صحيح أننا جالية ليست كبيرة، لأننا نرفض مغادرة أرضنا وتركها للغير، وهذه تقاليد متوارثة. لكنك لن تقابل أحوازياً اختار الغربة عن طيب خاطر. نحن يشرفنا أن نكون جزءاً من أنشطة إخوتنا في الجاليات العربية. السوريون أكثر الجاليات معرفة باندفاعنا وحماستنا في المشاركة في كل نشاط يقيمونه. هم يدعوننا وغيرهم يتجاهلنا للأسف. ربما عن عدم معرفة بأصولنا ومن نكون... وتلك مسؤولية الصحافة والإعلام العربيين في المهاجر.
یتدخل شاعر نجا من حبل المشنقة، بتهريبه من المستشفى، مصرّا بعربية أحوازية على وصف الحال قائلا:
"خلبچی (دعني أبكي) آو دمعى ابعینی خلیلى... آو خل ارحل عن أوطاني خليلي... اذا ما متت من هجرك خليلي... ابشرع الحب يوجب عليه التغرب... اشتظن شخصك يقاسي... أما خله ابجبل همك يقاسي؟... غريب ابكل بلد ذلة يقاسي ولاله (ليس له) أي محب ابهل دنيه...".
لا يتردد رحيم الكعبي، الناشط العربي في فيينا في حديثه لـ "جاليات" في رفع صوت العتاب، بسبب ما يعتبره تناسياً عربياً لقضايا الأحوازيين، يقول "عتبنا كبير... لكننا نعول على علاقات أفضل مع الجاليات العربية التي تهمنا أوضاعها كثيراً. فنعتبر أنفسنا جزءاً أساسياً منها، نحن بطبيعتنا عروبيون نرى عمقنا في العرب أينما كان هناك عرب، وخصوصا في مهجرنا الأوروبي".
من فيينا إلى هولندا وبروكسل وكوبنهاغن، لسان حال الأحوازيين العرب في حديثهم إلى "العربي الجديد" يذهب في اتجاه تعريف هؤلاء عن أنفسهم. جل من التقيناهم بالفعل يحملون قصصاً موثقة عن "النجاة من حبل المشنقة" والسجون. وخلال الحوارات مع هؤلاء الناشطين والناشطات يتبين مدى ارتباط هؤلاء بفكرة "الهجرة المؤقتة" ولكنها "ليست هجرة أو لجوء الترف".
ويذهب الناشط الأحوازي المعروف محمد حطاب الأحوازي "أبو عمر" لإضفاء مقاربته الشخصية في الحديث عن الجاليات العربية والأحوازية منها المنتشرة في أوروبا بالقول: "نحن بالفعل أرقامنا ليست كبيرة كجاليات عربية أحوازية في أوروبا، ولكننا أصحاب قضية عادلة. أقرب مقارنة نجريها هي مع إخوتنا الفلسطينيين. فهم جرى اقتلاع بعضهم من قراهم ومدنهم، وذهب المحتل الإسرائيلي طيلة العقود الماضية لأسرلتهم وتهجير البقية الباقية. لكنك ترى صمود هؤلاء فوق أرضهم ضد الاقتلاع والتهجير. نحن أيضا من هذا المنطلق لا نترك أرضنا بسهولة. كل المنظمات، بما فيها منظمة الهجرة تعرف أننا لولا الموت لما خرجنا كأفراد من أحوازنا".
ما وراء الهجرة
ويضيف الناشط الإعلامي في الجاليات الأحوازية في أوروبا، عبد الله الشمري، في حديثه عن قضية هجرة الأحوازيين إلى أوروبا: "اليوم إذا ما أردنا إجراء مقارنة بين وضعنا ووضع إخوتنا السوريين فنحن نتشابه في كثير من الأمور، وربما لأننا نعيش مصيراً مشتركاً في هذه الغربة القاسية ترانا نشتم رائحة أي تحرك عربي متسابقين للاشتراك فيه، سواء كان من دول المغرب العربي، كتونس والمغرب، أو من المشرق العربي حيث إننا نذهب إلى كل الفعاليات الاجتماعية والثقافية التي يقيمها إخواننا العرب. أنت ترى كيف أن عرب 48 في فلسطين أصروا على عمقهم العربي طيلة أكثر من ستة عقود، رغم كل ما لحق بهم في الالتقاء بعرب آخرين يسمونهم أحيانا "عرب إسرائيل" وغيرها من التسميات، فنحن من خلال "العربي الجديد" نوجه نداء محبة لعربنا بأننا لسنا "عرب إيران"... نحن عرب أقحاح من القبائل العربية الأصيلة التي تنتشر في الجزيرة العربية وفي كل بقعة منها. أكبر ظلم نجده أن تمحى هويتنا، كما يحاول البعض محو هوية أخواننا من عرب الداخل في فلسطين".
