النفاق الوطني

01 اغسطس 2015

رامي الحمدالله.. هل يرأس حكومة وفاق وطني حقاً (الأناضول)

+ الخط -
تطالعنا وسائل الإعلام، بين فترة وأخرى، بأخبار عمّا تسمى "حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية"؛ تعديلات وزارية أو قرارات اقتصادية، أو اعتراضات من هذا الطرف أو ذاك على الحكومة وسياستها. وتصر هذه الوسائل على تسمية "الوفاق الوطني"، وحتى الكلام السياسي الفلسطيني الداخلي يعتمد هذه الصيغة، على الرغم من أنه لا وجود لهذا الوفاق، لا في الحكومة ولا على ورق الاتفاقات الكثيرة الموقعة بين طرفي الصراع الداخلي الفلسطيني. 
منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة، علقت آمال كثيرة، لكنها ما لبثت أن تبخرت عند اختبار الممارسة، ولا سيما بعدما توضح أن عمل هذه الحكومة لا يزال مقيداً بخلافات وتصفية حسابات، جعلتها واجهةً، واسماً لشيء غير موجود في الواقع. مؤكد أن الأمور ليست متعلقة بشخص رئيس الحكومة، رامي الحمدالله، ومدى تمتعه بحسن النية تجاه "الوفاق"، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا غزة وملفاتها المتشابكة والمتشعبة، غير أن الارتهان للقرار السياسي جعله شخصية هلامية بلا طعم ولا رائحة، ومع ذلك بقي مسماه "رئيساً لحكومة الوفاق".

هذا الوفاق الذي يبدو هدفاً فلسطينياً مستعصياً، على الرغم من محاولات عديدة وصور تذكارية كثيرة وابتسامات موزعة بين الشخصيات الممثلة للطرفين في الجلسات، والتي لم تكن إلا نفاقاً، تخفي، وما زالت، أحقاداً وخلافات كثيرة، تبقي الانقسام على حاله، وتزيد شرذمة التراضي الفلسطينية التي لم يكفها الاحتلال الإسرائيلي، ليأتي خلاف فتح وحماس ليزيدها احتلالاً وتقسيماً. محاولات عديدة للم الشمل باءت بالفشل، وها هو المسعى الجديد يواجه المصير نفسه، على الرغم من التمسك بالمسمى. حكومة من المفترض أنها وفاقية، وأن عملها سيشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وأولوياتها تعويض أهالي القطاع عمّا عانوه في سنوات الحصار والانقطاع عن العالم الفلسطيني الآخر في الضفة الغربية. هذا كان من المفترض، إلا أن الأمور بقيت على حالها، واستمر القطاع في عزلته التي كُسرت بفضل بعض المحاولات الفردية من الأطراف السياسية داخله، من دون أي دور للحكومة الوفاقية الافتراضية. حتى هذه المحاولات، وبدا من تلقيها "وفاقياً" باعتبارها محاولة مساعدة في عمل الحكومة، أو سد العجز في ما لا تستطيع فعله، كانت مناسبة خلاف إضافي، زاد الوفاق تعقيداً.
عناوين مثل الميناء البحري، والذي من المفترض أن يساهم في خرق الطوق على القطاع، لم تتلقفها السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن ورائها تلقائياً الحكومة، بأريحية. ولم تسع إلى المساهمة في الحديث حوله. كما أن الطرف الآخر في غزة؛ أي حركة حماس، وفي حواراتها الخاصة بفك الحصار، وما حكي عن خطوط اتصال مفتوحة مع الأوروبيين، ومن ورائهم الإسرائيليون، لم تعمد إلى إشراك "شريك الوفاق" المفترض في مساعيها ومشاوراتها، وأبقت على "جمهورية غزة" معزولة عن "مملكة الضفة". لكل من الطرفين حساباته وعلاقاته واتصالاته وقنواته السياسية والاقتصادية، المختلفة تماماً عن الطرف الآخر. ومع ذلك، ظل مسمى الوفاق قائماً.
أمثلة كثيرة يمكن سوقها حول العمل المنفصل للسلطتين القائمتين في الضفة وغزة، والسياسة المستقلة لكل منهما عن الآخر، سواء كانت هناك حكومة في غزة أم لم يكن، فالإطار السياسي والإداري لحماس هناك لا يزال يمارس مهامه وكأن شيئاً لم يكن. الأمر نفسه بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية التي لم ترَ غزة باعتبارها جزءاً من نطاق حكمها. هي فيدرالية كاملة الأوصاف. لكن، لا أحد يريد الإقرار بها، ولا أحد يريد محاولة العمل على أساسها في السعي إلى رأب الصدع، بدل الحالة الانفصالية الكاملة القائمة. ربما يكون العمل وفق هذه الصيغة أفضل، بدل حالة النفاق الوطني الموسمية التي تنتهي إلى مزيد من التشرذم.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".