17 ابريل 2016
الهجرة غير القانونية وحلول الاتحاد الأوروبي
من اجتماعٍ مخيّبٍ للآمال، إلى مزيدٍ من الخيبة، مرّر الاتحاد الأوروبي، مرّة تلو الأخرى، قراراته بشأن الهجرة غير القانونية. والآن، ينتظر الضوء الأخضر من مجلس الأمن الدولي لملاحقة مراكب الهجرة غير النظامية في كل أنحاء البحر المتوسط وتدميرها، بغض النظر عن سيادة الدول على مياهها الإقليمية، "فالعدو" الذي يحشد قوى أوروبا لا يعرف حدوداً، وهو هذا "الطوفان" من المهاجرين غير القانونيين.
هي ليست هجرة غير شرعية، فالهجرة حقّ شرعي لكل إنسان. وأمام هذا الحقّ، يقف الاتحاد الأوروبي حاملاً شرائعه لحقوق الإنسان التي يتغنّى بأنّها أكثر تقدّماً من مفاهيم منظمة الأمم المتّحدة. لكن، في الكف الآخر، تحمل كلّ دولة أوروبية هواجسها من الهجرة، من ارتفاع البطالة، من ارتفاع نفقات المساعدات الاجتماعية، من الفروق الاجتماعية والثقافية. فيفضّل كثيرون إغلاق أبواب اللجوء، لتفادي تشجيع مزيدٍ من الباحثين عن أرض سلام، عن أي قشة تنتشلهم من واقعهم المظلم.
وعلى الضفة الأخرى، يشكل تهريب اللاجئين مصدر رزقٍ يغري أي صاحب مركب، وأي قادرٍ على المشاركة في منظومة التهريب. قبل الفوضى في ليبيا، وقبل الحرب في سورية، وقبل الربيع العربي وبعده، كان آلافٌ يبحثون عن سبل الوصول إلى أوروبا. وكان كثيرون يعملون على تمريرهم. من موريتانيا، من المغرب، من الجزائر، من تونس، من مصر، من تركيا، من أي بلدٍ له منفذ قد يودي إلى أوروبا. ربما ليس بالأعداد التي نراها منذ أربع سنوات، لكنّ تهريب المهاجرين كان موجوداً منذ وُجدت الفروق في مستوى الحياة بين الشمال والجنوب. ومنذ قدم عمليات تهريب البشر، قضى المئات وربما الآلاف. لكن، أيضاً، ليس بالأعداد التي نراها الآن.
قبل أسابيع، هزّ العالم رقمٌ كبير. ثمانمائة. لم تقتلهم براميل الأسد المتفجّرة، ولا سكاكين داعش، ولا حتّى طيران التحالف، لم يقتلهم الحصار المستمرّ على غزة، ولا النزاع المسلّح في ليبيا. ثمانمائة، قتلهم البحر المتوسّط في ضربةٍ واحدة. غرقوا في يأسهم، في أحلامهم البسيطة ببعض الأمان، ولقمة عيش. غرقوا في جشع تجّار وجدوا في اليأس استثماراً مربحاً. غرقوا في حرص الدول الغربية على تقنين الهجرة إليها، وتفضيل أولوية أمنهم على حق الآخر أيضاً في عيشٍ كريم. غرقوا في أوطانٍ، تقذفهم بعيداً عنها، بعيداً عن صراعاتها، بعيداً عن عجزها.
ثمانمائة في حادثة واحدة، قد تكون أكبر مجزرةٍ شهدها البحر المتوسط. لكنّ المؤلم أن هذه الحادثة تكاد تتكرّر يومياً، يختلف عدد الركاب، وتختلف الجنسيات. لكن، مع بدء موسم هدوء البحر، الأكيد أننا سنشهد مزيداً من محاولات العبور غير القانونية، وبالتالي، مزيداً من حوادث الغرق، وفق توقعات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي وثّقت ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الهجرة غير القانونية، منذ بداية العام، مقارنةً في العام السابق. كيف لا والأزمات عالمياً في تزايد، والحروب مفتوحة على مصراعيها.
