الموصل: القوات العراقية تتأهب لمهاجمة مركز المدينة القديمة لإنهاء تواجد "داعش"

27 مايو 2017
تفاقمت الأوضاع الإنسانية للنازحين من الموصل (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لم تسعف التوقيتات الزمنية القوات الأمنية العراقية لإكمال السيطرة على الجزء الغربي من مدينة الموصل قبل حلول شهر رمضان، كما أعلنت وزارة الدفاع العراقية، إذ ما زالت القوات العراقية المشتركة تراوح مكانها في مناطق وسط الساحل الأيمن المحيطة بالمدينة القديمة، التي تضم منارة الحدباء التاريخية وجامع النوري الكبير. وباتت هذه المنطقة تمثل العقدة الأصعب في تحرك القوات العراقية، وهي نفسها التي شهدت الظهور الأول لزعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أبو بكر البغدادي. في هذا الوقت، أكدت مصادر محلية وجود آلاف المدنيين الذين ما زالوا محاصرين في المناطق التي يسيطر عليها "داعش"، وهم يعانون من أوضاع إنسانية مأساوية.

وكانت القوات العراقية المشاركة في معركة استعادة السيطرة على الموصل قد نجحت في انتزاع أكثر من 90 في المائة من مساحة الجزء الغربي (الساحل الأيمن) من المدينة من قبضة "داعش"، منذ بداية الهجوم على مناطق غرب الموصل أواخر فبراير/شباط الماضي، إذ انطلقت العملية العسكرية من عدة محاور، بمشاركة قوات الشرطة الاتحادية والتدخل السريع وجهاز مكافحة الإرهاب وأربع فرق من قوات الجيش العراقي. وقد سيطرت القوات المشتركة على 68 منطقة وحياً سكنياً في الجزء الغربي من الموصل منذ بداية المعارك حتى الآن من أصل 72 حياً، بينما ما يزال "داعش" يسيطر على أربعة أحياء كبيرة، وهي منطقة المدينة القديمة، التي تضم أحياء وأزقة ضيقة، بالإضافة إلى أحياء الزنجيلي والشفاء وباب سنجار المجاورين للضفة الغربية لنهر دجلة الذي يقسم الموصل إلى قسمين، شرقي وغربي.

واعترفت قيادات عسكرية عراقية بصعوبة المعارك التي تخوضها قوات الشرطة الاتحادية وقوات التدخل السريع في المدينة القديمة، نتيجة لإصرار عناصر "داعش" على الاحتفاظ بهذه المنطقة، في محاولة لاستنزاف القوات العراقية التي تحاول السيطرة عليها منذ أشهر، بالإضافة إلى استمرار تواجد آلاف المدنيين المحاصرين من قبل عناصر التنظيم، ما شكل عقبة كبيرة أمام استمرار المعارك وتحقيق أهدافها ضمن الإطار الزمني المحدد لها. وقال مصدر عسكري عراقي، فضل عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "الهجوم على مركز المدينة القديمة توقف منذ يومين، من دون أن تفصح القيادات العسكرية في قيادة العمليات المشتركة عن أسباب التوقف، الذي أنهك عناصر قوات الشرطة الاتحادية وجعلهم عرضة لهجمات مضادة متواصلة يشنها عناصر تنظيم داعش في الأطراف الجنوبية من المدينة القديمة".

