النوايا الحسنة أو نفس وما سواها

24 سبتمبر 2015
دعك من تلك البلاد التي تُنتخب حكوماتها (Getty)
+ الخط -
في الليل حيث اعتاد ترتيب أصدقائه والأفكار التي تأتيه منفردة تعبث به كما يعبث الطفل الصغير بعقل أبيه حين يسأله، كيف جاء إلى هذا العالم فيتلجلج، الليل وحده قادر على استيعاب كل أفكاره، وهو يعي ذلك فيهرب إليه ومنه أحياناً.


يجلس وحيداً لا صحبة له سوى دخان سيجارته يداعبه وينعي أصدقاءه الذين قد دفنهم بيده في التراب أو في غياهب النسيان، ويهرب مع غيرهم كلما اشتد عليه الرحيل.

يسمع تصريحات الرئيس عن الدستور والدول التي لا تُبنى بالنوايا الحسنة، ويقول في سره يُستحسن ألا تُبنى من الأساس ويتذكر إسراء، ذلك الكائن الملائكي وقد تجاوز اختطافها المائة يوم، تقتص منه الذكريات، يتذكر آخر لقاء بينهما مصادفة في مترو التحرير وهي تربت على كتفه وتدعي أن يرعاه الله، ويحمر وجهه خجلاً أن يتركها أو يترك رفاق الصف في مواجهة الغاز والرصاص وينصرف.

يسعل، يُدخن سيجارة، يحتسي اليانسون، يقف متيبساً، ينظر إلى وجهه في المرآة فلا يعرفه، يسعل مرة أخرى فيخرج بواقي الدم والدخان من صدره، يترنح، يهوى، يتحامل، يقوم، يبلع بعض دواء قد وصفه له طبيبه، يرجع رأسه إلى الوراء ولا يفيق إلا على صوت تليفون مكتبه يميز، رقم من اليونان، لابد أنها موظفة خدمة العملاء تريد جميلاً آخر منه إرضاءا لذلك العميل أو آخر.

كانت ليلة أمس قاسية، يجالس صديقته ويحكي لها كيف تمت عملية اختطاف إسراء وصهيب وعمر من قوات يدّعون أنها لحفظ الأمن، وكيف أن تلك الصغيرة كانت تهدد الأمن العام، وكيف أنها ساعدت على حرق وإتلاف ممتلكات الدولة وإصابة أفراد الشرطة والتخابر والتآمر إلى آخره من التهم الموجهة إليها، أحبت أن تراها فقرر أن يشاهدا معاً مقطع فيديو لإسراء تتآمر على الأمن القومي ومصالح البلاد العليا وتشرح كيفية تحضير "السيريلاك" الذي تحبه فيبتسم وتبتسم.

تعاتبه متسائلة، كيف ترك قلبه يتحول إلى جيفة تأكلها الصحاب والكلاب وأروقة المستشفيات الحكومية برائحتها العطنة ومكاتب موظفي خدمة المواطنين في قسم الجوازات والهجرة بمجمع التحرير.

كل شيء في هذا البلد يصلح للنشر، اللهم إلا بعض مواضيع يستعصي على الناشر ذكرها كحكمة الله سبحانه فيما أتت تلك الحكومة وفيما استقالت، نحن في بلداننا نقول أتت الحكومة، أي حلت ونشير بذلك إلى أنها جاءت بلا حول لنا ولا قوة، دعك من تلك البلاد التي تُنتخب حكوماتها.

ينظر إلى الفراغ، ينتبه لوجودها بجانبه مازالت تتحدث، يأخذ نفساً ويزفر، ينظر إليها بنفاد صبر ويخطابها للخلاص من ذكرياته أو حياته كلها: أ ن، دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى.

(مصر)
المساهمون