بالطبع استضافت الجريدة وغيرها من وسائل الإعلام المصرية الواقعة تحت سيطرة الدولة، السيدة التهامي بعد أن شاركت في العديد من المؤتمرات الانتخابية لدعم السيسي خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس الماضي، من بينها مؤتمر بقرية شطانوف في محافظة المنوفية مساء الأحد 11 مارس 2018 إذ كان اسمها ضمن قائمة المدعوين التي قدمها المنظمون للجهات الأمنية والتي وافقت بدورها عليها قبل الحدث، رغم أنه سبق القبض عليها من قبل بتهمة انتحال صفة مندوبة في الرئاسة، بحسب ما نشرته صحيفة اليوم السابع المقربة من الأجهزة الأمنية في 13 مارس 2018 وهو ما دفع معد المادة إلى تتبع تلك الحالة المختلفة والتي يختلط فيها ما هو سياسي من دعم للسيسي والحديث باسمه، بما هو جنائي من محاولة النصب والاحتيال، وحتى ما هو تاريخي، إذ كتبت داليا التهامي على صفحتها أن عمها هو حسن التهامي ( نائب رئيس وزراء مصر الأسبق وممثل السادات في الاتصالات السرية مع إسرائيل)، خاصة أنها قالت عقب عودتها من المؤتمر سالف الذكر في بث مباشر على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "اللي بيخبطوا فيا عايزين يخبطوا في الريس شخصيا، وده أنا مش هاسمح بيه، وأنا مستمرة في حشد الشعب لدعم الريس، أشوفكوا على خير بكره في مؤتمر تاني لدعم الرئيس السيسي، داليا التهامي هاتستمر في نصرة الرئيس السيسي غصب عن الأعداء كلهم".
القصة من البداية
في إبريل/نيسان من عام 2017 التقت داليا التهامي باللواء أحمد صقر محافظ الغربية، مدعية أنها مكلفة من الرئاسة بفحص إجراءات طلب إقامة وحدة محلية بإحدى قرى المنوفية.
ارتاب المحافظ في أمرها وأبلغ عنها، فقُبض عليها، لكن سرعان ما أخلي سبيلها على خلاف ما يحدث في القضايا المشابهة وفق ما أكده قانونيون.
تلك كانت المرة الأولى التي تم القبض عليها فيها بسرعة إخلاء سبيلها نفسها، وفقا لما وثقه معد المادة عبر ما نشرته وسائل الإعلام المصرية نقلا عن بلاغ أمني أصدرته مديرية أمن الغربية، بعد تقدّم اللواء أحمد ضيف صقر، محافظ الغربية، بشكوى رسمية إلى مديرية الأمن.
بعد أقل من سنة، عادت داليا التهامي إلى الظهور منتحلة الصفة ذاتها: "مندوبة الرئيس السيسي لحل مشكلات مصر" كما عرفت نفسها في مناسبات اجتماعية ومؤتمرات شعبية مؤيدة لترشيح السيسي لفترة رئاسية ثانية، من بينها المؤتمر الذي نظمته حملة كلنا معاك من أجل مصر (يترأسها الدكتور محمد هيبة، الأمين العام لحملة "كلنا معاك من أجل مصر"أمين الشباب المركزي السابق بالحزب الوطني المنحل) في بورسعيد، وحضرته داليا وتم تقديمها باعتبارها ممثلة عن الرئاسة، وفقا لما نشرته وسائل إعلام مصرية عديدة من بينها الأهرام في 26 فبراير/شباط 2018.
مصر كما تحب أن تراها
في 5 مارس من عام 2017 كرّم عميد كلية دار العلوم في جامعة القاهرة داليا التهامي، باعتبارها نموذجا لامرأة مصرية اعتلت أصعب وأعلى المراتب لخدمة مصر، كما قال خلال مهرجان "مصر كما تحب أن تراها" وقبل ذلك في 28 فبراير كرمها مسؤولون بمحافظة بورسعيد في ندوة نظمتها إدارة شرق التعليمية، وفقا لما نقلته تغطية جريدة الجمهورية للفعالية، في ظل احتفاء بأخبارها من قبل صحف مملوكة للحكومة ولرجال أعمال والأحزاب، كما وثق معد المادة عبر البحث عن أخبارها على المواقع الإلكترونية للصحف المصرية.
