تظاهرت عشرات النساء منتصف الأسبوع الماضي بدعوة من حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي للمطالبة بحقهن بمنح الجنسية لأولادهن وأزواجهن. والسبب هو البيان الذي كان قد أصدره مكتب وزير العمل في لبنان أوائل هذا العام بتقييد الحق بالعمل على الأجانب وتنظيم محاضر ضبط وتوقيف العمال الأجانب انطلاقاً "من الحرص على اليد العاملة اللبنانية والمؤسسات وأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين". فسّرت حملة "جنسيتي" هذا الأمر بأنه تقييد لأولاد وبنات الأم اللبنانية بممارسة حقهم بالعمل في وطن الأم.
تسجّل هذه الخطوة التي قام بها وزير العمل عام 2017 تراجعاً حاداً لما قامت به نفس الوزارة عام 2012 حين أعطت آنذاك الحق بالحصول على إجازة عمل مجانية لأولاد وبنات الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي. وإن كان لا بد من الإشارة هنا إلى أن الخطوة وقتذاك كانت تنفيساً لمطلب حق النساء في الجنسية، ودفن الحق بالمواطنة عبر منح "جملة خدمات" للنساء لإسكاتهن عن المطالبة بحقهن.
في ظل ما يمر به لبنان حالياً من أزمات أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية، جاءت السلطة اللبنانية عبر قرار وزير العمل لتغطي قصورها عن معالجة مسائل البطالة والواقع المأزوم. اعتبرت الأجانب من الدول غير الغربية، لا سيما الفلسطينيين والسوريين كبش المحرقة لتنفيس الضغط الشعبي والعام. وداست في طريقها على حق النساء في لبنان، كفئة أولى يتم تهميشها في حالات الأزمات والحروب.
لعل مطلب منح الجنسية للنساء في لبنان هو أكثر تجليات التمييز والإقصاء بين النساء على أساس المواطنة والعلاقة المباشرة مع السلطة. يقع هذا المطلب في نقطة التقاء أربع مسائل هي: التمييز على أساس العرق، والتمييز على أساس الجنس، والحساسية الطائفية، والديموغرافيا السياسية. وكلما عاد خطاب حق النساء بالمواطنة وبمنح الجنسية إلى الواجهة، كلما ازدادت حدة الخطاب السياسي إقصاءً وتمييزاً حاداً تجاههن. قد يعبر ذلك عن أمرين: إما أن السلطة تخشى النساء، أو أنها على دراية بهشاشة الواقع اللبناني غير الممسوك أمنياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً ولا ثقافياً، وهي بالتالي تبحث عن شماعة لتخبئ درجة الاهتراء بالمنظومة. وبنظر السلطة، ليس هناك أفضل من "اللاجئ" أو "العامل" لتلبيسهم شماعة اختلال محتمل للواقع المأزوم أصلاً والتعويض عن ضعف السلطة في إيجاد حلول مستدامة لكل المشاكل في المجتمع.
يعيدنا هذا الحديث إلى أيلول/سبتمبر العام الماضي حين اتحفنا وزير الخارجة جبران باسيل بأنه يدعم حق النساء بمنح الجنسية "لكن مع استثناء الفلسطينيين والسوريين". غريب أمر هذا المجتمع وأفراده الذين يعتبرون أن الخوف من "الآخر اللاجئ" مثلاً هو حق، وبأن الحق في المواطنة هو مجرد وجهة نظر.
(ناشطة نسوية)
اقــرأ أيضاً
تسجّل هذه الخطوة التي قام بها وزير العمل عام 2017 تراجعاً حاداً لما قامت به نفس الوزارة عام 2012 حين أعطت آنذاك الحق بالحصول على إجازة عمل مجانية لأولاد وبنات الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي. وإن كان لا بد من الإشارة هنا إلى أن الخطوة وقتذاك كانت تنفيساً لمطلب حق النساء في الجنسية، ودفن الحق بالمواطنة عبر منح "جملة خدمات" للنساء لإسكاتهن عن المطالبة بحقهن.
في ظل ما يمر به لبنان حالياً من أزمات أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية، جاءت السلطة اللبنانية عبر قرار وزير العمل لتغطي قصورها عن معالجة مسائل البطالة والواقع المأزوم. اعتبرت الأجانب من الدول غير الغربية، لا سيما الفلسطينيين والسوريين كبش المحرقة لتنفيس الضغط الشعبي والعام. وداست في طريقها على حق النساء في لبنان، كفئة أولى يتم تهميشها في حالات الأزمات والحروب.
لعل مطلب منح الجنسية للنساء في لبنان هو أكثر تجليات التمييز والإقصاء بين النساء على أساس المواطنة والعلاقة المباشرة مع السلطة. يقع هذا المطلب في نقطة التقاء أربع مسائل هي: التمييز على أساس العرق، والتمييز على أساس الجنس، والحساسية الطائفية، والديموغرافيا السياسية. وكلما عاد خطاب حق النساء بالمواطنة وبمنح الجنسية إلى الواجهة، كلما ازدادت حدة الخطاب السياسي إقصاءً وتمييزاً حاداً تجاههن. قد يعبر ذلك عن أمرين: إما أن السلطة تخشى النساء، أو أنها على دراية بهشاشة الواقع اللبناني غير الممسوك أمنياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً ولا ثقافياً، وهي بالتالي تبحث عن شماعة لتخبئ درجة الاهتراء بالمنظومة. وبنظر السلطة، ليس هناك أفضل من "اللاجئ" أو "العامل" لتلبيسهم شماعة اختلال محتمل للواقع المأزوم أصلاً والتعويض عن ضعف السلطة في إيجاد حلول مستدامة لكل المشاكل في المجتمع.
يعيدنا هذا الحديث إلى أيلول/سبتمبر العام الماضي حين اتحفنا وزير الخارجة جبران باسيل بأنه يدعم حق النساء بمنح الجنسية "لكن مع استثناء الفلسطينيين والسوريين". غريب أمر هذا المجتمع وأفراده الذين يعتبرون أن الخوف من "الآخر اللاجئ" مثلاً هو حق، وبأن الحق في المواطنة هو مجرد وجهة نظر.
(ناشطة نسوية)