يواصل النظام السوري مخطط تدمير البلاد، فما تعذر تدميره بالبراميل المتفجرة والصواريخ البالستية بسبب وقوعه في قلب العاصمة دمشق يجري استهدافه بجرافات "التنظيم العمراني". مشروع التدمير آنف الذكر يعاد تدويره في المؤسسات الإعلامية للنظام السوري ليظهر كمشروع "تطوير" مناطق المخالفات والسكن العشوائي. ومن أهم مشاريع "التطوير" تلك التي كانت قد طرحت منذ العام 2012، وباشرت محافظة دمشق العمل التنفيذي فيها، مطلع العام الحالي، هو مشروع "تنظيم شرقي المزة". المشروع الأخير هو "حلم دمشق" الذي أوشك على التحقق، وفق الإعلام السوري الموالي للنظام. أما الحقيقة فهي أنه حلم النظام السوري والتجار والقوى المرتبطة به الذي سيرتفع على مآسي وعذابات آلاف العائلات السورية التي سكنت تلك المنطقة، منذ زمن بعيد، ووجدت نفسها، اليوم، مجبرة على الإخلاء.
يقول الناشط السوري، سعد السيد، الذي أقام في منطقة بساتين الرازي الخاضعة لمخطط التنظيم العمراني: "اتخذ النظام السوري قرار تهجير السكان بمجرد خروج المظاهرات الشعبية في منطقتنا، وفي منطقة كفرسوسة في العام 2011، وكانت الطريقة الأنسب لتحقيق ذلك، عبر إصدار مرسوم رئاسي يتذرع بضرورة التنظيم العمراني في تلك المناطق".
في العام 2012 أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 66 والقاضي بإحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق بهدف "تطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي وفق الدراسات التنظيمية التفصيلية المعدة لهما". المنطقة الأولى هي منطقة جنوب شرق المزة، فيما تقع المنطقة الثانية جنوب المتحلق الجنوبي (مزة - كفرسوسة - قنوات - بساتين داريا - قدم). وتعتبر جميعها مناطق حاضنة للثورة السورية، وهو ما جعلها تظهر بالنسبة للنظام وكأنها "سرطان" في قلب العاصمة دمشق، ما دفعه لاتخاذ قرار مبكر باستئصالها بذريعة التنظيم العمراني.
وبحسب محافظة دمشق، سوف يتم تعويض أصحاب الممتلكات في المناطق التي ستخضع للهدم عن طريق منحهم عدداً متفاوتاً من الأسهم بحسب ملكيتهم. وقامت اللجان القضائية بتحديد القيمة الاسمية للسهم الواحد بليرة سورية واحدة. كما قدرت تلك اللجان ملكية كل قصبة ( 24.25 متراً مربعاً) من الأرض بما يعادل 2.4 مليون سهم للمالك، ولكنها، ويا للدهشة، تجاهلت ما فوق الأرض من ملكية سواء أكان منزلاً أم منشأة صناعية أم محلاً تجارياً أو أراض مزروعة. يقول الباحث معن الراعي، لـ "العربي الجديد": "نحن أمام تمثيل غير عادل لحصص المالكين للأرض عبر نظام الأسهم من جهة، وعبر التجاهل التام للملكيات المقامة على أراضيهم من جهة أخرى". وبغض النظر عن تجاهل ملكية ما فوق الأرض، فهل يعتبر سعر الأرض نفسها عادلاً؟
في العام 2007 قدرت اللجنة القضائية قيمة القصبة في المنطقة بمبلغ 700 ألف ليرة سورية، مقابل 2.5 مليون اليوم، أي أنها رفعت سعر القصبة بنحو 3 أضعاف ونصف، غير أن قيمة الليرة السورية بين العام 2007 واليوم تراجعت بنحو تسعة أضعاف، ما يعني أن السعر المحدد حالياً لتعويض المالكين متدن جداً عن القيمة الحقيقية لأملاكهم.