محمّد، صومالي، 21 عاماً، يخبر الصحافة أنّه يفضّل الموت على العودة إلى الصومال. "أعود إلى الفقر؟ أعود إلى الاستيقاظ كل يوم على احتمال ألا أشهد مغيب الشمس؟" ويشرح محمّد، بعمليةٍ حسابية بسيطة، أنّ احتمال الموت في الصومال ليس أقلّ من احتمال الموت خلال الطريق إلى أوروبا. الفرق أنّه في الصومال إذا تخطى خطر الموت اليوم، سيعود ليواجهه غداً. أما إذا تخطى خطر الغرق في المتوسط اليوم، فغداً يستيقظ في أوروبا، وبعد أشهر يجد لنفسه عملاً، وبعد بضعة أعوام ربما الجنسية. العنصرية المتزايدة في الغرب تجاه المهاجرين، والمسلمين خصوصاً، لا تخيفه، فما يفرّ منه بنظره أسوأ بكثير. فهناك شقيقٌ مسلم يمكن أن يقتله حرفياً، أما الأوروبي فقلّما يتخطى العنصرية إلى القتل، برأيه. وعلى الرغم من أنه يأتي من دولةٍ لم يعرف فيها معنى القانون، لكنّه يؤمن بقدرة القانون في أوروبا على تحقيق نوعٍ من العدالة، على حماية حقوقه الأساسية.
كان محمّد قاب قوسين من الموت، أنقذه خفر السواحل الليبي، قبل أسابيع، وها هو في مركز احتجاز ينتظر الخروج ليعاود الكرّة. في ظل الفوضى الليبية، يكاد يكون مفاجئاً أنّ خفر السواحل أوقف أكثر من عشرين ألف مهاجرٍ منذ بداية العام فقط. لكن، ماذا بعد؟ سفارات دول الموقوفين شبه مقفلة، العلاقات الدبلوماسية مع دولٍ أخرى، مثل سورية، مقطوعة، وبالتالي، ترحيلهم إلى بلادهم يكاد يكون أقرب إلى المهمة المستحيلة. وحتى عند نجاحها، يعاود أغلب هؤلاء الكرّة، إلى أن يصلوا.. أو يغرقوا!
كانت إيطاليا قد وقّعت على اتفاقية مشتركة مع ليبيا، لمنح أربع سفن لخفر السواحل الليبي لتشكيل فرق عملية إنقاذ، لكنّها جمّدت التسليم في ظل انقسام السلطة في ليبيا. من هنا، أتت دعوة رئيس الحكومة الإيطالية، ماتيو رينزي، للسلام في ليبيا. لكن، ماذا بعد؟
هل يوقف السلام في ليبيا البراميل المتفجّرة في سورية؟ هل يؤمّن الاستقرار في ليبيا لقمة العيش في الصومال؟ كل ما سيحقّقه الغرب من عودة السلطة في ليبيا، عندما تعود، هو تخفيف وتيرة الهجرة غير القانونية، لكنّ نزيف بؤر الصراعات لن يتوقّف، وسيل المهاجرين لن يتوقّف، وتجّار البشر لن يتوقّفوا عن استغلال يأس الآلاف.
وبما أن خيار إحلال السلام في كل بقاع الأرض لا يبدو قريب المنال، الخيارات الواردة هي فتح أبواب الهجرة الشرعية واستقبال "كوتا" أكبر من اللاجئين، مع تعديلٍ لأنظمة إدماج المهاجرين في المجتمعات، بما يحدّ من الهواجس الأمنية للدول المضيفة. هذا ما يسعى إلى تحقيقه رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أن يتمّ تخصيص كوتا لكل دولة لاستقبال اللاجئين بشكلٍ قانوني. كوتا يتم تحديدها وفق حجم كل دولة، وتعداد سكانها وثروتها وعدد اللاجئين الذين تستقبلهم حالياً. مشروع لا يمكن تمريره من دون موافقة الأعضاء الثمانية والعشرين للاتحاد الأوروبي. المفارقة أن الدول الكبرى جميعها وافقت، أما الدول التي تحفّظت وعرقلت تمريره في اجتماع الاتحاد، أخيراً، هي التي شكّل انضمامها إلى الاتحاد جدلاً، وطرح علامات استفهام حول فعالية ضم دولٍ فقيرة بمستوى بطالة مرتفع إلى منظومة الشنغن. هنغاريا وصفت فكرة الكوتا بالمجنونة، هي التي تغدق على الدول الصناعية الكبرى في أوروبا بمواطنيها للعمل بكلفةٍ أقل بفضل الشنغن.
