بدأت معركة يبرود في منطقة القلمون السورية، رسمياً، اليوم، بعدما طال الحديث عنها، وطالت التحضيرات العسكرية لها. وبعد أسابيع من القصف المتقطّع عليها، نفّذ الطيران الحربي السوري، منذ الفجر، عشر غارات جوية، وصعّد قصفه المدفعي على المدينة، ومنطقة المزارع القريبة منها، بالتزامن مع خمس غارات على جرود بلدة عرسال اللبنانية المحاذية ليبرود، من دون تسجيل إصابات. وأكّد مدير المركز الإعلامي في القلمون، عامر القلموني، لـ"الجديد"، أن قوّات النظام قد حاولت اقتحام البلدة فعلاً اليوم، غير أن قوّات المعارضة تمكنت من صدّها. وأعرب مسؤول عسكري ميداني معارِض عن اطمئنان المعارضة إلى واقع أن النظام "لا يستطيع حصار يبرود، لأن اقتحامها يحتاج إلى خطة خمسيّة"، في إشارة إلى اتساع النطاق الجغرافي للمعركة، وصعوبة الأرض التي تجري عليها. ويتابع المصدر المعارِض أنه "ليس للنظام مصلحة في تحريك عش الدبابير، كل ما يمكنه فعله هو أن يقصف، ولا خشية لدينا من الاقتحام".
وتتصل معركة يبرود بالوضع في بلدة عرسال اللبنانية المحاذية لها بالضرورة. وفي تطوّر لافت، أبلغ بعض العاملين في عدد من المنظمات الدوليّة التابعة للأمم المتحدة، "الجديد"، أن الجيش الللبناني طلب من جميع المنظمات الدولية سحب جميع فرقها العاملة في عرسال "لأسباب أمنية"، كما قيل لهذه المنظمات. ولفت نائب رئيس بلدية عرسال أحمد فليطي، في اتصال مع "الجديد"، إلى أن ثلاثة جرحى وصلوا من يبرود إلى عرسال ظهر اليوم، توفي أحدهم فور وصوله، ودفن في عرسال، فيما حال الآخرين مستقرة. وبالنسبة إلى حركة النازحين إلى عرسال من يبرود ومحيطها، يقول الفليطي إن عدداً من العائلات وصل إلى عرسال، اليوم، وهو ما أكّده مسؤولون في لجنة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، لكن لا إحصاء لعدد هؤلاء بعد، وخصوصاً أن الأمر لم يرقَ إلى حالة نزوح كثيف. وشدد الفليطي على أن غارات الطيران الحربي السوري تستهدف الطرق الشرعية وطرق التهريب بين عرسال ويبرود لمنع وصول النازحين.
وسينصبّ الاهتمام على بلدة عرسال، بقدر يبرود، ذلك أن البلدتين اللبنانية والسورية متلاصقتان، وتُعتبر عرسال خط الدفاع الخلفي لقوات المعارضة، وللمدنيين النازحين من يبرود وجميع البلدات السورية التي هُجِّر أهلها من ريف حمص. وضع من شأنه زجّ عرسال في المعركة، وخصوصاً أنّ غارات سورية دائمة تُنفَّذ منذ فترة على جرود عرسال، فضلاً عن أن الجيش اللبناني راح يكثّف حملاته لمحاولة ضبط الحدود، خصوصاً من جهة عرسال.
وفي السياق، نقل ناشطون لبنانيّون على صلة وثيقة بالمعارضة السورية في يبرود، أن المعركة الأساسيّة لن تكون في يبرود، بل في حامية يبرود، أي في مزارع ريما، حيث يتحصّن مقاتلو المعارضة. ومزارع ريما تفصل يبرود عن أوتستراد دمشق ــ حمص. وأشار هؤلاء الناشطون إلى أن النظام السوري أرسل إلى وجهاء يبرود رسائل واضحة بضرورة إجبار المسلحين على المغادرة، وفتْح يبرود أمام الجيش السوري الذي سيدخلها مع قناة "الإخبارية السورية" و"قناة الميادين" وتلفزيوني "المنار" (التابعة لحزب الله) و"تلفزيون الجديد" اللبناني، وبعد ذلك يُغادر الجيش البلدة. وفي حال رفض وجهاء البلدة هذا العرض، فإنّ النظام سيقصف يبرود بالبراميل المتفجرة التي يستخدمها في حلب وغيرها من المناطق السورية، إلى جانب إخضاعها لحصار غذائي.
وفي الإطار نفسه، كشف قائد ميداني معارض في المدينة، لمراسل "الجديد"، أنّ مفاوضات جرت في الأيام الماضية بهدف إخراج المقاتلين من المدينة، وهذا ما وافقت عليه عموم الفصائل، بمن فيهم "جبهة النصرة"، حرصاً على أرواح المدنيين الكثيرين المقيمين فيها واللاجئين إليها من المناطق المحيطة". وأشار المسؤول العسكري المعارِض إلى أنه "كان من المفترض أن يتصل النظام بنا اليوم، إلّا أنّه لم يفعل".
وتنتشر فصائل عسكريّة مقاتلة عديدة في منطقة يبرود، ومنها "الفرقة 11 قوات خاصة"، و"كتيبة سيف العدل"، و"لواء الغرباء"، و"لواء تحرير الشام"، و"لواء أسود السنة"، و"أحرار الشام"، و"جبهة تحرير القلمون"، إضافة إلى "جبهة النصرة". وتتضارب المعلومات حول عدد مقاتلي المعارضة في المنطقة، بين 10 آلاف و20 ألف مقاتل، ينتشرون في مناطق السحل ورنكوس ويبرود وعسال الورد ومزارع ريما وفليطة. وتؤكد مصادرلـ"الجديد" امتلاك بعض الفصائل لصواريخ حراريّة ومدرعات، فضلاً عن كل أنواع الأسلحة الخفيفة.
وكانت المدينة الواقعة 80 كيلومتراً شمالي دمشق، قد تحولت إلى جبهة لا تهدأ المعارك في محيطها، بعد تمكن قوّات النظام من السيطرة على مدينة قارة الواقعة إلى الشمال من يبرود، والنبك الواقعة في موازاتها، شرقي الطريق الدولي الذي يصل حمص بدمشق.
ويسعى النظام إلى تحقيق نصر عسكري في منطقة يبرود الاستراتيجية من خلال تأمين الأوتوستراد الدولي، في حين يهدف حزب الله اللبناني إلى السيطرة على المدينة التي باتت بالنسبة إليه "مصنعاً للسيارات المفخخة"، كما وصفها نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم.
ويقارن مراقبون بين معركة يبرود الحالية، ومعركة القصير التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، ويؤكدون أنّ الهدف من المعركة سياسي بالدرجة الأولى، لا سيّما أنّه لم يكن ثمّة معارك حاسمة، بالمعنى العسكري، طيلة فترة الحرب التي اندلعت بين قوّات النظام السوري وفصائل المعارضة السوريّة المسلّحة. ويشير البعض إلى أن معركة يبرود بالنسبة للنظام، لا تعدو سوى كونها محاولة للبحث عن نصر يوّظف سياسياً، ويعزز من مكانته في مؤتمر "جنيف2".