ينتظر النرويجيون استحقاق الانتخابات النيابية، التي تُجرى اليوم الاثنين، لمعرفة التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحكومة الجديدة. وتبدو المنافسة حادة بين أحزاب اليمين واليسار، في ظل وجود تيارات الوسط، والبيئيين. ولن تكون مهمة تشكيل الحكومة سهلة للطرف الرابح في الانتخابات، إذ سيحتاج الحزب الحاصل على أعلى نسبة من الأصوات، إلى التحالف مع أطراف أخرى لتأمين الغالبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة، وهو ما يدخل الجميع في حسابات المقايضات والتسويات.
وتجرى الانتخابات وسط منافسة بين 9 أحزاب سياسية في البلاد. ويتطلب دخول الأحزاب إلى البرلمان (ستورتينغت) الذي يتألف من 169 مقعداً، الحصول على أكثر من 4 في المائة من نسبة أصوات المقترعين. وتتخذ الشرطة وجهاز الاستخبارات إجراءات أمنية مشددة لحماية العملية الانتخابية، خوفاً من الإرهاب الذي ضربها قبل أعوام بتفجيرات لمقار حكومية على يد اليمين المتطرف، نفذه ما يعرف بـ"سفاح أوسلو"، أندرس بريفيك.
وعلى الرغم من أن الاستطلاعات الأخيرة تمنح اليمين المحافظ، حزب "هويرا"، بزعامة رئيسة الوزراء الحالية، إيرنا سولبيرغ، نسباً تتراوح بين 24 و28 في المائة، إلى جانب حزب "التقدم" اليميني، المشارك في الائتلاف الحكومي خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن إعادة تشكيلها الحكومة المقبلة تصطدم بعقبات عدة، أبرزها موقف حزب "الشعب الديمقراطي المسيحي". وهذا الحزب المشارك في الائتلاف الحاكم الحالي، أعطى مؤشرات، أثناء مناظرة تلفزيونية لرؤساء الأحزاب مساء الخميس الماضي، بأنه "لن يقدم دعماً تلقائياً لتشكيل حكومة محافظة"، ما يشكل تحدياً لا يمكن لسولبيرغ أن تتجاهله.
تقدم اليسار
ويثير تقدم اليسار الاشتراكي في النرويج الكثير من الانتباه المحلي والاسكندنافي وقلقاً في معسكر اليمين والمحافظين، باعتباره "مؤشراً على تبدلات اجتماعية، تشمل الطبقة المتوسطة، وزيادة في رغبة الشعب النرويجي بتحسين ظروف البيئة والاقتصاد، والتركيز كثيراً على العدالة الاجتماعية والبحث عن بدائل بعيداً عن النفط"، بحسب ما يذهب الزعيم الشاب للاشتراكيين، لوسباكن. ومع هذا التقدم المحتمل، سيتمكن عندئذٍ اليسار النرويجي من وضع شروطه لدعم تشكيل أية حكومة مستقبلية.
ويرى مراقبون محليون أن معسكر اليسار و"الخضر"، وعلى الرغم من معاناة يسار الوسط، استطاع جر الساحة السياسية لمناقشات أكثر أهمية للنرويجيين، وبعيدة عن رغبات اليمين ويمين الوسط، في ما يتعلق بسياسات الهجرة في بلدهما. ويرد اليسار نجاحه في جذب الاهتمام نحو "قضايا جوهرية للمواطن، إلى أن الكثيرين يشعرون بقلق عميق إزاء عدم المساواة في السلطة والثروة في بلدنا، بالإضافة إلى تخوفهم من الأزمات البيئية والتغيرات المناخية على مستقبل الأحفاد"، كما أكد لوسباكن. وقبل ساعات من الانتخابات البرلمانية، تبرز الفروق بين طروحات معسكري اليسار واليمين في مجال الضرائب، كأحد اهتمامات النرويجيين المطالبين بحصة أكبر في ثروات بلادهم الطائلة.
ويستخدم اليمين فكرة تخفيض الضرائب لجذب أصوات الناخبين، والطبقة المتوسطة تحديداً، وشعارات "مزيد من الكفاءة والفعالية في الرعاية الاجتماعية"، ومزيد من الخصخصة في قطاعات الدولة، ما يثير غضب النقابات ويسار الوسط. ويركز المحافظون، وحزب "التقدم"، على قضايا الهجرة واللجوء لجذب أصوات ناخبي الأرياف. وعلى الرغم من أن رئيسة الوزراء الحالية، إيرنا سولبيرغ، حاولت أن تُظهر خلال المناظرة المتلفزة مساء الخميس، بأنه لا فرق بينها وبين حزب "العمل" في مسألة الرفاهية، إلا أن "قلقاً واضحاً بات يعتري معسكر اليمين من إمكانية خسارة الأغلبية"، بحسب ما يقول الخبير في شؤون الانتخابات، يوناس دال. ويشير إلى أن "سلوبيرغ تعاني منذ عام من رفض داخل حزبها، ومطالب برحيلها، وهو أمر ليس في مصلحتها اليوم".
وعلى الرغم من كل ذلك، لا تزال شعبية رئيس الوزراء في وضعية متقدمة على منافسها اليساري، يوناس غار ستور. ويفيد استطلاع رأي نشر على قناة التلفزة الرسمية النرويجية، "أن آر كي"، في 20 أغسطس/آب الماضي، إلى تقدم سولبيرغ بنسبة 43.4 في المائة مقابل 40.7 في المائة لستور، مما يعطيها أفضلية في تأليف الحكومة. وكررت سولبيرغ يوم الجمعة مناشدة الناخب النرويجي بأنه "لا يمكن تحقيق برامج الرفاهية من دون أحزاب اليمين ويمين الوسط المحافظة، ولا يمكن تحقيق ذلك عن طريق الاشتراكيين"، وفق تعبيرها. ويعتبر هذا النداء غمزاً من قناة الحزب "الديمقراطي المسيحي" وحزب "التقدم"، لدفعهما إلى دعمها في ائتلاف حكومي مقبل، إذا ما حصلت على الأغلبية البرلمانية، إذ لا يمكنها تشكيل أية حكومة من دونهما.
