الهجرة الكبيرة... لاجئون يحاولون العبور إلى أوروبا

02 مارس 2020
محاولة عبور نهر حدودي أمس (أوزان كوزي/ فرانس برس)
+ الخط -

يتحيّن اللاجئون السوريون وغيرهم، ممن وصلوا في اليومين الماضيين إلى الحدود التركية مع اليونان، فرصة السماح لهم بالعبور إلى أوروبا. وفي انتظار ذلك، يعيشون في ظروف قاسية، يفقد فيها بعضهم أيّ أمل

عند معبر "ابسلا" على الحدود التركية اليونانية، ينتظر بعض اللاجئين من جنسيات عدة أن يتمكنوا من عبور الحدود. بعض النساء يتلحفن بالأغطية بسبب البرد، بينما يحاول شبان أن يشعلوا بعض الحشائش الرطبة والأخشاب التي جمعوها من أرض المكان، ومن محيط مبنى المعبر الذي لا يزال قيد الإنشاء، لإعداد مشروب ساخن والحصول على بعض الدفء بعد ليلة تدنت درجة الحرارة فيها كثيراً. ويوم أمس، كان الشقيقان يونس وعبد الهادي الصالح، يوضبان حقائبهما، ويلفان أكياس النوم التي أحضراها معهما أمس الأول السبت، إذ كانا يستعدان للعودة إلى مدينة إسطنبول حيث كانا يعملان، فقد ظهر تأثير البرد جلياً على شفتي يونس الذي كان ينصح عبر الهاتف أصدقاء له بعدم المجيء، كون العبور في الوقت الحالي غير ممكن. هو واحد من 76 ألف مهاجر غير نظامي غادروا ولاية أدرنة التركية، شمال غربي البلاد، باتجاه أوروبا حتى صباح أمس الأحد، حسب وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.

ندم
يقول يونس لـ"العربي الجديد": "سنعود إلى إسطنبول. أضعنا يومين هنا من دون جدوى، إذ لم يحدث شيء. البرد كان قارساً ولم ننم طوال الليل بسببه. وزعوا علينا قوارير مياه وبعض البسكويت يوم أمس، إذ لم نحضر معنا طعاماً، بينما نتضور جوعاً الآن. كنا نظن الأمر أسهل بكثير، إذ رسمت في مخيلتي أنّي سأكون في اليونان خلال ساعات قليلة، لكنّني الآن نادم بشدة سأعود لعملي ولن أكرر المحاولة ثانية إلا إذا تمكن أحد من العبور".




أما عبد الهادي الذي يحاول إزالة الأتربة العالقة عن ملابسه، فلا يخفي غضبه مما حلّ به، ويلوم شقيقه الذي أقنعه بالمجيء إلى الحدود. يقول لـ"العربي الجديد": "لو أن تمثالاً من الذهب سيكون أمامي في اليونان لن أعيد الكرّة، ولن أعيش هذه التجربة التعسة مرة أخرى". يضيف: "أنا وأخي نعمل في إسطنبول ونعيش في سكن شبابي. كانت الحياة بالنسبة لي جيدة، وكأيّ شاب أفكر في الخروج إلى أوروبا كخيار أنسب لي. لكنّي لم أكن مقتنعاً تماماً بفكرة المجيء إلى الحدود، لكنّ أخي الذي كان يتابع الأخبار والأحاديث عن سماح تركيا بتوجه اللاجئين للحدود اليونانية - التركية أجبرني على المجيء معه، وصوّر لي الأمر سهلاً جداً، وأكد أنّ عبور الحدود سيكون أسهل من قطع الشارع. ألوم نفسي لأنّي أطعته، ولن أكررها أبداً، بل سأعود إلى عملي". يضيف عبد الهادي: "لحسن حظي أنّي أحضرت أكياس النوم معي، فهو رفض ذلك. في الجانب الآخر اتجه بعض الشبان إلى أرضٍ زراعية وقالوا إنّ هناك طريقاً ترابياً من الممكن أن يؤدي إلى اليونان وأنا لم أرد أن أجرب هذا لأنّي لا أعرف المنطقة أبداً، وأشعر بأنّ كلّ هذه التجربة فاشلة". وبحسب ما أبلغه الشقيقان لـ"العربي الجديد" هما ينتظران مجيئاً قريباً لهما بسيارة ليعيدهما إلى مدينة إسطنبول بعدما فشلا بالحصول على سيارة تقلهما في ساعات الصباح الأولى". وعند معبر "ابسلا" نفسه، كانت أعداد السوريين أمس قليلة مقارنة بالعدد الكامل للاجئين. عند المعبر هناك صالات أشبه بصالات أفراح، منحت اللاجئين أغطية، أما الذين بقوا في الأراضي الزراعية فقد كانت أوضاعهم صعبة، ولا أحد يعلم عنهم شيئاً. في اليوم الأول، كانت هيئة الإغاثة التركية قد قدمت للاجئين قوارير مياه والبسكويت وعلب عصير، وبعدها جرى نقلهم إلى مناطق أخرى. وعند المعابر هناك بعض بائعي السميت (مخبوزات تركية)، يقبل اللاجئون عليهم بالرغم من البرد الشديد، ومحاولات البحث الدائمة عما يشعلون به النار للتدفئة.

