يدرك المشجعون القدامى للعبة قيمة الاتحاد السوفييتي في الرياضة، خصوصاً مع حضور منتخباته بشكل مستمر في مختلف البطولات العالمية والألعاب الأوليمبية لكل الألعاب المتاحة، بما فيها كرة القدم، حيث كانت هناك صولات وجولات للأندية الروسية والأوكرانية داخل القارة العجوز، سواء على صعيد الأندية أو رفقة منتخب موحد يجمع الفريقين معاً، لذلك وضع الهرم المقلوب تركيزا شديدا على سحر المستديرة الذي أذاب جليد موسكو رغم عوامل الزمان والمكان.
الكرة أم الفودكا؟
شتاء 1890 بموسكو، يعمل الإنجليزي هاري شارنوك في إحدى الشركات الروسية الكبيرة، ويعاني من البرد القارس والطقس الغريب، الذي يمنعه رفقة العاملين من التنزه والخروج في أيام العطلة الباردة السخيفة، لذلك يجلس كل شخص في منزله، من أجل احتساء الفودكا ومحاولة الحصول على جانب مريح من التدفئة، وسط حياة بلا أي جديد.
يفكر سريعاً عاشق بلاكبرن روفرز في فعل شيء مختلف، ويبدأ في جمع كل من يعرفهم، لكي يتقابلوا سوياً في مكان ما، ويبدأ فعلياً في تعليمهم مبادئ كرة القدم. وكانت فكرة الهروب من الفودكا هي النواة الرئيسية لإنشاء أول أندية الاتحاد السوفييتي، دينامو موسكو بألوان شبيهة في البدايات بفريق بلاكبرن، موطن العاشق الإنجليزي الولهان.
وبعيداً عن البدايات وأسرارها، فإن كرة القدم في أوروبا الشرقية تدين بالكثير إلى شخصين، ساهما بشكل رئيسي في تطوير التكتيك هناك، الأول هو الخبير الفني بوريس أركاديف، الرجل الذي قام بتأليف "تكتيكات كرة القدم"، المجلد الذي كان بمثابة المرجع لكل مدربي الاتحاد السوفييتي، والثاني هو فيكتور ماسلوف، المدرب المختص بتفعيل خاصية الضغط العالي داخل المستطيل الأخضر.
الفوضى الخلاقة
لعبت كل الفرق في أوروبا لخطة الـ WM، ولم يفكر أي مدرب في محاولة التغيير والتطوير، لذلك صارت معظم المباريات متشابهة وقريبة في خطوطها العريضة. هذا الأمر أغضب أركاديف كثيراً، وجعله يفكر مرارا وتكرارا في الوصول إلى تكتيك جديد، يكون هو البداية الحقيقية لهزيمة الإنجليز فنياً خارج الملعب.
آمن المدرب الذكي بفكرة العالمية في التكتيك، وتوصل إلى قناعة كاملة بأن الحركة هي أساس اللعبة، ويجب على كل اللاعبين التحرك باستمرار وعدم التقيد بمركز واحد. هو مبدأ قريب جداً من فكرة الكرة الشاملة، وفلسفة تغطية المساحات التي انتشرت بقوة خلال السنوات الأخيرة، لذلك أمر أركاديف لاعبيه بضرورة اللعب في كل مركز، لاعبو الهجوم لا يقفون فقط داخل منطقة الجزاء، بل يكفي لاعب واحد فقط، أما البقية متغيرون في الثلث الأخير.
كذلك الحال بالنسبة للاعبي الدفاع، وأصبحت "الفوضى الخلاقة" هي السمة الأساسية لفريق دينامو، لدرجة أن معظم أهداف لاعبي الأجنحة جاءت من داخل منطقة الجزاء، بينما كانت كل تحركات المهاجم الصريح على الأطراف، بدعم كلي من لاعبي الوسط والمدافعين، ومن هنا وضع المدير الفني أساس التجديد في اللعبة، وعدم الاكتفاء أبداً بما حققه السابقون.
الضغط العالي
بدأت عملية التمرد على الثلاثي الخلفي في الأوساط السوفييتية، والبداية كانت مع دينامو موسكو مع أركاديف، ثم دينامو كييف رفقة فيكتور ماسلوف. وكانت الخطوة الأولى تكمن في عودة لاعب من الوسط إلى الخلف قليلأً، من أجل دعم أكبر للثلاثي الأخير، وإعطاء الفرصة لثنائي الأطراف للتحرك إلى الأمام.
وفي سبيل التحول من الفردية إلى الجماعية، يعود المهاجم المتأخر إلى الخلف في مكان لاعب الوسط، وبالتالي انتشرت سياسة الترحيل التكتيكي، أي كل لاعب يغطي مكان زميله وهكذا، لتصبح هذه الفكرة أول عملية حقيقية لتعريف الكرة الجديد الخاص بالـ Zonal Game.
من 3-2-3-2 إلى عودة لاعب من الوسط للدفاع، أي 4-1-3-2 قبل أن يعود لاعب من ثلاثي الوسط المتقدم للخلف، وتصبح الخطة أقرب إلى 4-2-2-2، الدفعة الأهم لصناعة أعلى ضغط ممكن مع ماسلوف في أوكرانيا، وأجمل متعة كروية لاتينية مع البرازيل في أميركا الجنوبية. وفي قادم الحلقات سنعرف أن أصل السحر البرازيلي عقل مجري لا يعرف الجمود.
اقرأ أيضا
الهرم المقلوب 5.. هوغو مايزل و"ميتودو" بوزو
الهرم المقلوب4.. صانع أمجاد أرسنال وتكتيك الـ "WM"
الهرم المقلوب 3... من إنجلترا لأميركا اللاتينية..تطوّر الهرم التكتيكي
الهرم المقلوب 2...من المراوغات إلى"1-2-7".. بدايات تكوين الهرم التكتيكي
الهرم المقلوب 1... دليلك لفهم أسرار الساحرة المستديرة
يحيى توريه... الارتكاز المقلوب كما يجب أن يكون!