تتعرض قوات النظام السوري ومليشيات تساندها للهزيمة في ريف حماة الشمالي، في كل محاولة اختراق تقوم بها في هذا المحور، الذي يعدّ خط الدفاع الأول عن عمق محافظة إدلب، معقل المعارضة، التي تؤكد استعدادها لخوض معركة طويلة الأمد مع قوات النظام، فيما يبدو وفق المعطيات الميدانية أن الأخيرة تتخبّط بسبب انخفاض الروح المعنوية لعناصرها في ظل صمود فصائل المعارضة، التي قتلت المئات من هذه القوات منذ مطلع الشهر الماضي.
على الرغم من ذلك، فإن النظام يواصل حشد قواته في ريف حماة، في دلالة على استعداده لهجمات جديدة. ويدلّ احتدام المعارك واتساع نطاقها على أن الطرفين التركي والروسي، لم يستطيعا تجاوز الخلاف حول مصير شمال غربي سورية، إذ يصرّ الجانب الروسي على احتفاظ قوات النظام بالمناطق التي انتزعت السيطرة عليها الشهر الماضي، وهو ما يرفضه الجانب التركي، الذي لم يستجب لمحاولة فرض هدنة في ريف حماة الشمالي وفق معطيات السيطرة الحالية. وأعلنت فصائل المعارضة المسلحة، أمس السبت، تصدّيها لمحاولة تقدّم لقوات النظام ومليشياته على جبهة قريتي الجبين وتل ملح في ريف حماة الغربي، اللتين انتزعت الفصائل السيطرة عليهما، في هجوم مباغت الأسبوع الماضي دفع قوات النظام للتراجع. وأفادت مصادر عسكرية معارضة بأن الفصائل دمرت عربتي "بي أم بي" لقوات النظام، وقتلت 20 من عناصر مليشيا "لواء القدس" المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وتضم مسلحين من أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية يقاتلون منذ سنوات إلى جانب قوات النظام.
وتحاول قوات النظام، مدعومة بالقوات الروسية، استعادة السيطرة على قرية تل ملح، بهدف تأمين الطريق الواصل بين مدينتي محردة والسقيلبية، الذي قطعته فصائل المعارضة بانتزاعها السيطرة على القرية. من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مواصلة المعارك التي وصفها بـ"العنيفة"، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها، بدعم من القوات الروسية، والفصائل المقاتلة على محوري الجبين وتل ملح في ريف حماة الشمالي. وأشار "المرصد" إلى أن "قوات النظام فشلت في هجومها الأول على المنطقة، بعد تمكن الفصائل من صده، فشنت هجوماً ثانياً على المحورين تمكنت من خلاله من إحراز تقدم والدخول إلى الجبين قبل أن تجبرها الفصائل على الانسحاب مجدداً". وأكد مقتل مجموعة من قوات النظام بعد دخولها في حقل ألغام في محاور القتال، مشيراً إلى مقتل 26 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، أمس السبت، وهم 8 قتلوا في انفجار حقل ألغام بهم، و18 قتلوا خلال المعارك. وذكرت وكالة "إباء"، التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً)، أن الفصائل العسكرية سيطرت على دبابة لقوات بشار الأسد، إثر الهجوم الفاشل على محوري تل ملح والجبين شمال حماة. وأشارت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إلى أن القصف الجوي والمدفعي "مكثف على مناطق الاشتباكات وعلى مدينة كفرزيتا ومحيطها من قبل مقاتلات النظام"، مضيفة: "نفذت طائرات النظام الحربية عدة غارات على خان شيخون وترملا وبلدة إحسم في جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي".
في غضون ذلك، كشفت مصادر قيادية في فصائل المعارضة أن النظام وحلفاءه الروس يحشدون المزيد من المسلحين لشنّ هجمات جديدة على ريف حماة الشمالي. وأشارت المصادر إلى أن هناك أنباءً مؤكدة عن حالات من الخوف والهلع والتمرد ورفض الأوامر بين عناصر المصالحات من "الفيلق الخامس"، المدعوم من قبل الروس، مؤكدة وجود "حالة شك متبادلة وعدم ثقة بين الروس والإيرانيين والمشاحنات بين قادة الفرق العسكرية النظامية الأسدية وسهيل الحسن المدعوم من روسيا"، وفق المصادر.
