لم تتحسن أحوال الطرقات في لبنان في العامين الأخيرين. بقيت الحفر المزمنة على حالها واستمر غرق الطرقات الرئيسية في الظلام نتيجة التقنين الكهربائي. كذلك استمر مسلسل أزمة السير من دون تبديل في مواعيد الازدحام اليومي. مع ذلك، حملت إحصاءات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بشرى سارةً، مع تسجيل انخفاض ملحوظ في عدد حوادث السير وضحاياها، خلال الأشهر الثمانية الأولى، من بدء تطبيق قانون السير الجديد في لبنان، الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل/ نيسان من العام الماضي.
تظهر مقارنة إحصاءات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بين شهرَي أبريل/ نيسان 2014 وديسمبر/ كانون الأول 2015، تراجع نسبة حوادث الصدم بمعدل 41.77 في المائة، من 4907 حوادث عام 2014 إلى 2857 حادثاً عام 2015، مع تراجع عدد القتلى من 657 إلى 498 قتيلاً.
هي أرقام مبشّرة بحسب أمين سر جمعية "يازا" المهتمة بالسلامة المرورية، كامل إبراهيم. لكنّه يقول إنّ "الحفاظ عليها سيكون صعباً جداً في ظل غياب استراتيجية عمل لتحسين السلامة المرورية في لبنان". يؤكد إبراهيم لـ"العربي الجديد" توفّر الإرادة السياسية اللازمة لمتابعة عمل "المجلس الوطني للسلامة المرورية" و"اللجنة الوطنية للسلامة المرورية"، اللذَين نصّ القانون الجديد على استحداثهما. لكنّ الإرادة السياسية وحدها غير كافية في ظلّ "الحاجة إلى تعيين أعضاء أمانة السرّ المكلفين متابعة إصدار القرارات والمراسيم اللازمة لتطبيق كامل بنود القانون. وتقدّر حالياً بأكثر من 120 قراراً ومرسوماً، إلى جانب وضع الخطط المستقبلية للسلامة المرورية في لبنان ومتابعتها مع الجهات المعنية، وتأمين الميزانية".
تجدر الإشارة هنا، إلى أنّ رئيس مجلس الوزراء تمام سلام عيّن أمين سر للجنة الوطنية للسلامة المرورية، وهو الأكاديمي والأستاذ الجامعي المختص بالسلامة المرورية، رمزي سلامة.
في هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" أنّ سلامة وضع خطة عمل في انتظار استكمال تعيين أعضاء فريقه للمباشرة بالتنفيذ، تنصّ على إنشاء مرصد وطني لتكوين قاعدة معلومات مفصلة تمكّن الباحثين من تحديد أسباب حوادث السير في مختلف المحافظات وسبل تخفيض أعدادها، وإعداد مشروع "عاصمة نموذجية على صعيد السلامة المرورية"، إلى جانب "تحديد آلية متابعة إقرار البنود والمراسيم اللازمة لتنفيذ كل بنود قانون السير الجديد". وعلى المدى البعيد، سوف تتابع اللجنة تأهيل مدربي القيادة وخبراء السير، إلى جانب تضمين المناهج التعليمية فصولاً عن السلامة المرورية. وقد بدأت معاهد ومهنيات لبنانية عدّة تقديم اختصاص "الامتياز الفني للمرور"، في خطوة متقدمة سوف تعزز مفهوم السلامة المرورية في البلاد.
يعيد إبراهيم انخفاض نسبة حوادث السير ما بين 2014 و2015 إلى "التزام المواطنين ببعض بنود القانون بسبب الضغط الذي شكله الرأي العام مع البدء بتطبيقه، لكنّ الأحداث الأمنية والسياسية والحراك الشعبي خطفت الأضواء بعيداً عن ملف السلامة المرورية فتبخّر الحديث عن تقسيم تطبيق القانون إلى ثلاث مراحل". وهو ما قد يعيد أرقام الحوادث إلى الارتفاع، كما يقول.
وبسبب غياب استراتيجية عمل متكاملة للسلامة المرورية في لبنان، فقد شهدت الأشهر الثمانية الأولى من عمر القانون تطبيقاً جزئياً لمواده، مع تسجيل المتابعين غياب كل البنود المتعلقة بسلامة الأطفال، ومن ذلك استخدام كرسي الأمان في المقعد الخلفي. كذلك تُذكر البنود المتعلقة بسير الشاحنات، فيما بقي المشاة الحلقة الأضعف في سلسلة السلامة المرورية، إذ لم تُنشأ جسور جديدة لهم فوق الطرقات السريعة.
وعلى الصعيد الإداري، لم يُفعَّل عمل كاميرات المراقبة التي نصبت على الإشارات الضوئية لتصوير المخالفين. كذلك لم تنفّذ مناقصات استبدال رخص القيادة القديمة بالجديدة التي تعتمد على نظام النقاط.
في مكتبه في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يتابع رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، العقيد جوزيف مسلّم، حركة الحواجز الظرفية التي تقيمها مفارز السير "للحرص على تطبيق القانون وتأمين السلامة المرورية من ضمن إمكانات القوى الأمنية". يستعرض مسلّم بالأرقام المخالفات المرورية التي سطرتها القوى الأمنية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عمر القانون، وهي "نحو 200 ألف مخالفة سرعة زائدة، و5500 قيادة من دون استخدام حزام الأمان، وحجز 10 آلاف دراجة نارية، وألف مخالفة للشاحنات"، وغيرها من الأرقام التي يعدّها "تغطي جزءاً من مسؤولية القوى الأمنية في الحفاظ على السلامة المرورية، إلى جانب العمل التوعوي من خلال الإرشادات التي يوجهها عناصر السير للمواطنين
والتواصل الإلكتروني مع المواطنين من خلال حسابات قوى الأمن على مواقع التواصل".
ويعيد مسلّم ضعف تطبيق القانون على صعيد القوى الأمنية، إلى "نقص العتاد والعديد في مفارز السير وتحويل عدد من العناصر إلى مهام حفظ الأمن، لا سيما خلال فترة الحراك الشعبي". وفي الوقت ذاته يشير إلى "تقصير إدارات عديدة معنيّة بتطبيق القانون، عن أداء حصتها من الجهد المطلوب لتطبيقه بشكل سليم، ومنها أعمال صيانة الطرقات، خصوصاً بعد تضرر الأملاك العامة نتيجة حوادث السير، ورفع الإشارات التوجيهية الجديدة التي تتلاءم وبنود القانون".
اقرأ أيضاً: قانون "عكس السير" في لبنان