يبدو أن القوات النظامية والمليشيات الإيرانية تقترب من إحكام حصار منطقة عقيربات في ريف حماة الشرقي، بدعم روسي جوي وميداني. وفي حال إتمام الحصار، سيعني ذلك تحييد إحدى أهم مناطق "داعش" في المنطقة، عن معركة السيطرة على مدينة دير الزور. بموازاة ذلك، لا يزال النظام عاجزاً عن حسم المواجهات لصالحه في الجبهة الشرقية لدمشق، ويتكبد خسائر كبيرة في هذه المنطقة التي تشهد في المقابل استمرار الاقتتال الداخلي بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن". وعلى الجبهة الجنوبية، تواصل المعارضة السورية مسار الاندماج، إذ أعلنت عشرات الفصائل المسلحة المعارضة تشكيل "الجبهة الوطنية لتحرير سورية".
ونفى عضو "تنسيقية تدمر"، خالد الحمصي، ادعاءات النظام بحصار عقيربات، قائلاً إن "أمام النظام مناطق وجبالاً عليه أن يسيطر عليها قبل أن يطبق حصاره، وهذا يقدر بعشرات الكيلومترات". ولفت إلى أن "النظام سيطر على قرية وواحة الكوم، شمال السخنة، وعلى عدة حقول غاز غربها، وهي توينان وشمال الحسين، وهما شهدا معظم الاتفاقيات بين النظام وداعش لتوريد النفط والغاز بينهما، في حين يواصل النظام التقدم باتجاه قرية الطيبة، أهم معاقل التنظيم المتبقية في البادية، وفق قول الحمصي. وأضاف أن "القوات النظامية تواصل تحركها باتجاه السيطرة على حميمة المحاصرة من ثلاث جهات، في الريف الشرقي لتدمر، باتجاه منطقة الوعر، جنوب دير الزور، على الحدود السورية العراقية".
من جهتها، أفادت مصادر متابعة، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "ناحية عقيربات تضم نحو 70 قرية وبلدة، ويقدر عدد المدنيين المتبقين فيها بحدود 200 عائلة، من أصل أكثر من 70 ألفاً كانوا يقطنون بها عام 2011، في حين يقدر عدد مقاتلي داعش بنحو 300 مقاتل"، وفق المصادر. ولفتت إلى أن "الوضع الإنساني للعائلات مأساوي إلى درجة كارثية، خاصةً في الأسابيع الأخيرة، إذ تم استهداف الأفران بالقصف الجوي، ما حرم العائلات من الخبز منذ أكثر من شهر". وأكدت أن الأهالي المحاصرين "يعانون من نقص شديد في المواد الغذائية بعدما فقد التنظيم غالبية محافظة الرقة التي كانت تعتبر السلة الغذائية له، كما يفتقد الأهالي بشكل تام للخدمات الصحية"، بحسب المصادر.
وفي ما يتعلق بجبهات شرق دمشق، وتحديداً في جوبر وعين ترما، لا يزال النظام يتكبد الخسائر بشكل يومي في الأرواح والعتاد، في ظل محاولاته المتكررة للتقدم فيها منذ عدة أسابيع. ويقصف النظام مناطق سيطرة المعارضة في جوبر وعين ترما، بلا يتوقف وعلى مدار 24 ساعة، بمختلف أنواع الأسلحة من صواريخ أرض - أرض ومدفعية ثقيلة وراجمات الصواريخ، يسمع دوي انفجاراتها في مختلف أرجاء دمشق. وفي هذا الصدد، أعلن "فيلق الرحمن"، يوم الخميس، عن "مقتل أكثر من 10 عناصر من قوات الفرقة الرابعة، الخاضعة لقيادة ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، وذلك جراء تفجير نفق على جبهة جوبر واشتباكات عنيفة، كما قتل أكثر من 30 عنصراً وجرح العشرات لذات الفرقة، إثر اشتباكات عنيفة، وتم إعطاب جرافة عسكرية وحرق جرافة أخرى بشكل كامل، إضافة إلى تدمير دبابة"، وفق بيان "فيلق الرحمن". وقتل مدني جراء قصف مدفعي من القوات النظامية على مدينة دوما، بحسب ما أفادت تنسيقيّة المدينة، في حين تحدث الدفاع المدني عن قصف صاروخي ومدفعي على مدينة عين ترما وبلدة المحمدية أسفر عن أضرار مادية جسيمة.