بحثاً عن بعض الدفء (خالد سميسم) 












سميت وشاي

نقلت الصحافية السورية، ديمة السيد، من خلال مشاهداتها يوم السبت، صورة عن الوضع المأساوي على الحدود التركية- اليونانية، مبينة أنّه لا مرافق صحية يلجأ إليها الناس في المنطقة، فهناك حمام وحيد لكن من دون باب، والوضع سيئ جداً كما قالت. ولفتت إلى أنّ عدد اللاجئين السوريين قليل؛ ففي المجموعة التي كانت فيها أمس لم تلتقِ إلّا بعشرة أشخاص سوريين، فيما بعض المجموعات لا تضم غير شخصين فقط.

الحدود مقفلة في وجوههم (خالد سميسم) 












منع الأمن التركي التصوير في المنطقة، وأجبر الصحافيين يوم السبت على مسح الصور التي التقطوها بكاميراتهم، بينما تمكن آخرون من تسريب بعضها. ووصل بعض البائعين الجوالين إلى المنطقة التي تعالت فيها مناداة بعض سائقي سيارات الأجرة، بأنّ سياراتهم جاهزة لنقل من يرغب بالعودة إلى مدينة إسطنبول بمقابل مادي. من جهته، يقول العشريني، محمود جمعة، لـ"العربي الجديد": "هذا اليوم (أمس) هو الثالث لي هنا. لا تستغربوا من الطين على ملابسي وشعري المغبر، فيوم السبت لم أنم حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وغفوت في الأرض الزراعية مع مجموعة الشبان الذين كانوا معي. تركت كلّ شيء خلفي، وعقدت العزم على العبور. قد أنتظر يوماً أو يومين آخرين فليس لديّ ما أخسره. أهلي في سورية، ومنذ سنوات لم أرهم، لذلك سأحاول جاهداً العبور. رفاقي ذهبوا إلى نهر قريب من معبر إبسلا مع اعتقادهم أنّ العبور من هناك نحو اليونان أسهل، لكنّي عندما استيقظت صباحاً علمت أنّهم لم يتمكنوا من العبور، وكانوا نائمين على ضفة النهر". يتابع جمعة: "رحلة عذاب حقيقة أعيشها في الوقت الحالي، وقد أعيش وأرويها لأبنائي أو أهلي في حال التقيتهم من جديد. سأقول لأمي إنّ ابنها الذي كان يعمل لمدة 12 ساعة في معمل للقمصان حاول الوصول إلى أوروبا، ونام في العراء كالوحوش البرية، وكاد يتجمد من البرد، وأمطرت عليه السماء في أول ليلة وصل فيها إلى الحدود اليونانية. لم أتصل بها لأنّي أعلم أنّها ستبكي وتطلب مني أن أعود. الآن أنا أحاول وفي حال فشلت سأعود أدراجي حزيناً".

