يعمل النظام السوري، مع اقتراب المباحثات السياسية، على حشد كل إمكاناته لتقديم نفسه كفاعل على الأرض قادر على تحقيق إنجازات عسكرية وسياسية، كان آخرها إدخال نحو 500 عائلة إلى حي القدم الواقع ضمن منطقة جنوب دمشق، تحت شعار "المصالحات الوطنية".
ويوضح الناشط الإعلامي في جنوب دمشق رامي السيد، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام سمح يوم (أول من أمس) الخميس لنحو 500 عائلة بالدخول إلى القدم والعسالي، إضافة إلى إطلاق سراح خمس معتقلات، ضمن اتفاق الهدنة الموقّع في شهر أغسطس/آب عام 2014، بين النظام وحركة أحرار الشام، حيث تم نقلهم عبر حافلات النقل الداخلي، إضافة إلى دخول جزء من العائلات بسياراتهم الخاصة، مع السماح لهم بإدخال أمتعتهم الخاصة".
ويشير إلى أن "واقع المنطقة ما يزال على حاله من حيث استمرار الحصار وغياب الخدمات الأساسية عن المنطقة، على الرغم من دخول العائلات"، مبيناً أن "النظام عمل على إدخال المواد الغذائية بالحد الأدنى منذ توقيع الهدنة، فيما الأغلبية الساحقة من الأهالي تجد صعوبة في شراء المواد الغذائية بسبب الفقر المدقع وانتشار البطالة".
ويلفت السيد إلى أن "جزءاً من العائلات التي دخلت، قامت بتفقد منازلها ومن ثم عادت إلى مناطق النظام، في حين أن من بقي منها استقر في منازله"، معتبراً أن "العائلات عادت إلى المنطقة بسبب سوء وضعها الاقتصادي، فبعضها يعجز عن تأمين مكان يؤويه في مناطق النظام بسبب ارتفاع أسعار استئجار المنازل، ومنها من لديه مخاوف أمنية، وخصوصاً مع الحملات التي يشنّها النظام على الشباب".
اقرأ أيضاً: النظام السوري يتفق مع "داعش" للخروج من جنوب دمشق
من جهته، يوضح الناشط الإعلامي في ببيلا جنوب دمشق رائد الدمشقي، لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع مستقر في جنوب دمشق، حيث إن الجبهات العسكرية بشكل عام هادئة نسبياً، في حين ما زالت الهدنة في كل من ببيلا ويلدا وبيت سحم مستمرة، وتدخل المواد الغذائية إلى المنطقة عبر معبر ببيلا، والذي يتم عبره تأمين حركة المدنيين، وإن كانت في معظمها تقتصر على النساء، في حين تأتي الكهرباء نحو ساعتين في اليوم، ما يسمح للأهالي بضخ مياه الشرب من الآبار".
ويلفت إلى أن "الحركة الاقتصادية في جنوب دمشق شهدت في الأشهر الأخيرة ركوداً كبيراً، فمعظم المحال التجارية تغيب عنها الحركة، لأن المواد التي تباع في المنطقة كانت تذهب بأغلبيتها إلى مخيم اليرموك والحجر الأسود، مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، عن طريق تجار أو عائلات كانت تبيع قسماً من حصتها الغذائية لتؤمن بقية احتياجاتها الأساسية من ماء وكهرباء ومواد تدفئة وثياب"، لافتاً إلى "أن فتح معبر القدم أدى أيضاً إلى انخفاض الأسعار بنسبة جيدة، وخصوصاً البنزين، والذي وصل سعر الليتر الواحد منه إلى 350 ليرة سورية، وليتر المازوت إلى 500 و600 ليرة، وهي اليوم مواد مطلوبة للتدفئة".
وعمل النظام السوري عبر وسائل إعلامه الرسمية والموالية له، على تقديم عملية دخول العائلات إلى جنوب دمشق كجزء من إنجازاته ضمن ما يُطلق عليها "مصالحات وطنية"، في حين تعتبرها المعارضة السورية هُدن جوع، إذ لم يقم النظام طوال السنوات الخمس الماضية بعقد هُدن مع المعارضة سوى في المناطق التي استطاع أن يفرض عليها حصاراً خانقاً لفترات طويلة، متعمداً تجويع أهالي تلك المناطق، ومنها جنوب دمشق التي سقط فيها أكثر من 120 قتيلاً جوعاً.
وتقول مصادر معارضة في دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام عمد في جنوب دمشق في العديد من المناطق المحاصرة، إلى سياسة التجويع للضغط على الفصائل المسلحة المعارضة، وإجبارها على الرضوخ لإرادته"، مشيرة إلى أن النظام "عمد دائماً إلى توقيع هدنة مع طرف في المنطقة وعدم التوقيع مع طرف آخر، لضرب الفصائل المسلحة ببعضها وشق صفها، ففي حين وقّع هدنة مع الفصائل في ببيلا ويلدا وبيت سحم جنوب دمشق، دخلت بموجبها المواد الغذائية، لم يوقّع مع الفصائل في حي التضامن ومخيم اليرموك"، لافتةً إلى أنه "حتى في القدم والعسالي عمل النظام على تأخير توقيع الهدنة لأشهر، مشترطاً عدم إعطاء المناطق الأخرى جزءاً من الحصص الغذائية التي ستدخل إلى هذين الحيين، ما خلق حساسيات وخلافات بين أهالي المنطقة الذين كانوا قد خرجوا جنباً إلى جنب مطالبين بإسقاط النظام عام 2012".
وتقول المصادر إن "مصير جنوب دمشق مجهول تماماً، والجميع في انتظار ما قد يؤول إليه الوضع عقب خروج تنظيم داعش، والذي يُعتبر أكبر فصيل مسلح في المنطقة من حيث العديد والعتاد، وهو أمر متوقع أن ينجز خلال الشهر الحالي، بعدما تم تأجيله لأسباب غير معروفة"، لافتة إلى أنه "يتم تداول أحاديث عن أن خروج داعش سيكون بداية لخروج جبهة النصرة، وعودة مخيم اليرموك لقبضة الفصائل الفلسطينية، والتي يجري في هذه الأيام جمع شتاتها في منطقة ببيلا، ليتم عقب ذلك تطبيق حالة من الهدنة تشبه الواقع الذي تعيشه برزة شمال دمشق".
وتفيد تقارير إعلامية بأن عدد أهالي منطقتي القدم والعسالي يبلغ اليوم نحو 15 ألف مدني، من أصل 150 ألف شخص كانوا يقيمون فيهما قبل عام 2011، وسقط فيهما أكثر من 600 قتيل، و450 معتقلاً، وقرابة الـ400 جريح، بينهم 125 شخصاً أصيبوا بإعاقات دائمة، بحاجة إلى رعاية صحية خارج المنطقة، بسبب ضعف الإمكانات الطبية المتوفرة.
اقرأ أيضاً: حصار التجويع يتنقل بين المناطق السورية