تدخين النارجيلة (الأركيلة) في العراق لم يعد يقتصر على فئة عمرية بل امتد ليطاول أطفالاً بأعمار تتراوح بين عشرة أعوام وخمسة عشر عاماً. بات ذلك صورة مألوفة إذ يوفر بعض المقاهي النراجيل لمن هم في مثل هذا السن، فيما أغلب المقاهي يرفض ذلك.
البحث عن المكسب المادي لبعض المقاهي هو ما يدفعها إلى استقبال الصغار، مما يتيح المجال لمزيد من الأطفال لارتيادها، ويبرر أصحاب هذه المقاهي ذلك بأنّه "أمر عادي".
مثل هذه الصورة لم تكن معروفة في الشارع العراقي قبل سنين قريبة، لكنّ عادل السامرائي، وهو مالك مقهى في بغداد، يعتبرها من بين المشاهد "السلبية" التي شهدها العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003. السامرائي الذي افتتح مقهاه قبل سبعة أعوام، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه قائم بشكل أساسي على تقديم النراجيل، ويزدهر عمله مساءً، لكنّه يمتنع عن تقديمها للصغار. يضيف: "أحياناً أطلب من الشخص أن يبرز وثيقة شخصية تثبت أنّه يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً. ذلك يحدث حين لا أستطيع الحكم على عمره من خلال هيئته". يؤكد السامرائي أنّ "عدداً كبيراً من الأطفال سنشاهدهم يدخنون النراجيل أينما كان لو سمحت جميع المقاهي بذلك". يتابع: "من خلال عملي في هذه المهنة فأنا متأكد من أنّ نسبة الصغار الذين يدخنون النارجيلة في ارتفاع. هم يدخنون في البيوت وفي أماكن معزولة فضلاً عن المقاهي التي تسمح لهم بذلك".
السامرائي يرفض الاتهامات التي تطاول المقاهي التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة أنّها وراء ارتفاع نسبة مدخني النارجيلة، وهو ما أدى إلى إقبال أشخاص بأعمار صغيرة عليها: "المحال المتخصصة بتقديم الخمور موجودة منذ سنين طويلة في البلاد، وأيضاً السجائر، لكنّ هذا لا يعني أنّها مسؤولة عن وجود أطفال يشربون الخمر أو يدخنون السجائر".
في ما يخص خدمة إيصال النراجيل إلى المنازل (ديليفري) التي بدأت تنتشر مؤخراً، وتقدمها بعض المقاهي، يشير السامرائي إلى أنّ مقهاه يقدمها لرواد المقهى المعروفين، لكن بالرغم من ذلك يقول: "نحن نحرص على أن نقدم هذه الخدمة لمن هم أكبر من ثمانية عشر عاماً. لكن ربما يكون هناك من هم دون هذا السن سيشاركون في التدخين في المنزل، وهنا لن نكون مسؤولين عن ذلك".
مقاهٍ أخرى في أحياء شعبية لا تخفي تقديم النراجيل. يدير هذه المقاهي شبان لا يولون كثير اهتمام للآداب العامة، وغالباً هم من المتسربين مدرسياً. أحمد حسين (22 عاماً) يدير مقهى صغيراً في حي شعبي ببغداد، ويعتمد بشكل أساسي في عمله على النراجيل. لا يبدو في حديثه إلى "العربي الجديد" آبهاً بصغار يدخنون النراجيل في مقهاه، وحجته التي يرددها أكثر من مرة: "أنا لا أجبر أحداً على المجيء". يتابع: "لا أقدم النراجيل في مخبأ سري، فمقهاي صغير وسط سوق في حي سكني مكتظ بالناس واجهته من الزجاج الشفاف، ومن تطلقون عليهم أطفالاً يعملون في الأسواق وينفقون على أسرهم الفقيرة. إنّهم يقضون وقتاً مسلياً داخل المقهى بعد يوم عمل شاق لا أكثر". حسين يشير إلى أنّ جميع من يدخنون النراجيل مِن الصغار هم من سكان الحي نفسه، وأنّه يعرفهم ويعرف عائلاتهم: "أحياناً يطلبون النراجيل ديليفري ويدخنونها في بيوتهم بعلم ذويهم".
بدوره، يقول حامد عويد (49 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّه يعطي الصغار الحق في تدخين النراجيل في مقهاه، وحجته الغريبة أنّها "لا تقاوَم". بذلك، لا ينفع حرصه على أولاده الثلاثة من فقدانه السيطرة: "هم بين ثلاثة عشر عاماً وستة عشر، وقد اكتشفت أنّهم يدخنون النارجيلة خلسة. أحاول جاهداً منعهم لكن لا يمكنني أن أضمن هذا". يخلص للقول باستهتار واضح حتى بأطفاله: "النارجيلة مغرية ومن الصعب تركها".