فيما يعتبر الباحث، زين عبود، في حديث لـ "العربي الجديد" أن الحيف الأكبر سوف يقع على المالكين الذين يحوزون على أعداد محدودة من الأسهم، إذ سيكونون عرضة للاستغلال من المالكين الكبار أو من التجار وسوف يضطرون لبيع أسهمهم بأسعار بخسة كونها لن تؤمن لهم شقة سكنية". وبحسب محافظة دمشق، يشكل المالكون الحائزون على أقل من مليون سهم نحو 25 في المائة من مجموع المالكين، فيما يشكل المالكون لأسهم تتراوح بين مليون وعشرة ملايين سهم بنحو 47% من مجموع المالكين. وتعتبر كلتا الشريحتين والمقدر نسبتهم بنحو 72% بأنهم من صغار الملاك ذلك أن حيازة 2.5 مليون سهم تعني الحصول على قصبة واحدة تقدر بنحو 24 متراً مربعاً فقط. يقول عبود: "يتيح المرسوم 66 نظرياً، أن يقوم صغار الملاك بتجميع أنفسهم والتخصص كما يسميه المرسوم، ولكن على المستوى العملي، لن يتمكن هؤلاء من تجميع أنفسهم بسهولة وسيبيعون أملاكهم بغبن شديد".
اقــرأ أيضاً
أسطورة السكن البديل
مع مطلع العام الحالي، وجهت محافظة دمشق إنذارات للسكان في منطقة بساتين الرازي لإخلاء منازلهم، حيث بدأت عمليات تنفيذ المشروع. وكانت المحافظة قد أكدت أنها ستتولى إنشاء "سكن بديل" في نفس المنطقة للسوريين الملاك والمنذرين بالإخلاء. ولكن الناشط سعد السيد يقول: "إن قصة السكن البديل هي أسطورة من اختراع الحكومة. في الحقيقة، لا يوجد أي شيء من هذا القبيل". ويضيف: "المعروض على المنذرين بالإخلاء هو تعويض شهري يعادل 15 ألف ليرة سورية تدفع لمدة عامين لاستئجار منزل بديل".
يشرح المحامي شادي الأغا لـ "العربي الجديد" مفاعيل القانون: "إن المرسوم 66 ينص على بناء السكن البديل اعتباراً من تاريخ صدوره، ولكن، منذ العام 2012 وحتى اليوم، لم يحدث أي تحرك بهذا الاتجاه". ويتابع: "بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد خطة واضحة ومعلنة لعمليات إخلاء العائلات في بساتين الرازي والتي تقول محافظة دمشق أن أعدادهم تصل إلى أربعة آلاف، ولكن الأعداد الحقيقية هي ضعف هذا الرقم على الأقل".
إذاً، المطروح حالياً هو بدل نقدي للإيجار. فالحكومة السورية تقول: "يصرف للعائلة بدل نقديّ بعد استلام إنذار الإخلاء بأقل من شهر". ولكن الناشط السوري، سعد السيد، يقول: "هناك من استلم الإنذار قبل ثلاثة أشهر ولم يتسلم أي بدل نقدي حتى الآن".
أما المشكلة الثانية فهي أن "بدل الإيجار لا يكفي لاستئجار منزل في أي منطقة في العاصمة دمشق، إذ ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل كبير، خلال السنوات الماضية، ما يعني أن على سكان بساتين الرازي الذين كانوا يقيمون في قلب دمشق أن يبحثوا عن سكن بديل بعيداً عن مدينتهم، بل بعيداً عن ضواحيها".
ما يبدو أنه تهجير متعمد لسكان منطقة بساتين الرازي كان قد بدأ، منذ اندلاع الثورة، من خلال التضييق عليهم ودفعهم للمغادرة. تشرح علا، التي كانت تستأجر منزلاً في المنطقة قبل الثورة، كيف كثف النظام تواجده في الحي بعد اندلاع الثورة وأقام حاجزاً عسكرياً لمراقبة السكان والتضييق عليهم. تقول علا لـ "العربي الجديد": "منذ نهاية العام 2011، أصبح استئجار منزل في هذه المنطقة صعباً للغاية. إذ يتوجب على المستأجر التقدم بطلب إلى حاجز النظام الذي يرسله بدوره إلى الاستخبارات ليأتي الجواب بعد نحو أسبوعين أو ثلاثة بالموافقة أو الرفض".
إن قانون الملكية غير ساري المفعول في سورية، فأجهزة أمن النظام السوري هي من يقبل أو يرفض إتمام عقد الإيجار وليس مالك المنزل. أما خالد، الذي كان معتقلاً عندما نزحت عائلته من منطقة التضامن وسكنت في منطقة بساتين الرازي، فيروي لـ "العربي الجديد"، كيف منع من دخول منزل عائلته، ويقول: "عندما خرجت من السجن وذهبت لمنزل زوجتي وأولادي، قام عناصر الأمن بمنعي عند مدخل الحي من الإقامة معهم، إذ كانوا يسمحون بزيارة عائلتي مرتين أسبوعياً، ولمدة ساعتين، فيما تبقى هويتي الشخصية معهم إلى حين خروجي من الحي، فأذهب إلى المبيت في بيت أهلي".