الاقتراع عبر البريد
ويشار إلى أن الاقتراع بدأ من خلال الاستعانة بخدمة البريد. ولم يحصل في تاريخ النرويج أن صوّت عبر البريد أعداد كالتي صوتت حتى يوم الجمعة. فقد بلغ عدد من أدلوا بأصواتهم، قبل اليوم الرسمي للانتخابات، حوالي 900 ألف ناخب. وشهد يوم الخميس تصويت أكثر من 116 ألف ناخب، بحسب "لجنة الانتخابات الوطنية".
وتعتبر الانتخابات محطة مهمة لمستقبل البلاد الاقتصادي. وتشكل الصناعة النفطية العمود الفقري للدخل القومي وللاقتصاد النرويجي. ويشغل هذا القطاع 185 ألف موظفاً. وتبلغ نسبة البطالة في البلاد 4 في المائة. وتمثل النرويج واحدة من أكثر الدول ازدهاراً في العالم، ولديها مستوى تعليمي مرتفع، مع الكثير من الحريات الشخصية. واستطاعت أوسلو أن تنأى بنفسها عن تأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية والأوروبية، مثل الأزمة المالية التي ضربت العالم اعتباراً من سنة 2008. وهذا البلد ليس عضواً في الاتحاد الأوروبي، لكن أوسلو تعدل قوانينها الداخلية لتتكيف مع القوانين الأوروبية. ولدى النرويج صندوق سيادي من الأضخم في العالم، وهو يصل لما يقارب 7600 مليار كرون (ما يقرب من ألف مليار يورو) ويعتبر صندوق الاستثمار التقاعدي النرويجي من الأكبر حول العالم.
ويتفق معسكرا اليمين واليسار على الحفاظ على دولة الرفاهية والرعاية والحفاظ على الثروة الوطنية وإيرادات الاستثمار في الصناديق للمستقبل، مع إشارة لتوافق على البحث الدائم عن بدائل اقتصادية تخفف من الاعتماد على النفط.
الشخصيات البارزة في الانتخابات
تميزت المعركة الانتخابية بأداء 6 شخصيات بارزة في الحياة السياسية النرويجية. وفي ما يلي نبذة عن هؤلاء القادة:
- رئيسة الوزراء الحالية، إيرنا سولبيرغ (56 عاماً)، هي محافظة تقليدية من حزب "هويرا" اليميني. تنتهج سياسة اقتصادية ليبرالية محافظة، وتميل أكثر نحو الخصخصة، وتتحالف مع كبرى الشركات العابرة للحدود.
- زعيم حزب العمل (آربايدابارتي) ومنافس سولبيرغ في منصب رئاسة الحكومة، يوناس غار ستورا (55 عاماً)، وهو اجتماعي ديمقراطي بنموذجه الاسكندنافي، يركز على دولة الرعاية والرفاهية والبيئة وضرائب أكبر على أصحاب المداخيل المرتفعة. لديه تحالفات نقابية، ويطالب بالحفاظ على القطاع العام ومسؤولية الدولة على ثرواتها الوطنية.
- زعيمة حزب "التقدم"، سيف ينسن (48 عاماً)، ذات توجه يميني قومي، معادية لوجود مهاجرين في بلدها وتركز على هذه المسألة في مجمل خطاباتها وأدبياتها السياسية، وهي ذات علاقة وثيقة بأحزاب متشددة في اسكندنافيا وغيرها، وقريبة من حزب "الشعب" الدنماركي، المعروف بتبنيه لسياسة العداء للمهاجرين.
- زعيم الحزب "الديمقراطي الشعبي المسيحي"، كنوت أريل هاريدا (44 عاماً)، ويركز على القيم المسيحية ويعارض الإجهاض. ويشدد في أدبياته وخطاباته على ضرورة دعم الدول النامية بشكل أكبر مما عليه اليوم، ويوافق على أن تتشكل حكومة ائتلاف يمين وسط بزعامة حزب "هويرا".
- ممثل حزب "الوسط"، ليبرالي، تروغفا سلاسفولد فادوم (38 عاماً)، وكان يشكل سابقاً حزب "الفلاحين". يؤيد الخصخصة والاقتصاد الليبرالي والملكية الخاصة. يرفض رفضاً قاطعاً الاقتراب من الاتحاد الأوروبي، ولا يعارض هذا السياسي أن يدخل في تحالف مع حزب "العمل" ودعمه في تشكيل الحكومة بتلبية بعض الشروط الخاصة بتوجهات حزبه، وتمنحه الاستطلاعات ما يقرب من 10 في المائة.
- زعيم الحزب "الاشتراكي اليساري" (فينسترا سوشياليستيك بارتي)، أودوم بيورلو لوسباكن (39 عاماً)، خرّيج كلية العلوم السياسية في جامعة "بيرغين". عمل صحافياً في جريدة "الصراع الطبقي". لوسباكن يرى أنه يجب تعزيز دور القطاع العام في دولة الرفاهية، ويطرح حزبه مجانية الخدمات ورفع نسبة الضريبة على الأغنياء لتمويل مشاريع العدالة الاجتماعية.