ماذا حققت يا تشارلي؟ هذه كانت أولى كلمات الأب لولده الصغير، الذي ترك البرازيل وذهب إلى إنجلترا من أجل تحصيل العلم، لكنه عاد ومعه كرتان، ووقف أمام والده بكل شجاعة قائلاً، "ابنك تخرج من جامعة كرة القدم، وتعلم مبادئ هذه اللعبة العظيمة، وعقد العزم على نقلها إلى كل شوارع وأزقة البرازيل".
الرحالة المجرية
انتقلت الثورة الكروية من المجر إلى سويسرا ثم إلى البرازيل، كريشنر مساعد هوغان في سويسرا سافر إلى البرازيل وبالتحديد إلى فلامينغو من أجل تدريب الفريق العريق. وقتها أصر المدرب الأوروبي على تنفيذ أفكاره الجريئة والمختلفة تماماً عن خطة الدبليو إم التي غزت بلاد الكوبا كابانا.
علت الانتقادات ضد المدرب، واتهمه الجميع بأنه إنسان غريب الأطوار، لا تعرف هل هو مجري أم سويسري أم برازيلي، لا يتحدث كثيراً مع أحد، ويصر على تطبيق أفكاره مهما كان الخصم. ويكن عداء شديدا لخطة الـ WM، لذلك بدأ سريعاً في إضافة بعض التغييرات إلى طريقة لعب فلامنغو، ومنه إلى كل الفرق البرازيلية.
حّرك كريشنر المدافع الأخير إلى الأمام، ليصبح هناك ثلاثة لاعبين في الوسط، وأصبحت الخطة قريبة من الميتودو الإيطالية، أي طريقة 2-3-2-3 أو الـ WW، وفي حالات الدفاع يعود لاعبان من الأطراف للخلف، ويصبح هناك رباعي صريح أمام المرمى، مع ثلاثي آخر في الوسط، وثلاثي في الهجوم، فكرة قريبة من الـ 4-3-3 لكنها لم تكتمل، ليرحل الرجل سريعاً بعد قرابة العام، بعد أن ألقى الحجر الأول في المياه الراكدة البرازيلية.
التجربة البرازيلية
هيروشيما في البرازيل؟ هل هذه المقولة صحيحة أم مجرد معلومة خاطئة؟ الأمر يعود إلى عام 1950 وبالتحديد في نهائي كأس العالم، حينما خسرت البرازيل على أرضها وبين جماهيرها أمام الأوروغواي في النهائي التاريخي، وعاد الجمهور إلى بيته حزيناً مكسوراً، لدرجة أن صرخات الحزن كانت تسمع من على بعد، في مختلف حارات ومناطق البرازيل بعد هذا النهائي المشؤوم.
تكتيكياً، قدمت البرازيل بطولة رائعة وكانت الطرف الأفضل أمام الجميع، مع خطة حديثة ومبتكرة، أقرب إلى 4-2-4 في طريقة لم تكن معهودة أبداً على الكرة في تلك الأيام، والسر يعود إلى نادي فلامنجو ومدربه البارع فلافيو كوستا، الرجل الذي وضع بصمة حقيقية على فنيات اللعبة في أميركا اللاتينية.
بعد محاولة كريشنر ورحيله، وضع كوستا كل تفكيره في كيفية تغيير خطة الـ WM أو 3-2-2-3، وبدأ في مسح الخطة قطرياً باستخدام بعض الرسومات الهندسية، بالحفاظ على ثلاثة لاعبين في الخلف، مع عودة لاعب من الوسط قليلاً، لا هو لاعب وسط صريح ولا هو مدافع حقيقي، بل لاعب بين المركزين، ليصبح هناك رباعي خلفي عند الحاجة.
