لا يخفى على المراقبين للشأن السياسي في تونس وجود اختلاف داخل المجموعة النيابية لحزب النهضة حول مسألة التصويت على مشروع قانون المصالحة، وحتى تمنع النهضة هذا الجدل الداخلي من الظهور إلى العلن ويكون دافعاً لخلاف يفسد تناغمها، فإنها اكتفت بربط تصويتها على المشروع بحزمة من الضمانات في مقدمتها عدم المساس بمسار العدالة الانتقالية، وشددت على أن موافقتها عليه ستكون مشروطة.
وبدت مداخلة رئيس كتلة النهضة، نور الدين البحيري، خلال جلسة مناقشة مشروع قانون المصالحة، الأربعاء الماضي، على غاية من الوضوح في موقف النهضة الذي وضع جملة من الشروط للموافقة. هذا الأخير أكد أن حزبه يدعم المبدأ لكنه ينتظر تطمينات من رئاسة الجمهورية (صاحبة المشروع) على مواضيع أساسية مرتبطة به، وهي العدالة الانتقالية وعدم الإفلات من العقاب ومكافحة الفساد.
وأضاف أن النهضة تنتظر أن تتجلى من خلال التعديل في المشروع بما يلائم الدستور ومسار العدالة الانتقالية، فيما أبرز أن مؤسسات الحركة ستحدد موقفها منه عند مناقشته.
ويعدّ هذا الموقف توافقياً داخل النهضة، على الرغم من وجود تيارات مختلفة ظهرت بوضوح خلال الجلسة الأولى لمناقشة المشروع فصلاً فصلاً وما تلاها من تصريحات حوله.
وتراوحت الآراء بين الرافضة للصيغة الحالية للمشروع، لمخالفتها الدستور، على غرار النائبة يمينة الزغلامي التي أكدت أن النهضة لن تصوت لفائدته لأنه غير دستوري ويمس بمسار العدالة الانتقالية. وهو رأي شدد عليه النائب المنتمي للكتلة (ليس منتمياً للحزب)، نذير بن عمو، والذي أكد أن المشروع لم يأت بجديد وأنه كان من الأجدى تقديم تعديلات فيه قبل إعادة عرضه أمام البرلمان. في المقابل، ظهرت دعوات لتحرير التصويت وتركه لضمير النائب فقط دون إلزامه بموقف موحد، وتبنى القيادي بالحزب والكتلة، عبد اللطيف المكي، هذا الطرح وعبر عنه صراحة على صفحته على موقع "فيسبوك".
من جهة أخرى، وضعت قيادات النهضة النيابية ثقلها لإبراز موقفها الداعم للمصالحة الاقتصادية والمالية، وطي صفحة الماضي في إطار سياسة التوافق، على أن يكون ذلك بعد التغيير في الصيغة الأصلية بما يحفظ مسار العدالة الانتقالية. وفي هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم النهضة، النائب عماد الخميري، لـ"العربي الجديد" إن حزبه هو أول من نادى بمصالحة شاملة حتى قبل الثورة وحين كانت قياداته في المهجر وفي السجون، اعتقاداً منها أن الاحتراب يجب أن ينتهي وأنه آن الأوان لطي صفحة الماضي.
واعتبر الخميري أن من بين روافد المصالحة الشاملة التي نادت بها النهضة، المصالحة الاقتصادية والمالية، وأن النهضة منفتحة على جميع المقترحات المتعلقة به، بما يجعله منسجما مع مسار العدالة الانتقالية. وشرح الناطق الرسمي باسم النهضة أن ممثلي الكتلة في اللجنة سيتعاطون بإيجابية مع مشروع قانون المصالحة، وسيبحثون عن تغييرات مهمة حتى لا يكون متعارضاً مع الدستور.
وأضاف أن الموقف الرسمي هو التفاعل بإيجابية مع المشروع مع الحفاظ على حقها في إبداء الرأي والتنقيح والتعديل بما يجعله مقبولاً لدى عموم التونسيين، خاصة الفئات الرافضة له، فضلاً عن أن جهة المبادرة ترى أن تمرير القانون يجب أن يتم على قاعدة أوسع المشتركات الوطنية ووفاق واسع حوله.
وفي السياق ذاته، ربط النائب بالكتلة وغير المنتمي لحزب النهضة، نوفل الجمالي، في تصريح لـ"العربي الجديد" التصويت بمجرى النقاشات داخل اللجنة، معولاً على التفاعل بين النواب من مختلف الكتل وعلى اختلاف مواقفها الذي سيفضي إلى رؤية توافقية حوله. وبيّن أنه لا يمكن الجزم بعدم التزام النواب غير المنتمين للحزب بالموقف الحزبي المساند للمصالحة، حتى يتم الانتهاء من مناقشته والحكم على الصيغة النهائية منه، والتي يجب ألا تتجاوز الأطر الدستورية.