النفايات في بوروندي مصدر عيش المعدمين

27 فبراير 2015
أطنان النفايات مصدر لرزق بعضهم (GETTY)
+ الخط -


عند المنطقة الغربية من العاصمة البوروندية "بوجمبورا"، وتحديداً في بلدة تدعى "بوتيرير"، ينتصب مكب نفايات حكومي يضم جحافل من البشر، لم تمنعهم العطونة المنبعثة من المكان ولا مخاطر الاحتكاك بالأوساخ، عن النبش في كوم النفايات المتراكمة بحثاً عمّا يسد الرمق أو عن بقايا أشياء صغيرة تصلح للبيع مقابل النزر القليل من المال. هي غريزة حب البقاء دفعت بالمشردين والأرامل والأطفال من دون عائل إلى ظروف عيش صعبة.

"مريم كارينزو" من بين هؤلاء الذين صارت همومهم تتراكم تلالاً على الأكتاف، لم تعد طموحاتها تتجاوز إسكات أصوات الخواء الصادرة عن بطني أطفالها، تروي قائلة: "أنا أرملة وعليّ أن أعيل طفلين، أنبش القمامة لكي أحصل على بعض بقايا ما يتركه ميسورو الحال".

دولار يتيم هو كل الحصيلة اليومية لمريم. تحصل عليه بعد بيعها قطعاً من الفحم أو الحديد تعثر عليها بين أكوام النفايات. وحين يبتسم الحظ لها ويرتفع دخلها، فإنها تقتصد شيئاً من المال تقتني به ملبساً يستر الأجساد النحيلة.

وعلى الرغم من أن السلطات منحت مريم وأبناءها بيتاً يأويهم، فالمرأة الثلاثينية لا تزال تشكو ضيق الحال "أغلبنا لا يمتلك أراضي زراعية للعيش منها، وحتى لا نتسول أو نسرق، نلتقط ما يفيض عن موائد الأغنياء".

وعن مخاطر النبش في القمامة، تقول مريم: "أدرك أن صحتي في خطر، وأني قد أصاب بالعديد من الأمراض، ولكني في النهاية أختار بين أمرين أحلاهما مرّ".

وتتراكم في المكان هنا وهناك بقايا الزجاجات وأدوات حادة مكسورة، وقد تدفع بعض الأمهات أطفالهن للمساعدة في رحلة العثور على "الكنوز" المدفونة في تلال القمامة، غير آبهات بالأخطار التي تتهددهم.


وبصوت مرتعش ضعيف تقول إحداهن وقد تبعثرت أمامها بقايا من قشور الموز والأفوكادو، والتي مضى عليها وقت كبير قبل أن تصير غير قابلة للاستهلاك: "لا مكان لدينا نذهب إليه، ولا أراضي نزرعها ولا بيوت نسكنها، نحن نعيش بفضل من الله وحده". ثم تأخذ المرأة البقايا الفاسدة من الغلال، تُعمل فيه سكينها، ثم لا تتردد في أكلها متمتمة بكلمات لا يكاد يُفهم منها أن ما تأكله يمكنها من إخماد جوعها وجوع أطفالها.

وتؤكد المرأة التي رزقت بـ 12 طفلاً بقي منهم ثمانية على قيد الحياة أن مكب النفايات العمومي بـ "بوتيرير" في العاصمة يكتظّ بالباحثين في القمامة وأن أعدادهم وسط أيام الأسبوع تقدر بالمئات.

وفي مكب النفايات أطفال أيضاً، أغلبهم غادروا مقاعد الدراسة بدفع من أولياء أمورهم. ذلك حال  الفتى كاليكست (11 عاماً) الذي أمضى زهاء نصف عمره بين أكوام القمامة، ويقول "أمضيت حتى اليوم خمس سنوات أنبش في القمامة كي أعيش. والدتي هي التي أجبرتني على القدوم إلى هنا لأنها لم تكن تجد ما تسدّ به الرمق".

يسترسل الطفل قائلاً "في بعض الأيام يبتسم الحظ لي فأعود إلى البيت بدولارين"، وهما كل ما تملكه والدته لتبتاع طحين المانيوك وبعضاً من الملح والخضار للعشاء، إضافة إلى ما يجود به المكبّ من أدوية وحليب وعلب صلصة الطماطم وبعض المواد البلاستيكية المُعدّة لإعادة التدوير.

والأطفال لا يجدون في هذا المكان سوى مساحة للعب والترفيه، ما بين زوايا الأكواخ الصغيرة، يلعبون لعبة الغميضة، ولا تعي عقولهم الصغيرة حجم الفظاعة التي تنطوي عليها المسألة. أما من هم أكبر سناً، فقد أطلقوا نداءً إلى السلطات، علّها تقدم لهم يد العون لتشييد بيوت ومنحهم أراضي يأكلون مما تنبته.

بولين روراتوتوي المسؤولة الإدارية عن منطقة "بوتيرير" تقول إنه على جميع هؤلاء المعدمين مغادرة المكان، فيما صرح إيمانويل ندوريمانا المدير العام للموارد المائية في وزارة المياه والبيئة وتهيئة المجال، أن السلطات تنوي بناء مكب نفايات جديد تبلغ جملة اعتماداته أكثر من مليون و119 ألف دولار، بسعة 700 طن.

مكب جديد سيضيف لجحافل الباحثين في القمامة، أفواجاً أخرى ستلتقط بدورها ما زاد عن شبع العالم.

اقرأ أيضاً: "أمورو" أول مزرعة للفطر الأبيض في فلسطين