مع عودة لاعب من الهجوم المتأخر إلى الوسط قليلاً، على طريقة اللاعب السابق، بمعنى أنه نصف مهاجم متأخر ونصف لاعب وسط، مع وجود ثنائي على الأطراف ومهاجم صريح متقدم، بينما اللاعب الرابع هو الكل في الكل، تارة تجده على الطرف وفي أوقات أخرى بقلب الهجوم وهكذا، حتى الوصول إلى صيغة الخطة المائلة لليمين أو اليسار، في أقرب شكل ممكن لخطة 4-2-4، أيقونة الفن المستقبلية للكرة البرازيلية.
مورينيو المجر
قدم المجريون أعظم الفقرات الكروية في فترة خمسينيات القرن العشرين، وسافر مدربوهم إلى كل أنحاء العالم، من أجل نشر كرة القدم وطباعة أفكارهم على الملاعب المختلفة، ومن بين هؤلاء المدرب العظيم بيلا جوتمان، الرجل الذي تحدى إدارة بنفيكا وتركهم بعد الفوز بدوري الأبطال، بسبب خلافات مالية مؤكداً أنهم لن يحققوا أي بطولة كبيرة بعده، ومنذ هذا التاريخ والفريق البرتغالي يخسر النهائيات في أوروبا، فيما يعرف إعلامياً بـ "لعنة بيلا جوتمان".
يشبه مورينيو المدرب جوتمان كثيراً، لأن بيلا كان يتحدى الجميع، ووضع شخصيته قبل كل اللاعبين، لذلك عُرف بمحبيه وكارهيه على حد سواء، في أسلوب قريب لما يفعله حالياً جوزيه في ملاعب إنجلترا وأوروبا. جوتمان كانت له تجربة رائعة في البرازيل مع ساو باولو، استفاد منها السيلساو كثيراً في تغيير الخطط وتطويرها وصولاً بتحقيق بطولات عديدة في كؤوس العالم بعد ذلك.
قرر بيلا أن يلعب بنفس النسق التكتيكي 4-2-4 لكن بسرعة أكبر في نقل الهجمة من الدفاع إلى الهجوم، لذلك لم يأت جوتمان بخطط جديدة إلى البرازيل، لكنه أضاف بعد التوازن الخططي إلى المدربين هناك، حتى استفاد فيستني فيولا، مدرب المنتخب البرازيلي في مونديال 1958 من هذه الأفكار، وأوجد نظاما تكتيكيا يضمن الهجوم المهاري مع الثبات الدفاعي بالخلف.
"حينما تستلم الكرة، مررها مباشرة إلى جارينشيا، الكرة الثانية يجب أن تكون للجناح"، يقول فيولا المدرب هذا الكلام إلى ديدي الذي يقوم بعمل التحول السريع ناحية الجناح جارينشيا، بينما زاغالو الجناح الآخر يعود لمساندة الوسط عند الحاجة. مهاجم صريح في المنطقة مع بيليه خلفه، هكذا وصل البرازيليون إلى المجد، بالأفكار الفنية القادمة من المجر، والمهارات اللاتينية الخالصة المنتشرة على شواطئ بلاد الكوبا كابانا! ورغم كل هذه الأحلام، إلا أن الرجل الإنجليزي فاجئ الجميع مرة أخرى، بمفاجأة لم تكن في الحسبان أبداً.. دعونا ننتظر القادم.
اقرأ أيضاً :
الهرم المقلوب 7..المدرسة المجرية تفتح أبوابها في ويمبلي
الهرم المقلوب 6..حرارة كرة القدم تهزم تأثير الفودكا
الهرم المقلوب 5.. هوغو مايزل و"ميتودو" بوزو
الهرم المقلوب4.. صانع أمجاد أرسنال وتكتيك الـ "WM"
الهرم المقلوب 3... من إنجلترا لأميركا اللاتينية..تطوّر الهرم التكتيكي
الهرم المقلوب 2...من المراوغات إلى"1-2-7".. بدايات تكوين الهرم التكتيكي
الهرم المقلوب 1... دليلك لفهم أسرار الساحرة المستديرة