وتتمثل خريطة تواجد قوات الشرطة الاتحادية على أطراف المدينة القديمة بسيطرتها على باب جديد وباب لكش ونصف مساحة منطقة الدواسة، التي تضم مباني المجمع الحكومي، بالإضافة إلى البدن، التي تقع على الطرف الجنوبي لمركز المدينة القديمة. وتشكل هذه المناطق ما نسبته 10 في المائة فقط من مساحة منطقة الموصل القديمة. وتقيم قوات الشرطة الاتحادية خطوط صد عديدة على أطراف الشوارع المؤدية إلى تقاطع حي الدواسة، بالإضافة إلى إقامة خطوط صد وسواتر ترابية على أطراف باب جديد وباب لكش، بينما يفرض تنظيم "داعش" سيطرته على الجزء الواسع المتبقي من المنطقة. كما تتخذ قوات التدخل السريع، وهي قوات خاصة تابعة إلى وزارة الداخلية العراقية، مواضع لها حول مركز المدينة القديمة في منطقة البدن وأطراف حي المشاهدة. وبحسب عناصر في الشرطة الاتحادية فإن هذه القوات تخوض اشتباكات متقطعة منذ أسبوعين مع مجاميع صغيرة من "داعش" كانت تحاول اختراق الطوق العسكري المفروض على منطقة المدينة القديمة. وفي الجزء الشمالي من المدينة القديمة، سيطرت قوات جهاز مكافحة الإرهاب بشكل تام على أحياء النجار والورشان والرفاعي، إذ أعلن الفريق عبد الوهاب الساعدي أن "قوات جهاز مكافحة الإرهاب أحكمت الطوق العسكري على منطقة المدينة القديمة بسيطرتها على أحياء الرفاعي والورشان والنجار".



وحول تأخر حسم معركة المدينة القديمة، قال العقيد في قوات الشرطة الاتحادية، محمد عبود، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك عدة أسباب لتوقف تقدم القوات في مركز المدينة القديمة، من أهمها إجراء تغييرات في الخطط العسكرية بما يتلاءم وطبيعة المنطقة والأساليب التي يتبعها تنظيم داعش لصد تقدم القوات الأمنية، بالإضافة إلى تواجد آلاف المدنيين المحاصرين، والذين نأمل أن يتمكنوا من الخروج عبر الممرات الآمنة التي فتحتها الشرطة الاتحادية في المدينة القديمة". وأكدت مصادر عسكرية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة الحاسمة للسيطرة على قلب المدينة القديمة على وشك الانطلاق، بمشاركة جميع صنوف القوات العراقية، ضمنها قوات جهاز مكافحة الإرهاب، الذي ترى فيه قيادات عسكرية من قوات التحالف الدولي القوة المناسبة لانتزاع السيطرة على المدينة القديمة، وهو ما سيضع نهاية سريعة لوجود تنظيم داعش في الموصل".

وكانت خلية الإعلام الحربي، الناطقة باسم قيادة العمليات المشتركة، أعلنت، أمس الجمعة، عن إلقاء طائرات القوة الجوية العراقية آلاف المنشورات فوق المناطق الأربع التي يسيطر عليها "داعش" في غرب الموصل تحث فيها المدنيين المحاصرين على مغادرة منازلهم قبل انطلاق الهجوم الأخير للسيطرة على المنطقة. وذكرت الخلية، مخاطبة المدنيين المحاصرين، "نطلب منكم جميعاً الخروج والتوجه على الفور إلى الممرات الآمنة التي سنحددها لكم ميدانياً، وستجدون بانتظاركم أدلاء وحمايات وعجلات (آليات) توصلكم إلى الأماكن الآمنة". وقال قائد الشرطة الاتحادية، الفريق رائد شاكر جودت، في تصريح صحافي، إن "كوادرنا الهندسية قامت بفتح ممرات ومسالك آمنة لإجلاء المدنيين المحاصرين، وطرق خاصة للإمداد اللوجستي تربط مناطق الاشتباك في المدينة القديمة بمراكز القيادة والعمليات في بادوش، تمهيداً لانطلاق عمليات تحرير ما تبقى من مدينة الموصل". وأضاف أن "قوات من الشرطة الاتحادية نفذت واجبات قتالية محددة على أهداف للدواعش في باب الطوب داخل المدينة القديمة، وسيطرت على مباني حيوية، مكنت قواتنا من فرض سيطرتها النارية على المنطقة المحيطة بمنارة الحدباء وجامع النوري".