في المقابل، وافقت كل الدول الأوروبية، مباشرة، على رفع ميزانية منظومة ترايتون من ثلاثة ملايين يورو إلى تسعة ملايين يورو، شهرياً! أي 180 مليون يورو سنوياً، لمنظومة خفر السواحل التي عليها، أوّلاً، محاولة تأمين عدم عبور المراكب غير القانونية، ثم عمليات الإنقاذ في حال الغرق. الأولوية تبقى لمنع العبور! يسعى مؤيدو فكرة غلق الحدود الأوروبية، أيضاً، إلى استصدار قانون من مجلس الأمن الدولي، يمنح خفر السواحل الأوروبية حقّ تدمير أي مركبٍ على الشواطئ المتوسطية، يشتبه في أنّه يُستخدم للتهريب. ما سيحرم مئات الصيادين من مصدر رزقهم حتماً. فأين يلجأ هؤلاء؟
هي حلقة مفرغة، ندور فيها. الفقر والبطالة تولّد النزاعات، والنزاعات تزيد الفقر والبطالة، والحقوق الأساسية تغيب في هذه المنظومة، ما يزيد نسبة اللجوء. في دول اللجوء، عدم إعطاء تأشيرة لا يغلق الحدود، بل يدفع اللاجئين إلى مهرّبي بشر، فتزيد المخاطرة واحتمال الموت.
وفتح أبواب اللجوء يزيد تعداد السكان، فتزيد البطالة، وتزيد المصاريف، وقد تنخفض التصنيفات الائتمانية، فترتفع الديون. والديون أهمّ من حقوق الإنسان، أو بالأحرى كل دولة، في نهاية المطاف، تغلّب حقّ مواطنها قبل حقّ أي إنسانٍ خارجٍ عنها.
وبيأس كثيرين في غزّة، وفي سورية، وفي إثيوبيا والصومال، وصولاً إلى أفغانستان، يتاجر مهرّبو البشر. وأمام تجّار اليأس، يبدو أن أوروبا تؤثر اللجوء إلى نشر ثقافة التعجيز.
مقترحات تدمير المراكب، زيادة الترحيل عبر تسريع إجراءات تصنيف المؤهلين لتقديم طلبات اللجوء من عدمهم، وحتّى محاولة غلق الحدود من دول المنشأ نفسها، عبر إعادة الأمن إلى ليبيا مثلاً.
حلّ النزاع في ليبيا محاولة مشكورة. زيادة كوتا اللاجئين، أيضاً، خطوة حميدة. لكنّ أسباب الهجرة عديدة، وطالما أنّ تجّار اليأس أحرارٌ يحمّلون المراكب بأكبر من طاقتها، يغرقون المساكين بجشعهم، ويمرّون من دون عقاب، لعلمهم أنّ ملاحقتهم عبر الدول أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، فإنّهم سيعيدون الكرّة، من دون تأنيب ضمير. جميع الاقتراحات، حتّى الآن، تركّز على المهاجر من جهة، وعلى دولة اللجوء من جهة أخرى. والكلّ يتناسى ربطة الوصل، لأنّها معضلة مستعصية، تحتاج مجهوداً يفضّل بعضهم تخصيصه لمكافحة ما يراه خطراً مباشراً عليه. لكن، على المجتمع الدولي أن يستفيق، قبل أن يغرق ثمانمائة آخرون، ويعمل على تفعيل آليات مكافحة الاتجار بالبشر، وعلى تعزيز العقوبات ضد شبكات التهريب. فالاتجار بآمال الناس، ويأسهم، ومصائبهم، يكاد يرقى إلى جريمة حرب.
لكن، قبل كل هؤلاء، من يضع المواطن العادي في دوامة اليأس هذه، هو المجرم الأكبر. فمتى يجتمع مجلس الأمن بدون فيتو ليحاسب هؤلاء؟
وعلى الضفة الأخرى، يشكل تهريب اللاجئين مصدر رزقٍ يغري أي صاحب مركب، وأي قادرٍ على المشاركة في منظومة التهريب. قبل الفوضى في ليبيا، وقبل الحرب في سورية، وقبل الربيع العربي وبعده، كان آلافٌ يبحثون عن سبل الوصول إلى أوروبا. وكان كثيرون يعملون على تمريرهم. من موريتانيا، من المغرب، من الجزائر، من تونس، من مصر، من تركيا، من أي بلدٍ له منفذ قد يودي إلى أوروبا. ربما ليس بالأعداد التي نراها منذ أربع سنوات، لكنّ تهريب المهاجرين كان موجوداً منذ وُجدت الفروق في مستوى الحياة بين الشمال والجنوب. ومنذ قدم عمليات تهريب البشر، قضى المئات وربما الآلاف. لكن، أيضاً، ليس بالأعداد التي نراها الآن.
