بين مقاهي شارع تقسيم في العاصمة التركيّة إسطنبول، يتنقل أنور (27 عاماً) بحثاً عن فرصة عمل. فهذا الشاب السوري يعمل كنادل هنا، ليتمكّن من العيش من دون أن يضطر إلى مدّ يده طلباً للمساعدة.
يضحك أنور عندما ترتسم الدهشة على وجه من يكتشف جنسيته السورية. ويقول: "مظهري المرتّب يفاجئ البعض". هو اعتاد سماع كلمات تندّد بوجود السوريين على أرض غير أرضهم، في حين يتقبل التوصيفات الدونية التي تُلصَق بأهل حمص والنكات التي تتمحور حولهم وقد عدّتهم "قليلي الذكاء". وعند التعريف بنفسه، يصرّ على القول: "أنا حمصي، طالب اقتصاد وأتابع الدراسات العليا في السنة الأولى". فينزل جوابه كالصاعقة بحسب وصفه، على كل من رسم في ذهنه صورة للشاب السوري المشرّد والمهجّر من بيته وبلده.
خيبة مؤلمة
أما أكثر ما يحرق قلب أنور، فهو انخداعه بالثورة التي كان قد آمن بها منذ اللحظة الأولى لاندلاعها. يقول لـ "العربي الجديد": "أقنعونا بأننا سننتصر وبأننا سنعيش حياة كريمة وسنتنفس هواء الحرية قريباً. مرّت سنوات وأيام صعبة تحملنا أوجاعاً تعجز الجبال عن الصمود أمامها. لكننا وجدنا أن من كان يدفعنا للصمود، هرب وأخذ معه ما استطاع من مال ومقتنيات ثمينة وحصل على أوراق اللجوء إلى بلد ليس بشقيق ولا بقريب إلى وطنه الأم سورية".
يضيف: "خسرت منحتي في الجامعة التي هدمت على رؤوس من فيها. مستقبلي بات أسود لا أمل فيه. والدي من محبي الأرض. عمل طوال حياته بزراعة الفواكه والخضار. لم يرض ترك عرضه (الأرض) وشرفه (المنزل) وأبى إلا أن يحافظ على كرامته وأن يبقى رأسه مرفوعاً ولو في مرمى مناظير القناصين والمسلحين".
قبل سنتَين، غادر أنور سورية ليبحث عن بلد يستقبله كطالب وليس كلاجئ سوري. لم تقبل أوراقه، فاضطر إلى دخول تركيا بصفة "نازح"، معتقداً أن حياته ستتغير نحو الأفضل. يخبر أنه "منذ وصولي إلى إسطنبول وأنا أعمل في مجال النراجيل، في المقاهي. فأتنقل من طاولة إلى أخرى لأحمل الجمر إلى الزبائن وأرضي رغبتهم في الحصول على وقت ممتع في تركيا". يضيف: "لم أكن استمتع إلا بالقراءة. الكتاب كان الوحيد القادر على تحمّل مصائبي".
الرجل الخفيّ
فقد أنور ثقته في المستقبل، ولم يجد سبيلاً للخروج من أزمته الحالية غير اللجوء إلى تجار البشر وشبكات الهجرة غير الشرعية. ويشير هنا إلى أن "رئيس شبكة الهجرة سوري يعيش في تركيا. أما صبيانه فيتجوّلون في أزقة شارعَي الاستقلال وتقسيم بحثاً عن شبان سوريين يرغبون في الهجرة إلى أوروبا. في إحدى الليالي وفي خلال عملي كنادل، سألني أحد المارة عن جنسيتي وفتح معي نقاشاً عن أحوال البلد الصعبة. وقبل أن يتركني في حالي، قال: إذا أردت السفر إلى أميركا أنا مستعد للمساعدة. ما عليك إلا دفع خمسة آلاف دولار أميركي لتحقيق أمنيتك".