اقــرأ أيضاً
هكذا، فإن مشروع "التنظيم العمراني" يحقق للنظام السوري سلسلة من المكاسب تبدأ بالبعد الأمني، حيث يجري تدمير المناطق الحاضنة للثورة والتخلص من سكانها، وخصوصاً أنها تقع في مناطق شديدة الحساسية في قلب دمشق، بالإضافة إلى أهداف أخرى تتعدى ذلك وتمر بمصالح رجال الأعمال المرتبطين بالنظام الذين يستفيدون من هذا المشروع، فضلاً عن وجود مخطط بعيد الأمد يتعلق بالتغيير الديمغرافي في العاصمة.
ويصف الباحث، معن الراعي، المشروع الجديد بأنه كالدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة للتجار المتربطين بالنظام والذين سيحظون بدور كبير سواء في عملية بناء تلك المناطق عبر سيطرتهم على العقود أو عبر الاستحواذ على أسهم السكان مقابل مبالغ بخسة سوف تتحول إلى أموالٍ طائلة في المستقبل مع إقامة مشاريع تجارية ضخمة". ويضيف: "أنه مشروع تحويل مناطق شعبية فقيرة إلى أحياء سكنية وتجارية فخمة وشديدة الثراء".
تغيير ديموغرافي
لا تقتصر المكاسب من مشروع "تنظيم شرقي المزة" على الأرباح المنتظرة بل على كونه يندرج في مخطط بعيد الأمد يعمل النظام السوري على تنفيذه وهو تغيير التركيبة الديموغرافية للعاصمة دمشق وذلك باستهداف مناطق محددة من السكن العشوائي. وبحسب المؤسسة العامة للإسكان، يشكل السكن العشوائي بين 30-40% من حجم الإسكان في المدن الرئيسية في سورية. وقد نشأ جزء كبير من تلك المناطق العشوائية، خلال العقود الأربعة الماضية، في ظل الهجرة الكبيرة من الريف إلى المدينة. وعلى الرغم من أن دوافع تلك الهجرة كانت اقتصادية، أي البحث عن عمل في المدينة، لكن "النظام السوري شجع هجرة سكان الساحل الذي يعتبرهم موالين له ليقيموا في مناطق السكن العشوائي التي توسعت كثيراً مع استمرار توافدهم، وهي مناطق لا يمسها النظام حالياً إذ إن عمليات التحديث والتنظيم العمراني تستهدف المناطق التي شكلت بيئات حاضنة للثورة السورية وتقع في مراكز حساسة في العاصمة دمشق، وفق الباحث زين عبود، ويقول : "بالتأكيد، ينم ذلك عن مخطط متعمد لتغيير التركيبة والتوزع الديموغرافي لسكان دمشق، إذ يجري طرد السكان الأصليين من المناطق التي تخضع للتنظيم".
أما في المناطق السكنية المنظمة التي لا يمكن أن تنجح معها ذريعة "التنظيم العمراني"، يجري إجبار العديد من العائلات على بيع عقاراتهم في دمشق القديمة وذلك بحسب الناشط السوري قيس بدوي.
ويقول بدوي لـ "العربي الجديد": "تتعرض العائلات في منطقة دمشق القديمة لمضايقات مستمرة من الحواجز الأمنية، منذ العام 2011، حيث تجري عمليات مداهمة وتفتيش للمنازل بصورة مستمرة يقوم خلالها عناصر الأمن بتخريب محتويات المنزل وتكسير الأثاث واعتقال الشباب". ويضيف: "بعد كل عملية مداهمة يتم إيصال رسالة لسكان المنزل مفادها أنه من الأفضل لكم مغادرة هذه المنطقة، وذلك من خلال بيع المنزل، وأن لدينا من يشتريه منكم". تشير الصفحة الرسمية لمشروع "شرقي المزة" على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، إلى أن المشروع يضم 186 برجاً سكنياً بارتفاعات تبدأ من 11 طابقاً وتصل إلى 22 طابقاً، كما سيضم 33 محضراً استثمارياً بارتفاعات تصل إلى 50 طابقاً، وبناء 17 منشأة تربوية تشمل كافة المراحل، بما فيها المدارس المهنية والفنية، و12مركزاً للخدمات الإدارية التي تقدمها الحكومة، بالإضافة إلى بناء 5 دور عبادة ( كنيسة واحدة وأربعة مساجد)، و4 محاضر كمراكز للجهات العامة والحكومية كوزارات ومؤسسات عامة ومصارف وسفارات، و4 محطات وقود، بالإضافة إلى مركزين صحيين. كما سيضم المشروع أكبر مجمع تجاري في سورية بمساحة 97 ألف متر مربع وبارتفاع 4 طوابق، فضلاً عن أول سوق تجارية مركزية. ويضم المشروع كذلك أكبر مدرج بالهواء الطلق للعرض المسرحي أو السينمائي في العاصمة دمشق، ويمتد إلى جانبه مركز ثقافي كبير.