سر استمرارها رغم انكشاف أمرها
ظلت التهامي تشارك في فعاليات عامة، من بينها مؤتمرات وأنشطة رسمية عديدة، حتى انكشف أمرها في مؤتمر قرية شطانوف، الذي نظمته نقابة الفلاحين، إذ ذكر نقيب الفلاحين أن أحد معارفه كشف حقيقتها، فأبلغ الجهات الأمنية فقبضت عليها، للمرة الثانية، بعد ضجة إعلامية وبيان من المتحدث باسم الرئاسة ينفي صلتها بداليا، نُشر في معظم المواقع المصرية كما نشره المتحدث الرسمي نفسه على صفحته على فيسبوك. وبحسب ما ذكرته يومية المصري اليوم، في 12 مارس، فإن الرئاسة قدمت بلاغا ضد التهامي، وفي 13 مارس 2018 حبستها النيابة أربعة أيام لكنها أخلت سبيلها يوم 15 مارس!
وقتئذ، هاجمها الإعلاميون الموالون للنظام المصري بضراوة وفق فكرة مركزية تكررت في مختلف برامج الحديث الليلية مفادها "كيف ينتحل مواطن صفة بهذه الخطورة طيلة هذه الفترة؟ أليس في ذلك استخفاف برئاسة الجمهورية؟ كما قال السيناريست محمد الغيطي مقدم أحد هذه البرامج على قناة LTC المقربة من الأجهزة الأمنية.
لكن بعد يومين، صمت هؤلاء الإعلاميون أمام أسئلة أخرى: "كيف يُخلى سبيل داليا التهامي المتهمة بالنصب وانتحال صفة بعد يومين بكفالة مالية ضئيلة، مع أنها المرة الثانية لها في أقل من سنة؟".
إثبات كفاءة
يزداد الأمر غرابة إذا عرفنا أن التهامي تقدم نفسها (على صفحتها على فيسبوك، التي استخدمتها حتى مارس الماضي) بأنها: "نائب رئيس المنظمة العربية وإثبات كفاءة بإدارة حل مشاكل مصر". وهو ما أثار تساؤلات معد المادة، فبحث عن أي كيان باسم "المنظمة العربية" دون أن يجد شيئا، وهذا بدوره يثير التساؤلات التالية: ما المستوى التعليمي والثقافي لإنسان عاجز عن اختراع لقب مثل: المنظمة العربية للتنمية المستدامة، للثقافة والتعليم، للتواصل الحضاري...؟ وما معنى "إثبات كفاءة.."؟ هل هي معطوفة على نائب رئيس المنظمة العربية، أم المقصود "أثبتت كفاءة" في صيغة الفعل الماضي وليس المصدر؟
لنمد السؤال على استقامته: ما المستوى التعليمي والثقافي للمسؤولين والإعلاميين الذين صدّقوا هذا الهراء؟ ما المستوى المهني لرجال القضاء الذين أخلوا سبيلها مرتين؟ وكذلك مسؤولو الداخلية الذين تركوها منذ 2015 تمرح بادعاءاتها؟ خاصة إذا عرفنا أيضا أنها قدمت للمسؤولين جوازَ سفر دبلوماسيا منتهيا منذ عام 1989 دليلا على صدق ادعائها، وفقا لما جاء في إفادة محافظ الغربية السابق ذكرها في شكوى الدائرة القانونية للمحافظة المقدمة إلى مديرية أمن الغربية، وهو ما أرجعته الباحثة في علم النفس ياسمين عبد الله إلى الخوف الشديد من السلطة والذي يؤدي إلى ميل قوي للخضوع لأي منتسب إليها، بالتوازي مع رعب شديد من احتمال التعرض لغضب رأس السلطة (الرئاسة) إذا صدق المنتسب المدعي. وتابعت "هنا يخاف المسؤول على سلطته ومكاسبه الاجتماعية والاقتصادية إذا لم يستجب لمثل داليا التهامي، لأن في مخيلته يظل هناك احتمال بنسبة 1 % أن تكون قريبة من السلطة، المكاسب الكبيرة للمنتمين إلى السلطة تخلق خوفا شديدا من مجرد التفكير في زوالها".