منذ لقائه الرجل "الخفيّ" كما يسميه، يعمل أنور ليلاً نهاراً ليجمع المبلغ المطلوب ويسافر إلى الولايات المتحدة حيث "الحياة أكثر رقياً". فلم يعد يخجل من عمله ولا يشعر باليأس والملل من كثرة طلبات الزبائن. هو يجد في هذا العمل غير المعيب، منفذاً ووسيلة لتحقيق حلمه في أن يصبح "دكتور اقتصاد لامعاً وناجحاً". ويقول: "إما السفر أو الموت".
السويد وجهته
عبدالله رفيق أنور في اللجوء، رفض الاستسلام لمطامع التجار غير الشرعيين في تركيا، ولم يقبل دفع المال في مقابل السفر. فهو أمضى سنوات من حياته في جامعة جنيف، وحصل منها على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال. كان يرغب في البقاء والعمل هناك. لكن حبه لوطنه أعاده إلى سورية، حيث اندلعت الحرب. وبدأت معاناته مع التشرّد. يقول: "الحياة لا تطاق في سورية. لا تمييز ما بين مدني وعسكري ومسلح. الناس قد تقتل بعضها بعضاً من أجل المال والطعام والسلطة. لا مكان للمثقف والمتعلّم في الحرب، بل للمتوحش فقط".
وعبدالله كان قد ترك سورية بعدما فقد مثل أنور الأمل في عودة الأمن والأمان إلى بلده وخصوصاً حمص. توجّه بداية إلى لبنان إلا أنه ما لبث أن غادر إلى تركيا بسبب التضييق الأمني والإداري على النازح السوري هناك. وفي إسطنبول، التقى بشابة سورية تحمل الجنسية السويدية. فوجد في فكرة الارتباط بها فرصة للسفر وترك المآسي خلفه. وهكذا، "تزوجت من مجدة وأنا، اليوم، أنتظر موعد مقابلتي مع المسؤولين في السفارة السويدية للحصول على تأشيرة دخول، وفي ما بعد جنسية أوروبية تسمح لي بالعيش بكرامة، بكل ما للكلمة من معنى، مفقودة في سورية والدول العربية".
يضحك أنور عندما ترتسم الدهشة على وجه من يكتشف جنسيته السورية. ويقول: "مظهري المرتّب يفاجئ البعض". هو اعتاد سماع كلمات تندّد بوجود السوريين على أرض غير أرضهم، في حين يتقبل التوصيفات الدونية التي تُلصَق بأهل حمص والنكات التي تتمحور حولهم وقد عدّتهم "قليلي الذكاء". وعند التعريف بنفسه، يصرّ على القول: "أنا حمصي، طالب اقتصاد وأتابع الدراسات العليا في السنة الأولى". فينزل جوابه كالصاعقة بحسب وصفه، على كل من رسم في ذهنه صورة للشاب السوري المشرّد والمهجّر من بيته وبلده.
خيبة مؤلمة
أما أكثر ما يحرق قلب أنور، فهو انخداعه بالثورة التي كان قد آمن بها منذ اللحظة الأولى لاندلاعها. يقول لـ "العربي الجديد": "أقنعونا بأننا سننتصر وبأننا سنعيش حياة كريمة وسنتنفس هواء الحرية قريباً. مرّت سنوات وأيام صعبة تحملنا أوجاعاً تعجز الجبال عن الصمود أمامها. لكننا وجدنا أن من كان يدفعنا للصمود، هرب وأخذ معه ما استطاع من مال ومقتنيات ثمينة وحصل على أوراق اللجوء إلى بلد ليس بشقيق ولا بقريب إلى وطنه الأم سورية".
يضيف: "خسرت منحتي في الجامعة التي هدمت على رؤوس من فيها. مستقبلي بات أسود لا أمل فيه. والدي من محبي الأرض. عمل طوال حياته بزراعة الفواكه والخضار. لم يرض ترك عرضه (الأرض) وشرفه (المنزل) وأبى إلا أن يحافظ على كرامته وأن يبقى رأسه مرفوعاً ولو في مرمى مناظير القناصين والمسلحين".