اقــرأ أيضاً
يقول الناشط السوري، سعد السيد، الذي أقام في منطقة بساتين الرازي الخاضعة لمخطط التنظيم العمراني: "اتخذ النظام السوري قرار تهجير السكان بمجرد خروج المظاهرات الشعبية في منطقتنا، وفي منطقة كفرسوسة في العام 2011، وكانت الطريقة الأنسب لتحقيق ذلك، عبر إصدار مرسوم رئاسي يتذرع بضرورة التنظيم العمراني في تلك المناطق".
في العام 2012 أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 66 والقاضي بإحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق بهدف "تطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي وفق الدراسات التنظيمية التفصيلية المعدة لهما". المنطقة الأولى هي منطقة جنوب شرق المزة، فيما تقع المنطقة الثانية جنوب المتحلق الجنوبي (مزة - كفرسوسة - قنوات - بساتين داريا - قدم). وتعتبر جميعها مناطق حاضنة للثورة السورية، وهو ما جعلها تظهر بالنسبة للنظام وكأنها "سرطان" في قلب العاصمة دمشق، ما دفعه لاتخاذ قرار مبكر باستئصالها بذريعة التنظيم العمراني.
وبحسب محافظة دمشق، سوف يتم تعويض أصحاب الممتلكات في المناطق التي ستخضع للهدم عن طريق منحهم عدداً متفاوتاً من الأسهم بحسب ملكيتهم. وقامت اللجان القضائية بتحديد القيمة الاسمية للسهم الواحد بليرة سورية واحدة. كما قدرت تلك اللجان ملكية كل قصبة ( 24.25 متراً مربعاً) من الأرض بما يعادل 2.4 مليون سهم للمالك، ولكنها، ويا للدهشة، تجاهلت ما فوق الأرض من ملكية سواء أكان منزلاً أم منشأة صناعية أم محلاً تجارياً أو أراض مزروعة. يقول الباحث معن الراعي، لـ "العربي الجديد": "نحن أمام تمثيل غير عادل لحصص المالكين للأرض عبر نظام الأسهم من جهة، وعبر التجاهل التام للملكيات المقامة على أراضيهم من جهة أخرى". وبغض النظر عن تجاهل ملكية ما فوق الأرض، فهل يعتبر سعر الأرض نفسها عادلاً؟
في العام 2007 قدرت اللجنة القضائية قيمة القصبة في المنطقة بمبلغ 700 ألف ليرة سورية، مقابل 2.5 مليون اليوم، أي أنها رفعت سعر القصبة بنحو 3 أضعاف ونصف، غير أن قيمة الليرة السورية بين العام 2007 واليوم تراجعت بنحو تسعة أضعاف، ما يعني أن السعر المحدد حالياً لتعويض المالكين متدن جداً عن القيمة الحقيقية لأملاكهم.
فيما يعتبر الباحث، زين عبود، في حديث لـ "العربي الجديد" أن الحيف الأكبر سوف يقع على المالكين الذين يحوزون على أعداد محدودة من الأسهم، إذ سيكونون عرضة للاستغلال من المالكين الكبار أو من التجار وسوف يضطرون لبيع أسهمهم بأسعار بخسة كونها لن تؤمن لهم شقة سكنية". وبحسب محافظة دمشق، يشكل المالكون الحائزون على أقل من مليون سهم نحو 25 في المائة من مجموع المالكين، فيما يشكل المالكون لأسهم تتراوح بين مليون وعشرة ملايين سهم بنحو 47% من مجموع المالكين. وتعتبر كلتا الشريحتين والمقدر نسبتهم بنحو 72% بأنهم من صغار الملاك ذلك أن حيازة 2.5 مليون سهم تعني الحصول على قصبة واحدة تقدر بنحو 24 متراً مربعاً فقط. يقول عبود: "يتيح المرسوم 66 نظرياً، أن يقوم صغار الملاك بتجميع أنفسهم والتخصص كما يسميه المرسوم، ولكن على المستوى العملي، لن يتمكن هؤلاء من تجميع أنفسهم بسهولة وسيبيعون أملاكهم بغبن شديد".