ثمانمائة في حادثة واحدة، قد تكون أكبر مجزرةٍ شهدها البحر المتوسط. لكنّ المؤلم أن هذه الحادثة تكاد تتكرّر يومياً، يختلف عدد الركاب، وتختلف الجنسيات. لكن، مع بدء موسم هدوء البحر، الأكيد أننا سنشهد مزيداً من محاولات العبور غير القانونية، وبالتالي، مزيداً من حوادث الغرق، وفق توقعات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي وثّقت ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الهجرة غير القانونية، منذ بداية العام، مقارنةً في العام السابق. كيف لا والأزمات عالمياً في تزايد، والحروب مفتوحة على مصراعيها.
محمّد، صومالي، 21 عاماً، يخبر الصحافة أنّه يفضّل الموت على العودة إلى الصومال. "أعود إلى الفقر؟ أعود إلى الاستيقاظ كل يوم على احتمال ألا أشهد مغيب الشمس؟" ويشرح محمّد، بعمليةٍ حسابية بسيطة، أنّ احتمال الموت في الصومال ليس أقلّ من احتمال الموت خلال الطريق إلى أوروبا. الفرق أنّه في الصومال إذا تخطى خطر الموت اليوم، سيعود ليواجهه غداً. أما إذا تخطى خطر الغرق في المتوسط اليوم، فغداً يستيقظ في أوروبا، وبعد أشهر يجد لنفسه عملاً، وبعد بضعة أعوام ربما الجنسية. العنصرية المتزايدة في الغرب تجاه المهاجرين، والمسلمين خصوصاً، لا تخيفه، فما يفرّ منه بنظره أسوأ بكثير. فهناك شقيقٌ مسلم يمكن أن يقتله حرفياً، أما الأوروبي فقلّما يتخطى العنصرية إلى القتل، برأيه. وعلى الرغم من أنه يأتي من دولةٍ لم يعرف فيها معنى القانون، لكنّه يؤمن بقدرة القانون في أوروبا على تحقيق نوعٍ من العدالة، على حماية حقوقه الأساسية.
كان محمّد قاب قوسين من الموت، أنقذه خفر السواحل الليبي، قبل أسابيع، وها هو في مركز احتجاز ينتظر الخروج ليعاود الكرّة. في ظل الفوضى الليبية، يكاد يكون مفاجئاً أنّ خفر السواحل أوقف أكثر من عشرين ألف مهاجرٍ منذ بداية العام فقط. لكن، ماذا بعد؟ سفارات دول الموقوفين شبه مقفلة، العلاقات الدبلوماسية مع دولٍ أخرى، مثل سورية، مقطوعة، وبالتالي، ترحيلهم إلى بلادهم يكاد يكون أقرب إلى المهمة المستحيلة. وحتى عند نجاحها، يعاود أغلب هؤلاء الكرّة، إلى أن يصلوا.. أو يغرقوا!
كانت إيطاليا قد وقّعت على اتفاقية مشتركة مع ليبيا، لمنح أربع سفن لخفر السواحل الليبي لتشكيل فرق عملية إنقاذ، لكنّها جمّدت التسليم في ظل انقسام السلطة في ليبيا. من هنا، أتت دعوة رئيس الحكومة الإيطالية، ماتيو رينزي، للسلام في ليبيا. لكن، ماذا بعد؟
هل يوقف السلام في ليبيا البراميل المتفجّرة في سورية؟ هل يؤمّن الاستقرار في ليبيا لقمة العيش في الصومال؟ كل ما سيحقّقه الغرب من عودة السلطة في ليبيا، عندما تعود، هو تخفيف وتيرة الهجرة غير القانونية، لكنّ نزيف بؤر الصراعات لن يتوقّف، وسيل المهاجرين لن يتوقّف، وتجّار البشر لن يتوقّفوا عن استغلال يأس الآلاف.