قبل سنتَين، غادر أنور سورية ليبحث عن بلد يستقبله كطالب وليس كلاجئ سوري. لم تقبل أوراقه، فاضطر إلى دخول تركيا بصفة "نازح"، معتقداً أن حياته ستتغير نحو الأفضل. يخبر أنه "منذ وصولي إلى إسطنبول وأنا أعمل في مجال النراجيل، في المقاهي. فأتنقل من طاولة إلى أخرى لأحمل الجمر إلى الزبائن وأرضي رغبتهم في الحصول على وقت ممتع في تركيا". يضيف: "لم أكن استمتع إلا بالقراءة. الكتاب كان الوحيد القادر على تحمّل مصائبي".
الرجل الخفيّ
فقد أنور ثقته في المستقبل، ولم يجد سبيلاً للخروج من أزمته الحالية غير اللجوء إلى تجار البشر وشبكات الهجرة غير الشرعية. ويشير هنا إلى أن "رئيس شبكة الهجرة سوري يعيش في تركيا. أما صبيانه فيتجوّلون في أزقة شارعَي الاستقلال وتقسيم بحثاً عن شبان سوريين يرغبون في الهجرة إلى أوروبا. في إحدى الليالي وفي خلال عملي كنادل، سألني أحد المارة عن جنسيتي وفتح معي نقاشاً عن أحوال البلد الصعبة. وقبل أن يتركني في حالي، قال: إذا أردت السفر إلى أميركا أنا مستعد للمساعدة. ما عليك إلا دفع خمسة آلاف دولار أميركي لتحقيق أمنيتك".
منذ لقائه الرجل "الخفيّ" كما يسميه، يعمل أنور ليلاً نهاراً ليجمع المبلغ المطلوب ويسافر إلى الولايات المتحدة حيث "الحياة أكثر رقياً". فلم يعد يخجل من عمله ولا يشعر باليأس والملل من كثرة طلبات الزبائن. هو يجد في هذا العمل غير المعيب، منفذاً ووسيلة لتحقيق حلمه في أن يصبح "دكتور اقتصاد لامعاً وناجحاً". ويقول: "إما السفر أو الموت".
السويد وجهته
عبدالله رفيق أنور في اللجوء، رفض الاستسلام لمطامع التجار غير الشرعيين في تركيا، ولم يقبل دفع المال في مقابل السفر. فهو أمضى سنوات من حياته في جامعة جنيف، وحصل منها على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال. كان يرغب في البقاء والعمل هناك. لكن حبه لوطنه أعاده إلى سورية، حيث اندلعت الحرب. وبدأت معاناته مع التشرّد. يقول: "الحياة لا تطاق في سورية. لا تمييز ما بين مدني وعسكري ومسلح. الناس قد تقتل بعضها بعضاً من أجل المال والطعام والسلطة. لا مكان للمثقف والمتعلّم في الحرب، بل للمتوحش فقط".
وعبدالله كان قد ترك سورية بعدما فقد مثل أنور الأمل في عودة الأمن والأمان إلى بلده وخصوصاً حمص. توجّه بداية إلى لبنان إلا أنه ما لبث أن غادر إلى تركيا بسبب التضييق الأمني والإداري على النازح السوري هناك. وفي إسطنبول، التقى بشابة سورية تحمل الجنسية السويدية. فوجد في فكرة الارتباط بها فرصة للسفر وترك المآسي خلفه. وهكذا، "تزوجت من مجدة وأنا، اليوم، أنتظر موعد مقابلتي مع المسؤولين في السفارة السويدية للحصول على تأشيرة دخول، وفي ما بعد جنسية أوروبية تسمح لي بالعيش بكرامة، بكل ما للكلمة من معنى، مفقودة في سورية والدول العربية".