يمثل شارع النبي دانيال مكاناً ومقصداً دائماً لمثقفي الإسكندرية وعشاق اقتناء الكتب النادرة والتراثية، ويعتبره الكثير منهم محراباً وقبلة للباحثين من المبدعين والعلماء عن أمهات الكتب الحديثة والقديمة بمختلف اللغات العربية والأجنبية، والتعرف من كثب إلى الجديد والمتميز في عالم المعرفة والثقافة.
ويتحلى الشارع بمذاق خاص واهتمام كثير من السائحين من عشاق الإسكندرية، وأطلق عليه اسم مجمع الأديان، ففي بدايته يوجد مسجد النبي دانيال، وبعده الكنيسة المرقسية أقدم كنيسة في مصر وأفريقيا، والتي بناها القديس مرقس في القرن الأول الميلادي، وقبل نهايته معبد الجالية اليهودية.
يقول علي بركة، أحد مرتادي سوق كتب النبي دانيال، "إن الشارع شهد أفضل ذكريات حياته، منذ أن كان طفلًا لا يتعدى عمره تسع سنوات"، مشيرًا إلى أنه على مدار 40 سنة من عمره لم يفوّت فرصة أو فترة إلا ويزوره للتعرف إلى كل جديد تحتويه الأكشاك الخشبية القديمة من "كنوز الكتب والمجلدات رخيصة الثمن عالية القيمة".
وأضاف، وهو يقلب أحد الكتب القديمة بين يديه، "أتعس لحظات حياتي كانت تلك التي قامت فيها الشرطة بمحاولة إزالة عدد من الأكشاك المتراصة بالشارع بدعوى مخالفتها للاشتراطات، وعدم امتلاكهم تراخيص من الأجهزة المحلية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة شباب الثورة والمثقفين، وأجبر الشرطة على التراجع عن هذا القرار الذي أساء إلى الجميع".
ويرى طارق إسماعيل (محامٍ) أن شارع النبي دانيال أفضل مكان يشتري منه كتبا على مدار العام، خاصة المستعملة أو النادرة منها التي من الصعب أن تجد لها طبعات حالية، لذلك فهو دائم التردد عليه للتعرف إلى مختلف ثقافات العالم وحضارات وتاريخ وأديان البشرية، على مر عصورها. وأضاف: "غالباً ما أشعر بالحنين الشديد تجاه هذا الشارع الذي يعبر عن حالة التسامح الذي تتميز بها المدينة منذ نشأتها".
أما عم محمد رجب، الذي يعتبر من أقدم بائعي الكتب في الشارع، فيرى أن شارع النبي دانيال لا يمثل له مصدراً للرزق فقط؛ وإنما عمره الذي قضى أغلبه في بيع الكتب في هذا المكان مع الكثير من زملائه، قبل أن يتم تخصيص عدد من الأكشاك لهم بدلاً من عرضها على الأرصفة.
وأضاف: "ما من أحد يزور الإسكندرية، خاصة من المشاهير أو عشاق الأدب والفكر إلا ويخص شارع النبي دانيال برحلة قصيرة، يطّلع خلالها على آخر مستجدات الشارع من كتب وكنوز فكرية وثقافية". وأكد أن حالة الركود التي تعيشها مهنة بيع الكتب لا تختلف كثيراً عما تعانيه كافة المهن في الفترة الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية، والتي ضاعفت من مشاكلهم نتيجة لجوء الكثير من القراء إلى الوسائل الرقمية أو الإلكترونية والإنترنت، وأسهمت في قلة إقبال الزبائن أو المهتمين بالنوادر التراثية التي كان يتميز بها الشارع، وهو ما دفع الكثير إما إلى تغيير أنشطتهم أو الاكتفاء ببيع الكتب العادية أو المدرسية أو الروايات الأقل قيمة، بحسب تعبيره.
ويتفق معه إبراهيم حمدي، قائلاً "على الرغم من أنّه ليس لدي كشك أو مكان ثابت لبيع الكتب إلا أنني منذ سنوات أقوم بطرحها في شارع النبي دانيال ولديّ زبائن من جميع شرائح وأعمار المجتمع، وأغلبهم من المثقفين والطلاب".