وأكد المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم أغلب فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، النقيب ناجي مصطفى، أن هناك بالفعل حشوداً من قبل قوات النظام والروس، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن قوات النظام حاولت التقدّم، أمس السبت، على محوري الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي والجبين في ريف حماة الشمالي، لافتاً إلى أن فصائل المعارضة أفشلت الهجومين وكبّدت قوات النظام خسائر وصفها بـ"الفادحة"، مضيفاً: "قُتل العشرات من عصابات الأسد، وتم اغتنام دبابة". ومن الواضح أن النظام وحلفاءه الروس يضعون جلّ ثقلهم العسكري في محوري ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي، من أجل إحداث اختراق كبير يدفع الجانب التركي إلى القبول بعرض روسي لوقف إطلاق النار، يعزز التفوق العسكري لقوات النظام. لكن المعارضة المسلحة تبدو مستعدة لكل الاحتمالات، إذ حشدت قواها لصد قوات النظام ومليشيات تساندها عن ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي، لكونهما خطي دفاع مهمين عن محافظة إدلب، معقل المعارضة البارز.
وفي هذا الصدد، أكد قائد العمليات في جيش "العزة"، أبرز فصائل "الجيش السوري الحر" في ريف حماة الشمالي، العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اجتماع فصائل المعارضة على هدف واحد هو أهم مقومات صمودها في معارك ريف حماة الشمالي". وأشار إلى أن قوات النظام والمليشيات تتعرض لهزائم بسبب "انخفاض الروح المعنوية، وكثرة القتلى في صفوفها، والصمود الأسطوري للثوار"، موضحاً أن فصائل المعارضة السورية "تستعد لمعركة طويلة الأمد"، وفق قوله. وتُقدّر مصادر في فصائل المعارضة قتلى قوات النظام بالمئات، منذ مطلع الشهر الماضي، عدد كبير منهم من "الفيلق الخامس اقتحام" الذي يضم عناصر من مناطق المصالحات، فضلاً عن مقتل عدد آخر من عناصر المليشيات، وخصوصاً من "لواء القدس" والقوات التي يقودها العميد سهيل الحسن الذي يعدّ رجل الروس في قوات النظام.
في موازاة ذلك، لم تستطع موسكو وأنقرة تجاوز الخلاف حول مصير شمال غربي سورية، إذ لا يزال الجانب الروسي يصرّ على تثبيت وقف إطلاق النار بناءً على خريطة السيطرة الجديدة، في حين يتمسك الجانب التركي بطلبه عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل مايو/ أيار الماضي، أي عودة 18 مدينة وبلدة وموقعاً سيطرت عليها قوات النظام. وفي انسداد آفاق التفاهم، من المتوقع أن يلجأ البلدان إلى التصعيد في الأراضي السورية، وخصوصاً أن المناورة الروسية بإعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد كانت مكشوفة للجانب التركي وفصائل المعارضة، التي لم تقبل بهدنة هي بمثابة تسليم بالهزيمة واعتراف بخسارة في ريف حماة الشمالي. وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أجرى حواراً سريعاً مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، على هامش قمة "التعاون وبناء الثقة في آسيا" في عاصمة طاجكستان دوشنبه، أمس السبت، "ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم". واعتبر بوتين أمام القمة، أن النظام السوري "يسيطر على معظم أراضي البلاد". ودعا إلى "ضرورة تنشيط عمل اللجنة الدستورية السورية لتمارس مهامها". ورأى أن "التعاون الروسي الإيراني التركي في سورية يساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي".
وأكد أردوغان خلال القمة، "بذل تركيا قصارى جهدها لإنهاء الحرب الأهلية وضمان الاستقرار في سورية". وقال: "نستضيف نحو 4 ملايين سوري، وطهّرنا أكثر من 4 آلاف كيلومتر مربع من المنظمات الإرهابية، ووجهنا ضربات قاصمة، عبر عمليات عسكرية خارج حدودنا، لداعش وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي اللذين يهددان مستقبل سورية". وكان أردوغان توعد، أول من أمس الجمعة، النظام السوري في حال استمراره باستهداف نقاط المراقبة التركية، بقوله: "لن نسكت إذا واصل النظام السوري هجماته على نقاط المراقبة التركية في إدلب، وتركيا ستعطي رداً واضحاً على استفزازات قوات (بشار) الأسد". وشدد على أن "مواصلة النظام السوري الاعتداءات على إدلب وقصفها بقنابل الفوسفور جريمة لا تغتفر ولا يمكننا السكوت عليها"، مشيراً إلى أن "أنقرة لن تقف مكتوفة اليدين وستأخذ دعوات السكان المحليين بالاعتبار". وفي السياق، كذّبت وزارة الدفاع التركية الجمعة الماضي، المزاعم الروسية بقصف مواقع للمعارضة في ريف حماة بالاعتماد على إحداثيات حصلت عليها من تركيا. وقالت في بيان، إن "الخبر الذي تداولته بعض وسائل الإعلام بخصوص قصف القوات الجوية الروسية، بناءً على الإحداثيات التي تقدمها تركيا، مواقع الإرهابيين الذين يشنون هجمات على نقاط المراقبة التركية، عارٍ من الصحة".