تعود أزمة القمامة إلى العاصمة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية، على خلفيّة توقّف عمّال النظافة عن رفعها إذ لم يستلموا الحوافز المالية الشهرية التي اعتادوها لقاء عملهم الإضافي والمخاطر التي يتعرّضون لها. وتتفاقم الأزمة مع استمرار هطول الأمطار الغزيرة منذ أسبوعين وارتفاع درجات الحرارة في المناطق الساحلية والصحراوية.
لا يلتفت المسؤولون الحكوميون المعنيون بشؤون البيئة إلى التداعيات الصحية والإنسانية التي قد تنتج عن ذلك، لا سيما مع انعدام الخدمات الصحية الأساسية. بالنسبة إليهم، انتشار النفايات المستمر قضية شبه عادية، وكثيراً ما يربطونه إمّا بغياب مرتّبات وأجور العاملين أو انعدام الوقود الخاص بشاحنات رفع المخلفات.
أحمد الحاشدي، مواطن في أمانة العاصمة، يقول إنّ "المدينة تعاني من الحشرات التي غالباً ما يتسبب فيها تجميع القمامة عند أطراف الأحياء، فيما لا تتوفّر مبيدات لمكافحتها بسبب لامبالاة المجلس المحلي". يضيف الحاشدي لـ "العربي الجديد" أنّه كغيره من المواطنين، يعرف أنّ أوضاع اليمن الاقتصادية قاسية، "لكنّ التداعيات الناتجة عن توقّف عمّال النظافة وآلياتهم عن العمل، مقلقة وخطيرة". ويأمل أن "تعمد المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة مثل أطباء بلا حدود وجمعية الهلال الأحمر اليمني، إلى مساعدتنا عبر إدخال مبيدات حشرية لكي لا تتفاقم المشكلة أكثر".
عدد كبير من الأحياء الحضرية يعاني من القمامة المتراكمة أكثر فأكثر، بسبب تزايد الحرّ الذي يساهم في انتشار الأمراض ذات الصلة بالإضافة إلى وصول الروائح الكريهة إلى المنازل. وتعمل الأمطار الغزيرة والرياح التي تصاحبها على جرف النفايات وانتشار أكياس القمامة أو محتوياتها التي بقيت لأيام في نقاط معيّنة، إلى أنحاء مختلفة من الأحياء المكتظة بالسكان. وهو الأمر الذي يؤدي أيضاً إلى انتشار الأمراض والأوبئة إمّا عبر الجو أو الحشرات، من دون أن نشير إلى تشويه الشوارع الرئيسية، لا سيما أنّ السكان وأصحاب المحلات يضعون أكياس القمامة على الأرصفة في وسط الطرقات. تلك الأرصفة هي أكثر الأجزاء لفتاً للنظر.
في مناطق متفرّقة، يعمد السكان إلى التخلص من القمامة عبر وسائل غير سليمة تضاعف من أضرارها. يقول أمين الحبيشي وهو مواطن من مدينة الحديدة الساحلية، إنّ "السكان لم يجدوا مخرجاً إلا بإحراق القمامة، الأمر الذي يحمّل المواطنين القريبين من نقاط الإحراق أضرار ذلك". يضيف أنّ "عائلات كثيرة تقطن على مقربة من أكوام القمامة التي تحرق، فتعاني من اختناقات من جرّاء ذلك. كذلك تتعرّض لموجات كبيرة من الذباب والبعوض ليلاً ونهاراً، وهذا أمر يتضاعف مع انقطاع التيار الكهربائي وتعطّل المكيّفات والمراوح". ويشير الحبيشي إلى أنّ "الأسر المنكوبة لا تستطيع منع الإحراق، إذ إنّ كثيرين يلجؤون إلى ذلك وفي أوقات متفاوتة".
منذ أكثر من أسبوع، ينفّذ عمّال النظافة في العاصمة صنعاء إضراباً شاملاً نتيجة عدم صرف مستحقاتهم المالية من البنك المركزي اليمني، وهو ما جعل أكوام النفايات تطمر مناطق كثيرة من العاصمة بطريقة لافتة. ويرفض البنك المركزي صرف رواتبهم لشهر يوليو/ تموز الماضي، وكذلك الأجور الإضافية والميزانية التشغيلية التي تقدم خدمات يومية لرفع النفايات الخاصة بالمديريات التابعة لأمانة العاصمة صنعاء.
في هذا السياق، يحمّل عامل النظافة عبد الله التهامي العاملين في أمانة العاصمة مسؤولية انتشار النفايات في صنعاء، مشيراً إلى أنّه هو وزملاءه لم يحصلوا على مستحقاتهم المالية ليكون ذلك سبباً في تردي أوضاعهم المعيشية. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنّه يعيش مع أسرته "أوضاعاً صعبة للغاية"، قائلاً إنّ "اليمنيين بمعظمهم يملكون مصادر دخل متعددة، إلا أنّنا نحن عمّال النظافة لا نملك إلا ما تقدّمه لنا أمانة العاصمة ولا نستطيع تدبير بدائل عن المبلغ البسيط الذي نحصل عليه من الحكومة في ظل هذه الظروف الصعبة". ويشير إلى "الوعود المتكررة التي تقدّم لنا، من دون أن تنفّذ". ولا يخفي التهامي حزنه الشديد كلما رأى القمامة التي تراكمت بسبب عدم أدائهم عملهم، لكنّه واثق من أنّ المسؤولين لن يلتفتوا إلى معاناتهم إلا إذا تابعوا بأنفسهم آثار انقطاعهم عن العمل ولو لفترة وجيزة.
إلى ذلك، تعمد منظمات إنسانية كثيرة إلى مساعدة المؤسسات المعنيّة في المناطق الريفية وشبه الحضرية عبر تزويدها بالوقود أو دفع أجور العاملين، بالإضافة إلى تنظيم حملات تطوعية للمجتمعات المحلية المستفيدة. لكنّ هذه المساعي الداعمة تقف عاجزة أمام جبال من القمامة تحوّلت تحدياً تصعب مواجهته.
تجدر الإشارة إلى أنّ عمّال النظافة في العاصمة، نفّذوا خلال الأشهر الماضية إضرابات متكررة للمطالبة بمستحقاتهم المالية، إلا أنّ أمانة العاصمة كانت تنجح في كلّ مرّة بإعادتهم إلى العمل، عبر تقديم وعود مختلفة لم تلتزم بها حتى اليوم.