النظام المصري تكتم على دلائل بدء ملء خزان سد النهضة

24 يوليو 2020
ستعوض مصر النقص من بحيرة السد العالي(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

في وقت تسعى فيه دوائر النظام المصري لتهدئة ملف أزمة سد النهضة على المستوى الإعلامي، وامتصاص غضب الشارع، في ظل الفشل المتوالي في إدارة الملف أمام تعنت إثيوبيا، وإبراز الملف الليبي إعلامياً للتغطية على ذلك الفشل، كشفت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن تقريراً سيادياً وُضع على مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تناول الموقف الحقيقي بشأن ملء خزان السد، مع بداية موسم الفيضان الحالي.
وقالت المصادر إن التقرير أكد بدء إثيوبيا في عملية التخزين الفعلي لخزان السد، من دون التوصل لاتفاق نهائي مع دولتي المصب، مصر والسودان، على عكس ما كان قد صدر مسبقاً من تصريحات رسمية من الجانب الإثيوبي، بشأن نفي تلك الخطوة. وأضافت أن جهات سيادية تتحكم في ملف الإعلام المصري، أعطت تعليمات واضحة للمسؤولين عن وسائل الإعلام، من قنوات فضائية، وصحف، ومواقع إلكترونية، بتكثيف الحديث عن "مفاجأة قيام إثيوبيا بملء خزان سد النهضة، في مخالفة لرسالة مجلس الأمن، والاتحاد الأفريقي"، مشيرة إلى أن مسألة الملء لم تكن تحمل أية مفاجأة للسيسي، لأن تقرير "الجهات السيادية"، كان واضحاً، وحاسماً، وشاملاً لتفصيلات كثيرة عن الخطوة الإثيوبية.
وكان وزير الخارجية الإثيوبي، غيدو أندارجاشو عبر، أمس الأول الأربعاء، عن سعادته بانتهاء المرحلة الأولى من ملء سد النهضة، قائلا: "النيل لنا". وكتب، في تغريدة على حسابه الرسمي الموثق في "تويتر": "تهانينا... سابقاً كان النيل يتدفق، والآن أصبح في بحيرة، ومنها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة، في الحقيقة... النيل لنا". وحاولت الأذرع الإعلامية، والكتائب الإلكترونية، الترويج لتغريدة وزير الخارجية الإثيوبي، باعتبارها "خيانة مفاجئة"، لما تم الاتفاق عليه مع مصر والسودان، قبل نحو أسبوعين، من عدم اتخاذ خطوة أحادية ببدء ملء خزان سد النهضة، قبل إبرام اتفاق شامل، وملزم من خلال المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، التي تتم برعاية الاتحاد الأفريقي. 

تلقت إدارة الرصد بوزارة الزراعة المصرية شكاوى من فلاحين بشأن نقص حاد في مياه الري

وفي السياق نفسه، قالت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن مؤسسة الرئاسة المصرية باتت مشغولة خلال الأسبوعين الماضيين، بكيفية التعامل الإعلامي، والخطاب الذي يمكن أن تمرر به سلسلة من الإخفاقات المتتالية، في إدارة ملف أزمة سد النهضة، بعد فقدانها أوراقا محتملة للضغط، الواحدة تلو الأخرى، وأنها تواجه مأزقاً حقيقياً، حتى في هذا الجانب الإعلامي.
وفسرت المصادر بعض جوانب هذا المأزق، في أن "الأيام تمضي، ولا يبدو أنه سيكون متاحاً، نتيجة تعقيدات دولية ومحلية متشابكة، السير في خطة إشغال الشارع المصري، بمسألة التدخل العسكري في ليبيا. ويضاف إلى هذا، الموقف المعقد من البداية في مواجهة الأعمال الإرهابية في سيناء، في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية ضد معسكرات ونقاط ارتكاز للجيش المصري، في أكثر من موقع بمحافظة شمال سيناء". وقد ظهر ذلك واضحاً، في الإعلان عن حجم الخسائر الناتجة عن العملية الإرهابية الأخيرة، التي نفذها تنظيم "ولاية سيناء"، التابع لتنظيم "داعش" الإرهابي، في مدينة بئر العبد، إذ حاول المتحدث العسكري، من خلال البيان الذي أذاعه التلفزيون الرسمي المصري، ترويج رواية تعمد إلى خفض عدد، ورتب، ونوعية الضحايا، وتوجيه وسائل الإعلام إلى تجاهل الأعداد الحقيقية، وعدم إظهار أية مظاهر للحداد أو مشاعر الحزن، وتغطية مشاهد الجنازات للضحايا الذين ينتمون إلى عدد من المحافظات المصرية، شمالاً وجنوباً.