في النقاش الذي كان يدور عن سبب هجرة بعض الأحوازيين نحو أوروبا يقول الناشط سعيد (أبو منال): "هذا المكان الذي نجلس فيه الآن أسسته قبل 10 سنوات تقريبا، وفي هذه الزاوية تحديداً، ذات الطابع العربي الأصيل، نلتقي كنشطاء أحوازيين وعرب من جنسيات مختلفة. لكن إن انتبهت إلى اسم المكان ستعرف ما نعنيه. كارون هو نهر الأحواز الذي يجري تجفيفه منذ عقود، لكنه ورغم ذلك بقي يجري منذ 90 سنة وهو يرمز إلى جذورنا الضاربة في أرضنا العربية. ولكي أكون صريحاً معك، عتبنا كبير على بعض المثقفين والمفكرين العرب الذين يتجاوزون قضيتنا في هذه الغربة... وبعيدا عن السياسة، والتي هي بالتأكيد لا تنفصل عن حياتنا في البحث عن عدالة قضيتنا، كما هي عدالة قضية إخوتنا في فلسطين وسورية وغيرها، إلا أنني شخصيا مندهش من هذا الفصل وتلك الحواجز التي يصر بعضهم على بقائها بيننا وبين جالياتهم".
يشير "أبو منال" في هذا المجال إلى أنه "لا يمكنك أن تفصل بين تواجد آلاف الأحوازيين في هولندا وبروكسل وكوبنهاغن وألمانيا والنمسا عن حبل المشنقة الذي ينتظر كل من يجاهر بعربيته وينشط في سبيل تعزيز ثقافته العربية. نحن خلقنا عرباً فكيف لنا أن ننسلخ عن عروبتنا؟ كما أعرف في التاريخ كان الفلسطينيون في أزمنة الحكم العسكري الصهيوني، وما يزالون، يعانون لتعزيز هويتهم العربية وإدخال مطبوعات أو كتب، وكانت تهمة كبيرة أن يجدوا عندك مجلة تعزز هوية العرب. نحن بالضبط هذا ما عشناه.. ونعيشه مزدوجاً حين يدعونا أخوتنا باسم "عرب إيران"... لا نقبل ذلك، ولهذا ترانا نتحدث العربية ونزرعها ثقافة ومحادثة مع صغارنا. الأجيال الجديدة في المهاجر ترتبط بهويتها وتفتخر حين تلتقي بعرب آخرين يشركونهم معهم في أنشطتهم... لقد قرأت صحيفة "العربي الجديد"، وأتمنى بالفعل أن تسلط المزيد من الضوء على نشاطنا وثقافتنا على الأقل في الغربة التي نتقاسمها مع غيرنا منهم".
محبون للاندماج
تشهد الإعلامية السورية المقيمة في فيينا منذ أكثر من ربع قرن، هيفاء السيد طه بأن "العرب الأحوازيين ورغم حداثة هجرتهم إلى هذه البلاد، والبلاد المجاورة، يُشهد لهم بأنهم جالية نشطة وفعالة وقد وصلت إلى مراحل سبقت فيها جاليات أخرى من حيث التنظيم والتفاعل بالمجتمعات التي تقيم فيها. قلما يحدث نشاط عربي لا تجدهم في مقدمة المشاركين فيه".
تحدثت السيدة هيفاء إلى "العربي الجديد" حين كان المنصف المرزوقي يقيم ندوة في فيينا وكان الأحوازيون يسابقون الزمن لحضور ندوة الرئيس التونسي السابق. شهادات كثيرة قالها عرب آخرون بحق هذه الجالية اليافعة ومعظمهم يطلق عليهم "الجالية الناجية" بفعل نجاة معظم أفرادها من موت وسجن محقققين في إيران قبل أن يجري تهريبهم عبر دول محددة ليصلوا إلى أوروبا.
الوصول إلى أوروبا، وفقا لما يقوله أبو منال، ليس خيار الأحوازيين، كنا نأمل وما زلنا بالفعل نعيش أمل أن يفتح العرب أبوابهم، وخصوصا في الخليج العربي لنا لنبقى قريبين من ثقافتنا وعمقنا العربي الذي لا مهرب منه. وأعتقد بأن العرب سيدركون قريبا أهمية عرب الأحواز، ولو من باب المصلحة الوطنية والقومية للعرب".
دور المرأة الأحوازية
يحرص الأحوازيون في مهجرهم الأوروبي على نشاطاتهم الاجتماعية والثقافية. يقول محمد الأحوازي: "نحن نحرص على الالتقاء دائما في مناسبات عدة، وأهمها أعيادنا الوطنية والدينية في الفطر والأضحى... لكن لكي نعطي المرأة العربية الأحوازية حقها فهي التي بالفعل تصون جزءا كبيرا من عروبتنا... في المهاجر الأوروبية تلعب الأم والأخت والشابة دورا كبيرا في رفع قضية الانتماء العربي، لغة وثقافة". ويطمح أبو عمر إلى أن "يصبح لدينا أنشطة مشتركة مع جاليات كبيرة ومؤثرة كالسورية والفلسطينية والمصرية، لننظم فعاليات ثقافية مشتركة تخدم أهدافنا المشتركة".