وبما أن خيار إحلال السلام في كل بقاع الأرض لا يبدو قريب المنال، الخيارات الواردة هي فتح أبواب الهجرة الشرعية واستقبال "كوتا" أكبر من اللاجئين، مع تعديلٍ لأنظمة إدماج المهاجرين في المجتمعات، بما يحدّ من الهواجس الأمنية للدول المضيفة. هذا ما يسعى إلى تحقيقه رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أن يتمّ تخصيص كوتا لكل دولة لاستقبال اللاجئين بشكلٍ قانوني. كوتا يتم تحديدها وفق حجم كل دولة، وتعداد سكانها وثروتها وعدد اللاجئين الذين تستقبلهم حالياً. مشروع لا يمكن تمريره من دون موافقة الأعضاء الثمانية والعشرين للاتحاد الأوروبي. المفارقة أن الدول الكبرى جميعها وافقت، أما الدول التي تحفّظت وعرقلت تمريره في اجتماع الاتحاد، أخيراً، هي التي شكّل انضمامها إلى الاتحاد جدلاً، وطرح علامات استفهام حول فعالية ضم دولٍ فقيرة بمستوى بطالة مرتفع إلى منظومة الشنغن. هنغاريا وصفت فكرة الكوتا بالمجنونة، هي التي تغدق على الدول الصناعية الكبرى في أوروبا بمواطنيها للعمل بكلفةٍ أقل بفضل الشنغن.
هي حلقة مفرغة، ندور فيها. الفقر والبطالة تولّد النزاعات، والنزاعات تزيد الفقر والبطالة، والحقوق الأساسية تغيب في هذه المنظومة، ما يزيد نسبة اللجوء. في دول اللجوء، عدم إعطاء تأشيرة لا يغلق الحدود، بل يدفع اللاجئين إلى مهرّبي بشر، فتزيد المخاطرة واحتمال الموت.
وفتح أبواب اللجوء يزيد تعداد السكان، فتزيد البطالة، وتزيد المصاريف، وقد تنخفض التصنيفات الائتمانية، فترتفع الديون. والديون أهمّ من حقوق الإنسان، أو بالأحرى كل دولة، في نهاية المطاف، تغلّب حقّ مواطنها قبل حقّ أي إنسانٍ خارجٍ عنها.
وبيأس كثيرين في غزّة، وفي سورية، وفي إثيوبيا والصومال، وصولاً إلى أفغانستان، يتاجر مهرّبو البشر. وأمام تجّار اليأس، يبدو أن أوروبا تؤثر اللجوء إلى نشر ثقافة التعجيز.
مقترحات تدمير المراكب، زيادة الترحيل عبر تسريع إجراءات تصنيف المؤهلين لتقديم طلبات اللجوء من عدمهم، وحتّى محاولة غلق الحدود من دول المنشأ نفسها، عبر إعادة الأمن إلى ليبيا مثلاً.
حلّ النزاع في ليبيا محاولة مشكورة. زيادة كوتا اللاجئين، أيضاً، خطوة حميدة. لكنّ أسباب الهجرة عديدة، وطالما أنّ تجّار اليأس أحرارٌ يحمّلون المراكب بأكبر من طاقتها، يغرقون المساكين بجشعهم، ويمرّون من دون عقاب، لعلمهم أنّ ملاحقتهم عبر الدول أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، فإنّهم سيعيدون الكرّة، من دون تأنيب ضمير. جميع الاقتراحات، حتّى الآن، تركّز على المهاجر من جهة، وعلى دولة اللجوء من جهة أخرى. والكلّ يتناسى ربطة الوصل، لأنّها معضلة مستعصية، تحتاج مجهوداً يفضّل بعضهم تخصيصه لمكافحة ما يراه خطراً مباشراً عليه. لكن، على المجتمع الدولي أن يستفيق، قبل أن يغرق ثمانمائة آخرون، ويعمل على تفعيل آليات مكافحة الاتجار بالبشر، وعلى تعزيز العقوبات ضد شبكات التهريب. فالاتجار بآمال الناس، ويأسهم، ومصائبهم، يكاد يرقى إلى جريمة حرب.
لكن، قبل كل هؤلاء، من يضع المواطن العادي في دوامة اليأس هذه، هو المجرم الأكبر. فمتى يجتمع مجلس الأمن بدون فيتو ليحاسب هؤلاء؟