الموسيقى الإلكترونية: أن ترقص كلّ الليل في بيروت

24 سبتمبر 2019
يرتبط توجّه اللبنانيين إلى هذه الموسيقى بالموت والحرب (Getty)
+ الخط -
في السنوات الماضية، ازداد حضور الموسيقى الإلكترونية الراقصة في بيروت، كالـ "هاوس" والـ"تكنو"، وغيرها من الأنماط، وأصبح لها أندية كبيرة ومعروفة بعد أن كانت محصورة سابقاً في الأقبية الليلية المعزولة، أو حفلات الرايف Rave التي تنظم في مخيمات جبلية، أو على الشاطئ.
خرجت هذه الموسيقى اليوم إلى الهواء الطلق، فتحول نادي الـ "بايسمنت" الذي أطلق مرة شعار "تحت الأرض أكثر أماناً" (خلال فترة الاغتيالات بعد العام 2005 ) إلى أحد سطوح منطقة "الكرنتينا" ("غراند فاكتوري" اليوم) بينما ازدهر نادي "غارتن" ذو التصميم الضخم (على شكل نصف كرة زجاجية) على أحد سطوح وسط بيروت المجاورة للبحر، أما "بولروم بليتز" القادم الأحدث إلى بيروت، فقد استطاع الدفع بالمشهد إلى "المرئية" عالمياً، بعد استقباله Boiler Roomأشهر منصات الموسيقى الإلكترونية في العالم (يشتهر النادي بصالاته ذات المستوى الصوتي غير المسبوق في بيروت، وإنتاجه مجلة فصلية مخصصة لشؤون الموسيقى الإلكترونية).
ترافق هذا التقدم مع تحول هذه الأنماط عالمياً من الـ"أندرغراوند" المحصور في فئات معينة، إلى موسيقى سائدة Main stream، وهو السبب الرئيسي الذي ساهم على كل حال في ازدهار أنديتها في بيروت (من الأندية الأخرى الناشطة في المدينة AHM، Projekt، وUberhaus). غيرت هذه الأمكنة النمط السابق من الـNight Clubs البيروتية، فهي تتألف بشكل عام من مساحة كبيرة مخصصة للرقص (Dance Floor) وجزء ضئيل للطاولات، بعكس الكلوب التقليدي الذي يعتمد على نظام الطاولات و"القناني" مع مساحة محدودة للرقص.
في المشهد القديم، نظمت حفلات التكنو الصاخبة في مبانٍ مهجورة منذ الحرب، مثل سينما "البيضة" في وسط بيروت، ونادي BO18، الذي كان أول مكان لهذا النوع من الموسيقى في لبنان. افتتح النادي عام 1998 في مساحة من حي الكرنتينا الرديء والملوث بشكل كبير اليوم، يقال إنها كانت مقابر جماعية، ولذلك صممه المهندس برنارد خوري على شكل تابوت كبير تحت الأرض. لكن لسبب أو آخر افتتحت لاحقاً أندية أخرى لهذه الموسيقى، في المنطقة نفسها من بيروت (مثل "غراند فاكتوري"، "بولروم بليتز" و"ديسكوتيك")، لتبدو كجزر من الفرح والرقص وسط منطقة محتضرة ومرتبطة بالحرب، مكرسة بشكل واعٍ، أو لا واع ربما، الصورة النمطية التي يقدمها الإعلام الغربي عن مشهد السهر في بيروت، كمكان يلجأ إليه اللبنانيون هرباً من الحروب والأزمات الموجودة في المدينة.

أيضاً، هذا الارتباط بالموت والحرب لم يكن بعيداً عن أجواء ظهور موسيقى الـ"تكنو" في الولايات المتحدة بداية الثمانينيات، كرد فعل على ما كان يوصف يومها بأنه موت تعيشه مدينة ديترويت بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة عليها التي سببت تفريغ المدينة من سكانها وظهور عدد كبير من المباني المهجورة.
يعتبر "غارتن" اليوم الأشهر بين هذه الأندية، وذلك بشكل أساسي بسبب الأسماء المهمة التي تأتي أسبوعياً من أوروبا والولايات المتحدة ومجموعة الموسيقيين اللبنانيين المتعاقدين معه الذين يلعبون بشكل دوري فيه، بالإضافة طبعاً لتصميم الـ"دانس فلور" (قاعة الرقص) على شكل نصف كوكب زجاجي ضخم، ما يعطي النادي طابعه المعزول والمفتوح على الخارج في آن، والذي يبدو كأنه سيأخذ مرتاديه إلى الفضاء، بعيداً عن المدينة والحضارة. يعزز هذا الشعور الهلوسي، النظام الضوئي الملتصق بالسقف، الذي يتفاعل بشكل مدروس مع الموسيقى والإيقاع، بالإضافة لما يمتاز به النادي من قدرات صوتية ممتازة تجعل من كل زاوية منه ذات تجربة صوتية خاصة.
يقول علي صالح مؤسس "غارتن" في حديث لـ"العربي الجديد" إن مساحة الرقص هي العنصر الأساسي الذي صنع هوية "غارتن"، فالناس تأتي إلى هنا من أجل أن ترقص كل الليل. تدخل عبر بطاقة سعرها 15 دولاراً فقط، كما هو الحال في حفلات الـ"فورم دي بيروت" الضخمة، وليس بمبالغ الطاولات الكبيرة في الأندية الليلية الأخرى التي تجبر الزبون إن كان ذكراً على الدخول مع فتاة وتشهد استعراضات في شراء قناني الشامبانيا والتفشيخ الذي يحبه اللبنانيون كثيراً" .
المساهمون