وفي سياق التأثيرات على حصص مصر المائية، كشفت المصادر أن تعليمات صدرت أخيراً لكافة وسائل الإعلام بعدم نشر أي أخبار أو تقارير صحافية وإعلامية متعلقة بحالات الجفاف التي ضربت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في عدد من محافظات الدلتا. وأوضحت أن إدارة الرصد بوزارة الزراعة تلقت شكاوى عدة من فلاحين بمحافظات منها الغربية وكفر الشيخ، بشأن نقص حاد في مياه الري، ما تسبب في جفاف الأرض وتلف المحاصيل، وتشقق التربة، موضحة أن تلك التقارير تم رفعها إلى متخذي القرار، إلا أنه صدرت تعليمات صارمة بضرورة التكتم على تلك النوعية من الأخبار في الوقت الحالي، لعدم إثارة القلق ومخاوف المواطنين. وقالت المصادر إن هناك خطة حكومية للتعامل مع النقص الذي ستواجهه مصر، خلال موسم الفيضان الحالي، وبدء أديس أبابا لعمليات الملء، من خلال التصريف من خزان بحيرة السد العالي، لتعويض النقص في حصة مصر من مياه النيل، لحين التوصل لاتفاق مع الجانب الإثيوبي، بحيث يتم تعويض تلك الكميات المصرفة من بحيرة السد العالي.

ترامب وعد السيسي بلعب دور أكبر خلال الفترة المقبلة لتسريع عملية التوصل لاتفاق

 

وأوضحت المصادر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أطلع نظيره الأميركي دونالد ترامب، خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما الإثنين الماضي، على الموقف الإثيوبي، وشروع أديس أبابا في عملية الملء دون الالتزام بالتحذيرات المسبقة لمصر والسودان، وضرْب الحكومة الإثيوبية بالمشاورات الجارية عرض الحائط. وأكدت المصادر أن الرئيس المصري أطلع نظيره الأميركي على الأدلة التي تؤكد بدء إثيوبيا في عملية الملء، وهو ما يؤدي بدوره لتأجيج الشارع المصري، "الذي تعد قضية السد بالنسبة له قضية حياة أو موت"، بحد تعبير المصادر، التي كشفت أن ترامب وعد السيسي بلعب دور أكبر خلال الفترة المقبلة لتسريع عملية التوصل لاتفاق. إلى هذا، قالت المصادر إن أديس أبابا رهنت موافقتها على إعلان اتفاق نهائي بشأن السد في الوقت الراهن، بإطلاق الحرية لها في المشاريع المقبلة على النيل الأزرق، وهو ما ترفضه كل من مصر والسودان، بحسب المصادر، مشيرة إلى أن إثيوبيا تظن أنها بتحقيق ضغط شعبي على النظام المصري، سيقبل بالتوقيع على اتفاق خالٍ من البنود التي من شأنها تقييد حرية أديس أبابا بشأن المشاريع المستقبلية على النيل الأزرق، حيث تعد خطة شاملة تتضمن إقامة ثلاثة سدود أخرى، بخلاف سد النهضة.
وأوضحت المصادر أن إثيوبيا خلال جولات التفاوض الأخيرة، التي استمرت لنحو 11 يوماً، تمسكت برفض التصور الخاص بالربط بين السد العالي المصري، وسد النهضة، بحيث يتم تحقيق التكامل بينهما في حالة الجفاف الممتد، والشح المائي، معتبرة أن ذلك التصور يُقلل من سيطرتها على مياه النهر، الذي أكد الوفد الإثيوبي أكثر من مرة خلال جولات التفاوض أنه ينبع من بلادهم، وبالتالي يجب أن تكون الكلمة العليا في إدارة النهر، وانسياب مياهه لهم.
وكانت المباحثات التي جرت، خلال الفترة الماضية، برعاية الاتحاد الأفريقي وحضور من جنوب أفريقيا، ومفوضية الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية، قد انتهت دون تحقيق تقدم يذكر في مفاوضات ملء وتشغيل سد النهضة، في الوقت الذي من المنتظر أن تُعقد فيه قمة أفريقية مصغرة للتداول حول سد النهضة الإثيوبي، حيث تعوّل القاهرة كثيراً على الأطراف الدولية في لعب دور لدى رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد، وإقناعه بالتوقيع على الاتفاق النهائي.
وكانت هيئة مياه ولاية الخرطوم بالسودان قد أعلنت، الأحد الماضي، عن خروج عدد من محطات الشرب النيلية عن الخدمة جراء انحسار مفاجئ للنيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل، بحسب وسائل إعلام محلية. وقال مدير عام الهيئة أنور السادات الحاج إن محطات الصالحة (أ) و(ب) وبيت المال وشمال بحري وأم كتي والشجرة خرجت عن الخدمة جراء الانحسار المفاجئ للنيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل. وكشف السادات عن إنزال منصات مضخات المياه الخام لأدنى مستوى لها في محطات مياه سوبا وبحري القديمة والمقرن والمنارة، مبيناً أن ما نجم عن الانحسار أدى لخفض كميات المياه النقية المنتجة من المحطات المذكورة. وأوضح أن الهيئة أبلغت إدارة الخزانات بخروج محطاتها عن الخدمة للانحسار المفاجئ للنيل، مشيراً إلى أن إدارة الخزانات عادت وأبلغت الهيئة عن فتح عدد من بوابات خزان الروصيرص. وكانت وزارة الري والموارد المائية السودانية قد أعلنت تراجع منسوب المياه عند محطة الديم الحدودية مع إثيوبيا في حدود 90 مليون متر مكعب يومياً، بما يؤكد غلق بوابات سد النهضة.

المساهمون