ومع استمرار الطوق العسكري المفروض على المناطق المتبقية تحت سيطرة "داعش"، تتزايد بشكل كبير مأساة آلاف العوائل المحاصرة في مناطق المدينة القديمة والزنجيلي وباب سنجار والشفاء، إذ يفتك بهم القصف العشوائي المتواصل الذي تشنه مدفعية الشرطة الاتحادية وطائرات القوة الجوية العراقية، بالإضافة إلى الجوع الذي أودى بحياة عشرات الأطفال وكبار السن. وقال طبيب، يعمل في مركز طبي ميداني على أطراف الموصل الجنوبية، إن "ما لا يقل عن 10 مدنيين، بينهم افراد عائلة كاملة، قتلوا بقصف نفذته طائرة يعتقد أنها تابعة إلى القوات الجوية العراقية في حي الزنجيلي، بالإضافة إلى قيام عناصر تنظيم داعش بإعدام 13 مدنياً في يوم واحد في منطقة السرجخانة بسبب محاولتهم الفرار من مناطق سيطرتهم باتجاه مناطق سيطرة القوات الأمنية".

كما يعاني المدنيون من سكان غرب الموصل، في المناطق التي سيطرت عليها القوات الأمنية العراقية، من انعدام المواد الغذائية وماء الشرب، إذ تضطر هذه العوائل للسير مسافات طويلة بحثاً عن مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، لعلها تحصل على الغذاء والماء. وكانت "العربي الجديد" التقت عشرات المدنيين عند نقطة المدخل الجنوبي لمدينة الموصل، والتي تسمى "سيطرة العقرب"، والتي تتجمع فيها بشكل يومي آلاف العوائل النازحة، بالإضافة إلى سكان آخرين يبحثون عن السلال الغذائية التي توزعها منظمات الإغاثة. وقالت أم أمجد، وهي من سكان منطقة رجم حديد في أقصى غرب الموصل لـ"العربي الجديد"، إنها "تضطر للسير مسافة سبعة كيلومترات يومياً من أجل الوصول إلى نقطة تفتيش العقرب للحصول على صندوق صغير من المساعدات لإطعام أطفالها"، موضحة "أنها تقف في طابور لساعات طويلة تحت أشعة شمس لاهبة ودرجات حرارة مرتفعة من أجل الحصول على الغذاء والماء". وأشارت إلى أنها "تأتي لوحدها للحصول على الغذاء، مفضلة بقاء زوجها وابنها الشاب في المنزل خوفاً من تعرضهما للاعتقال والمضايقات في نقاط التفتيش التابعة للقوات الأمنية ولمليشيات الحشد الشعبي والعشائري المنتشرة في شوارع المدينة".

كما تتفاقم الأوضاع الإنسانية لمئات آلاف العوائل التي أجبرها القتال والقصف العشوائي على مغادرة منازلها في المناطق التي سيطرت عليها القوات الأمنية أخيراً نحو معسكرات النازحين، التي أقيمت في مناطق حمام العليل والقيارة وحسن شام. وعند نقطة تفتيش "العقرب" لا تكاد المركبات العسكرية العراقية وسيارات نقل أخرى تتوقف عن نقل مئات الأسر بشكل يومي من المناطق الغربية لمدينة الموصل نحو مخيمات النازحين، حيث تتكدس مئات العوائل في المركز الأمني والإغاثي المجاور للمدخل الجنوبي لمدينة الموصل، بينما تباشر القوات الأمنية عملية التدقيق الأمني للتأكد من هويات النازحين بحثاً عن المنتمين والمتعاونين مع تنظيم "داعش" في الموصل. وكانت تقارير لمنظمات إغاثية دولية ومحلية أكدت نزوح أكثر من 600 ألف مدني من مناطق غرب الموصل منذ انطلاق العمليات العسكرية في المدينة، بينما أشارت وزارة الهجرة العراقية إلى عودة 5 آلاف عائلة إلى مناطقها في غرب وجنوب الموصل. وكانت الحكومة العراقية أعلنت عن انطلاق معركة السيطرة على مدينة الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بمشاركة نحو 100 ألف عنصر من القوات العراقية الحكومية، ومليشيات "الحشد الشعبي"، وبدعم جوي من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.