وبالتزامن مع هجمة النظام على الجبهة الشرقية للعاصمة دمشق، الخاضعة لسيطرة "فيلق الرحمن"، لا تزال الاشتباكات دائرة بين الأخير وتنظيم "جيش الإسلام" في المناطق التي انسحبت منها "هيئة تحرير الشام". وكتب المتحدث الرسمي باسم "فيلق الرحمن"، على حسابه الرسمي في موقع "تويتر"، أن "مجموعات الغدر في جيش الإسلام قامت صباح (الجمعة) بهجوم على الثوار في الغوطة الشرقية بالتزامن مع اقتحام الفرقة الرابعة لجبهات جوبر وعين ترما، فداهمت المجموعات الأمنية لجيش الإسلام بلدة الإفتريس وصولاً لجبهات المحمدية وأسرت أربعين مقاتلاً لفيلق الرحمن مرابطين على الجبهات". وأضاف المتحدث أن "الجيش الحر تمكن من رد اعتداء جيش الغدر والتصدي له في بلدات الغوطة الشرقية، كما تصدى لمحاولات الفرقة الرابعة على جبهات جوبر وعين ترما"، وفق ما ورد في التعليق. وتابع أنه "مع هذه الاعتداءات من (جيش الإسلام) المتزامنة مع هجمات قوات الأسد على الغوطة الشرقية، لم يعد لمؤسسات الثورة ومرجعياتها إلا أن يعلنوا موقفهم، فقد تمايزت الصفوف في الغوطة الشرقية بين الثوار المدافعين عن الجبهات وبين قوات الثورة المضادة المكلفة بوأد الثورة ومحاربة الثوار". واعتبر "فيلق الرحمن" أن "كل الذرائع والمزاودات الفارغة سقطت، فاعتقال المرابطين على جبهات المحمدية والاعتداء على بلدات وثوار الغوطة لا يصب إلا في مصلحة الأسد".
في المقابل، أعلن المتحدث باسم "هيئة أركان جيش الإسلام"، حمزة بيرقدار، عبر صفحته الرسمية على "تويتر"، أن "فيلق الرحمن، بالتحالف مع فلول جبهة النصرة، يحاول التسلل إلى مواقع جيش الإسلام في بلدة مسرابا، وتمكن مجاهدو جيش الإسلام من إفشال عملية التسلل، ومحاصرة عناصر الحلف المتسللة". وأضاف أن "جيش الإسلام يحمل على عاتقه مسؤولية أمان الأهالي في جميع البلدات التي تحصل فيها إشكالات مع الحلف ويضع سلامتهم أولى أولوياته"، وفق تعبيره.
وذكرت مصادر متابعة في الغوطة، أن سبب الصراع بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، يتمثل في سعي الطرفين للسيطرة على المناطق التي انسحبت منها "هيئة تحرير الشام" إلى مناطق "حركة أحرار الشام" في حرستا ومحيطها. ورأت المصادر أن هناك سبباً آخر هو الصراع من أجل السيطرة وإدارة المنطقة في ظل ضم الغوطة الشرقية إلى اتفاقات "مناطق خفض التصعيد" التي تعتبر روسيا عرابتها.
وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنّ الإعلان عن تشكيل تلك الجبهة تم في الجنوب السوري، بعد انضمام أكثر من ثلاثين فصيلاً مسلحاً إليها، بينها فصائل ناشطة في ريف حماة وريف إدلب. وأضافت المصادر أن "مجلس الأمناء" في الجبهة أوكل إلى محمد سفيان الحسن أبوحمزة، منصب القائد العام لـ"الجبهة الوطنية لتحرير سورية".
وبدأ العمل على هذا المشروع منذ 22 يوليو/ تموز الماضي، بعد اندماج 11 فصيلاً في الجنوب السوري، وهم "جبهة أنصار الإسلام، لواء الشهيد مجد الخطيب، لواء صقور بيت سحم، لواء صقور الجولان، فرقة فجر التوحيد، الفرقة 16 قوات خاصة، لواء شهداء السبطين، فرقة صلاح الدين، لواء توحيد كتائب حوران، كتيبة جند العاصمة، ولواء صقور البادية". وبموازاة ذلك، أعلنت فصائل من المعارضة السورية المسلحة، يوم الأربعاء، عن اندماجها في تشكيل عسكري جديد تحت مسمّى "تحالف الجنوب".
يشار إلى أن كلاً من درعا والقنيطرة والسويداء تندرج ضمن اتفاق "تخفيف التصعيد" في المنطقة الجنوبية الغربية من سورية. ومن أبرز تداعيات هذا الاتفاق، التوجه لدمج عشرات الفصائل المنتشرة في الجنوب السوري ضمن عدة تشكيلات تكون مسؤولة عن حفظ أمن مناطق سيطرة المعارضة وحماية الحدود السورية. وهذا التوجه الاندماجي طاول المؤسسات المدنية، إذ تم تشكيل "هيئة الإدارة العليا" للاضطلاع بالمسؤوليات الخدمية والإدارية في مناطق المعارضة.