أسطورة السكن البديل
مع مطلع العام الحالي، وجهت محافظة دمشق إنذارات للسكان في منطقة بساتين الرازي لإخلاء منازلهم، حيث بدأت عمليات تنفيذ المشروع. وكانت المحافظة قد أكدت أنها ستتولى إنشاء "سكن بديل" في نفس المنطقة للسوريين الملاك والمنذرين بالإخلاء. ولكن الناشط سعد السيد يقول: "إن قصة السكن البديل هي أسطورة من اختراع الحكومة. في الحقيقة، لا يوجد أي شيء من هذا القبيل". ويضيف: "المعروض على المنذرين بالإخلاء هو تعويض شهري يعادل 15 ألف ليرة سورية تدفع لمدة عامين لاستئجار منزل بديل".
يشرح المحامي شادي الأغا لـ "العربي الجديد" مفاعيل القانون: "إن المرسوم 66 ينص على بناء السكن البديل اعتباراً من تاريخ صدوره، ولكن، منذ العام 2012 وحتى اليوم، لم يحدث أي تحرك بهذا الاتجاه". ويتابع: "بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد خطة واضحة ومعلنة لعمليات إخلاء العائلات في بساتين الرازي والتي تقول محافظة دمشق أن أعدادهم تصل إلى أربعة آلاف، ولكن الأعداد الحقيقية هي ضعف هذا الرقم على الأقل".
إذاً، المطروح حالياً هو بدل نقدي للإيجار. فالحكومة السورية تقول: "يصرف للعائلة بدل نقديّ بعد استلام إنذار الإخلاء بأقل من شهر". ولكن الناشط السوري، سعد السيد، يقول: "هناك من استلم الإنذار قبل ثلاثة أشهر ولم يتسلم أي بدل نقدي حتى الآن".
أما المشكلة الثانية فهي أن "بدل الإيجار لا يكفي لاستئجار منزل في أي منطقة في العاصمة دمشق، إذ ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل كبير، خلال السنوات الماضية، ما يعني أن على سكان بساتين الرازي الذين كانوا يقيمون في قلب دمشق أن يبحثوا عن سكن بديل بعيداً عن مدينتهم، بل بعيداً عن ضواحيها".
ما يبدو أنه تهجير متعمد لسكان منطقة بساتين الرازي كان قد بدأ، منذ اندلاع الثورة، من خلال التضييق عليهم ودفعهم للمغادرة. تشرح علا، التي كانت تستأجر منزلاً في المنطقة قبل الثورة، كيف كثف النظام تواجده في الحي بعد اندلاع الثورة وأقام حاجزاً عسكرياً لمراقبة السكان والتضييق عليهم. تقول علا لـ "العربي الجديد": "منذ نهاية العام 2011، أصبح استئجار منزل في هذه المنطقة صعباً للغاية. إذ يتوجب على المستأجر التقدم بطلب إلى حاجز النظام الذي يرسله بدوره إلى الاستخبارات ليأتي الجواب بعد نحو أسبوعين أو ثلاثة بالموافقة أو الرفض".
إن قانون الملكية غير ساري المفعول في سورية، فأجهزة أمن النظام السوري هي من يقبل أو يرفض إتمام عقد الإيجار وليس مالك المنزل. أما خالد، الذي كان معتقلاً عندما نزحت عائلته من منطقة التضامن وسكنت في منطقة بساتين الرازي، فيروي لـ "العربي الجديد"، كيف منع من دخول منزل عائلته، ويقول: "عندما خرجت من السجن وذهبت لمنزل زوجتي وأولادي، قام عناصر الأمن بمنعي عند مدخل الحي من الإقامة معهم، إذ كانوا يسمحون بزيارة عائلتي مرتين أسبوعياً، ولمدة ساعتين، فيما تبقى هويتي الشخصية معهم إلى حين خروجي من الحي، فأذهب إلى المبيت في بيت أهلي".
هكذا، فإن مشروع "التنظيم العمراني" يحقق للنظام السوري سلسلة من المكاسب تبدأ بالبعد الأمني، حيث يجري تدمير المناطق الحاضنة للثورة والتخلص من سكانها، وخصوصاً أنها تقع في مناطق شديدة الحساسية في قلب دمشق، بالإضافة إلى أهداف أخرى تتعدى ذلك وتمر بمصالح رجال الأعمال المرتبطين بالنظام الذين يستفيدون من هذا المشروع، فضلاً عن وجود مخطط بعيد الأمد يتعلق بالتغيير الديمغرافي في العاصمة.