أمر تؤكده من هولندا الشابة الجامعية فاطمة الكعبي التي تقول لـ "العربي الجديد": "لنا الفخر أن ننشط ثقافياً واجتماعياً مع إخوتنا العرب من جنسيات مختلفة. ونحن بالفعل نستخدم وقتا طويلا لإزالة الكثير من الالتباسات التي تكونت خلال العقود الماضية بسبب سياسات معينة ولعب الإعلام دوراً سلبيا في طمس المعرفة عنا".
وتضيف "لكن في السنوات الأخيرة، ولنقل بفضل الثورة السورية والربيع العربي عموما، بتنا نحن بأنفسنا كشابات وشبان عرب نأخذ المبادرات الجماعية. فالاندماج في المجتمعات الأوروبية ليس فقط أولوية لكي أدافع عن قضية عادلة كقضية فلسطين وسورية، بل أيضا مهم جدا لنا أن نكون مؤثرين في الرأي العام وصناع القرار بما يخدم قضايانا المشتركة كمهاجرين".
الأمر ذاته تجده عند الجالية الأحوازية في الدنمارك والسويد، فرغم قلة العدد إلا أن ناصر جبر يقول: "الجالية العربية الأحوازية تنشط بشكل كبير اعتمادا على الشباب والشابات... وبالتأكيد لا نستطيع فصل العمل الثقافي والاجتماعي عن كوننا أصحاب قضية عادلة، تحتاج كل الجهود أينما حللنا ضيوفا ريثما نعود إلى أرضنا العزيزة الأحواز العربية التي تعاني أشد أنواع التمييز والاحتلال ومحاولات الاقتلاع بطرق جهنمية".
الناشط حسين الخزرجي، وأثناء تحول جلسة مسائية في "كارون" إلى ما يشبه مضافة عربية راح يذكر الحضور من جنسيات عربية مختلفة، من تونس إلى اليمن والخليج من العاملين والمقيمين في فيينا:"أليست هذه القعدة عربية وتذكركم ببلادكم الأصلية؟ فما الفارق إذا بيننا؟ لماذا لا نكون كغيرنا يدنا واحدة وقلوبنا على بعضنا... يا سادة على الأقل في غربتنا إن لم نتحدث عن أشياء أشمل قد لا تحتملها جلسة طارئة في غربة طارئة".
السياسة حاضرة في المهجر
رمضان الناصري، أبو خزعل، له قصته مع "الهجرة الاجبارية" تشبه قصة حسين الخزرجي ومحمد حطاب "العمل الاجتماعي والثقافي ممنوع. فكيف لو كنت شاعراً أو كاتبا تبث العربية بين الجيل الجديد من الشبان العرب؟...". ينجو أبو خزعل من موت بحكم بالإعدام بعد أن قضى من حكم بالسجن 30 عاما جرى تهريبه في العام الثامن إثر نقله إلى المستشفى بعد "وجبة تعذيب شديد". وبالرغم من حالة التشرد والابتعاد عن العائلة، زوجة وأطفالا، وما يعانيه من صدمات نفسية، يذهب أبو خزعل بعد أن طرح ما يتعرض له العرب من محاولات "تفريس" و"تجفيف الأهوار" وجعل حياتهم مستحيلة في مناطقهم "الغنية بالموارد الطبيعية كالغاز والنفط، إلا أن التفقير والتهميش دفع بالنشطاء المطلوبين، والطلب هنا ليس مجرد تحقيق فأنت ترى العشرات من حالات الإعدام والاختفاء القسري، إلى أن يخرجوا بناء على طلب حركاتهم".
ويضيف رمضان الناصري: "خروج بعض النشطاء من الشباب بكل صراحة ساهم في إيصال أصوات الأحوازيين أكثر مما كان عليه في السنوات السابقة... إذا، رغم قسوة ظروف الغربة إلا أننا نرى رسالة يجب أن نؤديها كعرب في مهاجرنا... نحن نعول بعد هذا العمر على جيل ناضج ومتعلم.
كثيرون منهم الآن يتدافعون نحو التحصيل العلمي باعتباره سبيلا لخدمة قضاياهم، سواء الشخصية أو نشر عدالة القضية والتأثير بصناع القرار الذين للأسف كانوا يفضلون مشاريعهم التجارية على حساب شعبنا".
يعتبر أبو خزعل أن "مذكرات أحمد شهيد وانتفاضة 2005 جعلت من التحرك الأحوازي في أوروبا أكثر فعالية وتأثيرا. ما ينقصنا، وهو ما أريد نقله بأمانة عبر" العربي الجديد"، بعض الاهتمام بأنشطتنا وقضايا شعبنا... يهمنا بصدق أننا ننتمي لأمتنا وأن ترانا أمتنا العربية جزءا أصيلا منها... رغم تشعبات السياسة والمصالح، إلا أننا لا يمكن أن نختفي كما يأمل تاريخيا البعض... تماما مثلما لا يمكن أن يختفي الشعب الفلسطيني أو السوري... نحن نجد أنفسنا في خندق واحد مع هؤلاء، وخصوصا في الغربة".