محاولة خطير في ظروف قاسية (خالد سميسم) 












يمسك كريم اليوسف بيده قطعة من السميت ويضع كوباً من الشاي على حافة الطريق الإسفلتي، بينما يتحدث لـ"العربي الجديد": "أشعر كأنني أحطم قطعة من الصخر تحت أسناني. السميت قاسٍ جداً، حصلت على كوب الشاي هذا من مجموعة شبان، فالشاي يساعدني في ابتلاع السميت. بطني يكاد يلتصق بظهري لشدة الجوع". وعن سبب مجيئه إلى المنطقة، يوضح كريم: "أصبت في ريف إدلب برصاصة في البطن، ودخلت إلى تركيا في عام 2015. عملت في مغسل للسيارات في إسطنبول، منذ مجيئي، وشعرت بأن لا مستقبل لي على هذه الحال، خصوصاً أنّي لم أتابع الدراسة بعد حصولي على الشهادة الثانوية. حاولت العام الماضي أن أغادر تركيا، لكن لسوء الحظ، لم أتمكن من ذلك". يضيف: "كما يقول المثل: ما الذي أجبرك على المرّ غير الأمرّ منه؟ أحاول العبور إلى أوروبا حالياً. البعض عاد أدراجه لكنّي مصمم على العبور ولديّ أمل كبير أنني قد أستطيع فعل ذلك، وسأذهب كما أرشدني قريبي الذي وصل إلى ألمانيا قبل أشهر، عبر الجبل الأسود، وسأمشي وفقاً لخرائط غوغل، في الطرق البري، كونه الحلّ الأمثل في الوقت الحالي".

برد قارس (خالد سميسم) 












تجهيزات مطلوبة

من جهتها، أكدت الصحافية راما عبوش، أنّ وضع اللاجئين بالقرب من معبر "ابسلا" سيئ جداً، فالمكان بعيد عن مدينة أدرنة حيث يوجد معبر حدودي نظامي، ومعابر جانبية صغيرة، وتصل جسور خشبية وطرقات ترابية المناطق ببعضها. وقالت عبوش إنّ بلدية أدرنة شيدت خيمة بالقرب من أحد المساجد، فيلجأ الناس إلى مرافق المسجد لدخول المراحيض. بعض من وصلوا إلى الجهة اليونانية سلبهم حرس الحدود اليوناني كلّ ما يملكونه، ولم يعد لديهم المال للعودة إلى الولايات التركية التي جاؤوا منها، أما الهلال الأحمر التركي فوزع الحساء فقط على اللاجئين أمس.




تتجه الأوضاع إلى مزيد من الانحدار نحو الأسوأ مع عدم سماح حرس الحدود اليوناني للاجئين بالعبور إلى الأراضي اليونانية، مع وصول مزيد من اللاجئين الراغبين بالعبور إلى أوروبا إلى المنطقة ومناطق قريبة منها، مع تخوف اللاجئين من الأمطار، إذ لا أماكن للاحتماء، فيما درجات الحرارة تنخفض بشدة خلال ساعات الليل. وعلمت "العربي الجديد" من بعض اللاجئين السوريين الموجودين في المنطقة أنّهم يوصون أصدقاء لهم عزموا على المجيء بإحضار كميات كافية من الطعام لا سيما المعلبات، مع ارتداء كثير من الملابس وجلب أغطية وأكياس نوم وحتى خيام خفيفة يبيتون فيها ريثما يعلمون ما الذي ينتظرهم في الأيام المقبلة. وكان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، صرح أمس، بأنّ عدد المهاجرين غير النظاميين الذين غادروا ولاية أدرنة التركية، شمالي غرب البلاد، باتجاه أوروبا تجاوز 76 ألفاً حتى صباح أمس الأحد.
المساهمون