بماذا ترد داليا؟
رفضت داليا الإجابة على أي من أسئلة معد المادة حول مزاعمها وبيان الرئاسة الذي تبرأ منها عقب التواصل معها، لكن أحد متابعيها ويدعى المستشار أحمد منصور ويُعرف نفسه على صفحته على فيسبوك بأنه "مدير إقليمى لمنظمة الأمم المتحدة للسلام العادل بالشرق الأوسط ورئيس مكتب القاهرة (هيئة سياسية) لدى منظمة الامم المتحدة للإعلام" والتي لا تضع تعريفا حول ماهيتها على صفحتها على فيسبوك، نشر على صفحتها، في 18 مارس، رابطا لتقرير صحافي يصفها بأنها مجرد نصابة، طالبا منها توضيحا لذلك، فأجابته واثقة في تعليق: "صباح الفل على الجميع، أنا ممنوعه من الكلام الآن، لكن هقول حاجة واحدة، هو فيه حد بينتحل منصب في جهه سيادية وبيتقبض عليه وبيخرج؟؟ ربنا عرفو بالعقل، أشكركم". كما وعدته بإرسال رقم هاتفها في رسالة خاصة ليتصل بها ويتأكد من صدقها!
النصب باسم الرئاسة
تزايدت عمليات النصب باسم الرئاسة والتي بدا فيها أن الهدف الوحيد منها هو الاستيلاء على المال، فهل حاولت داليا التهامي ذلك أيضا؟
لدينا روايتان متناقضتان، قدمتْهما الأجهزة الأمنية:
الأولى مفادها أنها نصابة محترفة تزاول نشاطها الإجرامي منذ 2015، وأنها تحصّلت على وحدات سكنية في الإسكان الاجتماعي باسم الرئاسة. هذه الرواية منسوبة للتحريات الأمنية في منابر إعلامية كثيرة، (منها ما جاء في المصري اليوم بتاريخ 13 مارس 2018). لكن أحدا لم يقدم معلومة عن تلك الوحدات.
الرواية الثانية أنها ليس لها أملاك ولا مصالح من انتسابها للرئاسة، وهي منقولة عن مصدر أمني مجهول بمديرية أمن المنوفية. (نقلتها جريدة وموقع البوابة الذي يترأس مجلس إدارته وتحريره الصحافي وثيق الصلة بالأجهزة الأمنية عبدالرحيم وفق ما جاء في تاريخ 13 مارس أيضا).
وتسرف داليا التهامي في تملق السيسي والتماهي مع خطابه المفكك، ففي مقطع الفيديو الذي بثّته مساء يوم 11 مارس من داخل سيارتها كما قالت، بعد أن تبرأت منها الرئاسة، وصفت السيسي بأنه نيشان على صدرها! وتمنت لو تتلقى مائة رصاصة بجسدها بدلا منه، كما رفعت له القبعة لأنه نصرها وكلف مدير أمن المنوفية بتأمينها.. بطبيعة الحال، لم تقدم أي تفسير للقبض عليها بعد ساعات واتهامها رسميا بانتحال صفة مندوبة الرئاسة، في الوقت ذاته وثق معد المادة لقاء تلفزيونيا مع المستشار محمود العسال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة مجتمع مدني)، أذاعته قناة الحدث اليوم على صفحتها على يوتيوب بتاريخ 14 مارس، عرض العسال شكوى رسمية منها بشأن فعالية نظمتْها لدعم السياحة المصرية، تحملت بسببها ديونا ثقيلة، وطلبت دعما ماليا على حد قوله.
ويزداد المشهد عبثا بعدما خرجت داليا من حبسها بعد إخلاء سبيلها في 15 مارس إذ كتبت منشورها الأول قائلة: "يا جبل ما يهزك ريح". وزادت من نغمة أنها فداء مصر والسيسي، كما أعادت نشر مقطع فيديو سابق عنوانه "السفيرة داليا التهامي مسؤول شكاوى رئاسة الجمهورية وفض الاعتصامات الجماعية"، تردد فيه: "وبعون الله هانعدّي، ومتفائلة متفائلة متفائلة".