس برس)
+ الخط -
تخسر الهند تدريجياً نفوذها في جزر المالديف الاستراتيجية في المحيط الهندي، أمام الطموحات الاقتصادية والعسكرية للصين خصوصاً، والمصالح السعودية. وتتألف المالديف من 1192 جزيرة بمساحة إجمالية تبلغ 298 كيلومتراً مربعاً تسكنها غالبية مسلمة.
ومنذ بدأت بكين تضخّ استثماراتها في المالديف عام 2014، تشعر نيودلهي بأنها مهددة أمام الطموحات الصينية. وتعمل الصين على مشروع جسر بين عاصمة المالديف، ماليه، ومطار هولهولي (إحدى جزر هذا الأرخبيل). وترتبط الصين بالمالديف باتفاقية تجارة حرة. ونتيجة اتساع النفوذ الصيني في المالديف، أعطت الأخيرة للصين حق استثمار جزيرة فيدهو فينولهو لأغراض سياحية لمدة خمسين عاماً، فضلاً عن مباشرة الصين إنشاء قاعدة عسكرية بحرية على أراضي المالديف.

ويقول خبير الشؤون الاستراتيجية الهندي، مدير مؤسسة أوبزرفير للأبحاث، اين ساثيا مورثي، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ بدأت الصين الاستثمار بكثافة في المشاريع التي تدّعي بكين أنها تنموية في جنوب آسيا، تلقت الهند ضربة استراتيجية في منطقة نفوذها، لأن ما تفعله الصين اليوم مشابه لما كانت الولايات المتحدة تمارسه أثناء الحرب الباردة من فرض نفوذ في جوار الهند، من باكستان إلى سريلانكا".

ويعتبر كثيرون أن الهند فوّتت على نفسها فرصة لاستعادة التوازن في النفوذ مع الصين. فعندما أعلن رئيس المالديف عبدالله يمين حالة الطوارئ في فبراير/ شباط الماضي ضد المعارضة، ناشد زعيم المعارضة المالديفية، الرئيس السابق، محمد نشيد، الهند للتدخّل. غير أن الهند رفضت في حينها "التدخّل في الشؤون الداخلية لبلد آخر"، ليحسم عبدالله يمين الوضع لمصلحته وليبقى محمد نشيد مقيماً في منفاه البريطاني.
وتقول غولبين سلطانة، الباحثة والخبيرة في شؤون المالديف من معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية المموّل من وزارة الدفاع الهندية، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن للهند أن تتدخّل في الشؤون الداخلية للمالديف الآن، لأن الوضع هذه المرة مختلف تماماً عما كانت عليه الحال عام 1988، حين طلبت حكومة مأمون عبدالقيوم مساعدة عسكرية من الهند لمواجهة محاولة الانقلاب في حينها. ويوحي كلام سلطانة بأن نيودلهي غير مستعدة للتدخّل اليوم في المالديف بما أن الغرب مصرّ على الاعتراف بشرعية حكومة عبدالله يمين الحالية.

وفي الفترة نفسها، وصلت 11 سفينة حربية صينية إلى شرق المحيط الهندي وسط الأزمة الدستورية في المالديف مطلع العام الحالي. وربما هذا ساهم جدياً في ردع أي تدخّل هندي في هذا البلد. على الرغم من ذلك، تصاعد التوتر بين نيودلهي وماليه، التي رفضت دعوة الهند للمشاركة في المناورات البحرية مطلع شهر مارس/ آذار الماضي، والتي شاركت فيها 15 دولة بالإضافة إلى الهند. في هذه الأثناء، أرسل يمين مبعوثاً خاصاً إلى الصين وباكستان والسعودية لإطلاع المسؤولين هناك على تفاصيل الأزمة السياسية في المالديف.


وفشلت محاولات الهند الرامية إلى استعادة نفوذها التقليدي في منطقة جنوب آسيا في مواجهة مصالح الصين، من النيبال إلى بنغلاديش والمالديف. فقد عززت هذه البلدان المجاورة للهند علاقاتها بالصين طيلة السنوات الماضية. وسبق أن خاضت الصين والهند حرباً في عام 1962، ولا تزال العلاقات بينهما متوترة، خصوصاً على حدودهما من جهة شمال الهند.
وترى خبيرة الشؤون الجيوسياسية في مؤسسة أوبزرفير للأبحاث، راجي راجاغوبالن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه إذا لم تتمكن الهند من تسوية قضية جزر المالديف لصالحها "فقد تتخذ الدول الصغرى في جنوب وجنوب شرق آسيا قراراً بمصالحة الصين، على قاعدة أن الهند غير قادرة على الوقوف في وجه الصين".

ويسير اتساع النفوذ الصيني في المالديف بالتوازي مع اتهامات موجّهة للسعودية تحدث عنها زعيم المعارضة، محمد نشيد، الذي اتهم الحكومة الحالية في ماليه "بتوفير تسهيلات للتطرف الإسلامي". وعن هذا الموضوع، يقول ساثيا مورثي إن الهند قلقة لأن "السعودية ترعى نشر التطرف بين شباب المالديف". وبرأي مورثي، فإنه يستحيل فصل هذا الدور السعودي عن اعتقال القوات الأميركية أخيراً بعض المواطنين المالديفيين خلال قتالهم إلى جانب "داعش" على الحدود الأفغانية الباكستانية، فضلاً عن مقتل العشرات من المقاتلين المالديفيين في سورية، بحسب الباحث الهندي.

وفي الإطار نفسه، قامت غولبين سلطانة بدراسة بحثية مفصلة لمصلحة معهد الدراسات الدفاعية الهندي حول التطرف في المالديف ونشاطات "القاعدة" و"داعش" هناك وما تقول إنه "تمويل سعودي للتطرف في جزر المالديف". وتقول سلطانة لـ"العربي الجديد": "رأينا لافتات تمجّد أسامة بن لادن على الجدران في بعض مناطق المالديف، ونرى أثر التطرف المستورد من السعودية أيضاً على النظام الإداري والقضاء في المالديف"، على حد تعبيرها. أكثر من ذلك، فقد خلص بحث سلطانة إلى أن بعض المالديفيين تورطوا في الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت الهند عام 2008.

وعن الاتهامات الموجّهة إلى السعودية حول "مطامعها" في جزر المالديف، تحدثت وسائل إعلام أجنبية العام الماضي عن صفقات بيع جزر مالديفية للسعودية وحجز ثلاثة منتجعات في الأرخبيل تحت خدمة الملك سلمان بن عبدالعزيز. وعلى الرغم من أن حكومة المالديف نفت هذا الخبر بالكامل، غير أن منظمة العفو الدولية كتبت في تقرير لها، نشرته في مارس/ آذار الماضي، أن صحافيين من تلفزيون "راجيه" المالديفي أبلغوا الشرطة بأنهم تلقوا تهديدات بالقتل إذا أرسلوا صحافيين إلى جزيرة فافو أتول لتغطية زيارة الملك سلمان. وفي مارس أيضاً، بدأت المالديف ببناء مسجد الملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي سيكون أكبر مسجد في جزر المالديف ليتسع لأكثر من 10 آلاف مُصلٍ بكلفة تُقدّر بنحو 25 مليون دولار.