النووي الإسرائيلي.. قبل أن ينهض العرب

27 ابريل 2014
صورة جوية لـ"مفاعل ديمونة" النووي
+ الخط -

في دراسة أجراها الباحث محمود محارب وصدرت حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بعنوان "سياسة الغموض النووي الإسرائيلية ـ الخلفية والأسباب والأهداف"، يستعرض محارب بدايات المشروع النووي الإسرائيلي التي تعود إلى عام 1948، حين وضع "دافيد بن غوريون"، مؤسس الدولة الصهيونية، الفرضيات الأساسية لنظرية أمنها.

وتستعرض الدراسة - المنشورة في كتاب يحمل عنوان "سياسة إسرائيل النووية وعملية صنع قرارات الأمن القومي فيها"- التفكير الإسرائيلي بضرورة بناء مفاعل نووي بعد عام 1948 لاقتناع الإسرائيليين بعدم إمكانية التوصل إلى اتفاقيه سلام مع الدول العربية حسب شروطهم ، وباستمرارية حالة الحرب لفترة طويلة؛ فسعى بن غوريون من أجل تعزيز قوة "إسرائيل" في المجالات كلها، وفي مقدمتها الحصول على السلاح النووي، للحفاظ على ما استولت عليه عام 1948، والإفساح لإمكانية توسعها مستقبلاً قبل أن ينهض العرب ويتوحدوا.

بدأت الدولة العبرية مشروعها من خلال التعاون والدعم الفرنسي العلمي لتجهيز وبناء مفاعل ديمونة، ومن خلال جمع الأموال من "يهود العالم" الأثرياء لتمويل مشروع بهذه الضخامة، إلى جانب إرسال طلاب إلى الخارج لدراسة الموضوعات ذات الصلة بالذرة والسلاح النووي.

كما دأب "بن غوريون" منذ البداية وحتى عام 1963 بإحاطة هذا المشروع بسد منيع من السرّية التامة والغموض المحكم. وانعكست هذه السرّية المغروسة عميقاً في صفوف متّخذي القرارات الأمنية على قيم المجتمع الإسرائيلي وثقافته فيما يتعلق بالأمن القومي؛ سرّية محصنة بعقوبات قانونية صارمة ضد كل من يخالفها، ووصلت إلى حد حظر الكتابة عن المشروع على أية ورقة.

وتبيّن الدراسة أن سياسة الغموض النووي الإسرائيلية بدأت عام 1958 بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية بواسطة طائرات التجسس أعمال حفر وبناء قرب ديمونة. وقد أنكرت الحكومة الإسرائيلية آنذاك أن يكون لديها أي نشاط نووي، وظلّت تناور حتى تأكدت الإدارة الأميركية من معلومات استخبارية تفيد أن اسرائيل تبني حقًا مفاعلاً نووياً بمساعدة فرنسية، فبدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.

وعلى أثر هذه التطورات، كشفت العديد من الصحف المهمة الأميركية والعالمية النقاب عن ديمونة، ما دفع بن غوريون بعد هذه الضجة إلى الإدلاء بتصريح قصير من على منصة الكنيست في 21 كانون أول/ ديسمبر 1960 ذكر فيه لأول مرة أن دولته تبني في النقب مفاعلاً نوويا بقوة 24 ميغاواط، مدّعياً أن هذه "مفاعل بحثية من أجل خدمة حاجات الصناعة والزراعة والطب والعلم" ومخصصة لأهداف سلمية.

وخلال الستينات تبلورت سياسة الغموض النووي الإسرائيلية من خلال المفاوضات الأميركية الإسرائيلية على المشروع التي بدأت عام 1961 على قاعدة أن مرور الوقت دون تفاهم مع الولايات المتحدة لا يخدم إسرائيل. لذلك بنت الحكومات الإسرائيلية سياستها حسب كل رئيس أميركي.
بعد ذلك، ساعدت الظروف الدولة العبرية في ما يتعلق بمشروعها، خصوصاً بعد حرب 1967 التي خدمت مكانتها الاقليمية والدولية، وانتخاب نيكسون رئيساً في الولايات المتحدة وتعيين هنري كيسنجر مستشاراً للأمن القومي الذي كان موافقاً على حيازة "إسرائيل" للسلاح النووي.

ودأبت الدولة العبرية على تجديد التفاهم مع كل رئيس أميركي منتخب في ما يتعلق بالمشروع النووي، بموازاة سياسة الغموض المتّبعة، حتى زمن الرئيس الحالي باراك أوباما الذي وقّع على وثيقة عام 2010 تنصّ على عدم قيام الولايات المتحدة بأي خطوة سياسية من شأنها الإضرار بـ"قدرة الردع الإسرائيلي".

وبهذه الطريقة، كما تُبين دراسة محمود محارب، استطاعت إسرائيل المراوغة والمماطلة والتهرّب، وبناء التحالفات والتفاهمات وكسب الوقت حتى أصبح مشروعها أمراً واقعاً، خصوصاً بعد تعاظم مكانتها وقوتها.

وعلى ما يبدو، فالدولة العبرية ماضية في سياسة الغموض، رغم النقاش الداخلي الذي يدعو اليوم إلى اتّباع "سياسة نووية علنية رادعة"، خصوصا إزاء إيران.


 

دلالات
المساهمون