ويصف الباحث، معن الراعي، المشروع الجديد بأنه كالدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة للتجار المتربطين بالنظام والذين سيحظون بدور كبير سواء في عملية بناء تلك المناطق عبر سيطرتهم على العقود أو عبر الاستحواذ على أسهم السكان مقابل مبالغ بخسة سوف تتحول إلى أموالٍ طائلة في المستقبل مع إقامة مشاريع تجارية ضخمة". ويضيف: "أنه مشروع تحويل مناطق شعبية فقيرة إلى أحياء سكنية وتجارية فخمة وشديدة الثراء".
تغيير ديموغرافي
لا تقتصر المكاسب من مشروع "تنظيم شرقي المزة" على الأرباح المنتظرة بل على كونه يندرج في مخطط بعيد الأمد يعمل النظام السوري على تنفيذه وهو تغيير التركيبة الديموغرافية للعاصمة دمشق وذلك باستهداف مناطق محددة من السكن العشوائي. وبحسب المؤسسة العامة للإسكان، يشكل السكن العشوائي بين 30-40% من حجم الإسكان في المدن الرئيسية في سورية. وقد نشأ جزء كبير من تلك المناطق العشوائية، خلال العقود الأربعة الماضية، في ظل الهجرة الكبيرة من الريف إلى المدينة. وعلى الرغم من أن دوافع تلك الهجرة كانت اقتصادية، أي البحث عن عمل في المدينة، لكن "النظام السوري شجع هجرة سكان الساحل الذي يعتبرهم موالين له ليقيموا في مناطق السكن العشوائي التي توسعت كثيراً مع استمرار توافدهم، وهي مناطق لا يمسها النظام حالياً إذ إن عمليات التحديث والتنظيم العمراني تستهدف المناطق التي شكلت بيئات حاضنة للثورة السورية وتقع في مراكز حساسة في العاصمة دمشق، وفق الباحث زين عبود، ويقول : "بالتأكيد، ينم ذلك عن مخطط متعمد لتغيير التركيبة والتوزع الديموغرافي لسكان دمشق، إذ يجري طرد السكان الأصليين من المناطق التي تخضع للتنظيم".
أما في المناطق السكنية المنظمة التي لا يمكن أن تنجح معها ذريعة "التنظيم العمراني"، يجري إجبار العديد من العائلات على بيع عقاراتهم في دمشق القديمة وذلك بحسب الناشط السوري قيس بدوي.
ويقول بدوي لـ "العربي الجديد": "تتعرض العائلات في منطقة دمشق القديمة لمضايقات مستمرة من الحواجز الأمنية، منذ العام 2011، حيث تجري عمليات مداهمة وتفتيش للمنازل بصورة مستمرة يقوم خلالها عناصر الأمن بتخريب محتويات المنزل وتكسير الأثاث واعتقال الشباب". ويضيف: "بعد كل عملية مداهمة يتم إيصال رسالة لسكان المنزل مفادها أنه من الأفضل لكم مغادرة هذه المنطقة، وذلك من خلال بيع المنزل، وأن لدينا من يشتريه منكم". تشير الصفحة الرسمية لمشروع "شرقي المزة" على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، إلى أن المشروع يضم 186 برجاً سكنياً بارتفاعات تبدأ من 11 طابقاً وتصل إلى 22 طابقاً، كما سيضم 33 محضراً استثمارياً بارتفاعات تصل إلى 50 طابقاً، وبناء 17 منشأة تربوية تشمل كافة المراحل، بما فيها المدارس المهنية والفنية، و12مركزاً للخدمات الإدارية التي تقدمها الحكومة، بالإضافة إلى بناء 5 دور عبادة ( كنيسة واحدة وأربعة مساجد)، و4 محاضر كمراكز للجهات العامة والحكومية كوزارات ومؤسسات عامة ومصارف وسفارات، و4 محطات وقود، بالإضافة إلى مركزين صحيين. كما سيضم المشروع أكبر مجمع تجاري في سورية بمساحة 97 ألف متر مربع وبارتفاع 4 طوابق، فضلاً عن أول سوق تجارية مركزية. ويضم المشروع كذلك أكبر مدرج بالهواء الطلق للعرض المسرحي أو السينمائي في العاصمة دمشق، ويمتد إلى جانبه مركز ثقافي كبير.