الموال الشعبي... قصص ملحميّة ألهمت صناع الفنّ

24 اغسطس 2020
أدت سعاد حسني البطولة في فيلم "حسن ونعيمة" (فيسبوك)
+ الخط -

ظلّ الموال القصصي الذي يقدمه شاعر الربابة على المقاهي الشعبية والسهرات المختلفة في الصعيد والدلتا متربعاً على عرش اهتمامات الناس الفنية، وذلك قبل أن تنتشر السينما ويغزو التلفزيون القُرى المصرية ونجوعها. ونظراً لاهتمام الجماهير بهذه المواويل وعشقهم لأبطالها، وتغلغل تلك الملاحم في نفوسهم؛ فقد أقبلت عليها السينما لإعادة معالجتها مستثمرة شعبيتها المضمونة ونجاحها الحتمي، كذلك قدم التلفزيون والإذاعة أعمالاً درامية مأخوذة عن تلك المواويل. وفي ما يلي أشهر تلك المواويل الشعبية التي تلقفها صناع الدراما العربية في السينما والتلفزيون والإذاعة والمسرح.

شفيقة ومتولي
يدور الموال حول واحدة من القصص الذكورية المتأصلة في المجتمع الصعيدي المتعصب لفكرة الشرف والثأر، حيث يقتل المُجند متولي الجرجاوي شقيقته شفيقة ويقطعها إربا، بداعي التخلص من عارها، وهنا يتعاطف معه أهل بلده الذين يعتبرونه بطلاً أخلاقياً، كما يتعاطف معه القاضي الذي يخفف عنه الحكم لنبل مقصده، ويتحول متولي إلى مثال يحتذى!
غنى موال "شفيقة ومتولي" عشرات الفنانين، مثل الريس حفني أحمد حسن، وهو نفسه الذي غنى أغنية يدافع فيها عن الضحية نفسها بعنوان "ليه نظلم شفيقة" يدين فيها متولي ويعاتب الظروف التي أوقعت شفيقة بين مخالبه. 
أما الفيلم الذي استفاد من هذه الحدوتة الصعيدية التي انتشرت عبر موال المطربين الشعبيين، فقد أخرجه علي بدرخان سنة 1978، وقام ببطولته أحمد زكي وسعاد حسني وأحمد مظهر، وقام صلاح جاهين بكتابة السيناريو والحوار. ويدور الفيلم حول "شفيقة" التي تضطرها الظروف إلى الرحيل من جرجا لأسيوط والخضوع لإغراءات أحد الأثرياء، ويدعى الطرابيشي، الذي يقوم بتوريد عبيد إلى شركة قناة السويس، وتنتهي القصة بمقتل شفيقة في أحداث درامية مغايرة لأصل الموال.

ياسين وبهية
في سنة 1960 استلهم المخرج رمسيس نجيب من الموال الشعبي "ياسين وبهية" فيلمه "بهية" الذي كلف يوسف السباعي بكتابة السيناريو والحوار له، وأسندت بطولته للبنى عبد العزيز ورشدي أباظة. يروي الفيلم قصة الصراع بين أحد أقطاب الإقطاع وبطشه بصغار الفلاحين ليستأثر بكل شيء، وذلك عن طريق أعوانه من المجرمين، إذْ يحرق محاصيل الفلاحين حتى يعجزوا عن الوفاء بديونهم، وعندما يتصدى له والد بهية يقتله، ويحاول الإقطاعي اغتصاب بهية، إلا أن ياسين يتصدى له وينقذها. ومن أشهر الأعمال المقتبسة عن هذا الموال مسرحية شعرية لنجيب سرور بنفس الاسم، وقد أخرجها للمسرح كرم مطاوع سنة 1965، وتسببت معالجة سرور في أن يرمز لمصر باسم "بهية". وتذكر قوائم الأعمال المسرحية أن لعبد الرحمن الشرقاوي مسرحية بنفس الاسم، لكن لم نقف عليها ضمن أعماله المطبوعة، غير أن للشرقاوي علاقة وطيدة بقصة ياسين وبهية فعلاً عبر روايته الأرض، التي نشرها سنة 1954، وتمت مصادرتها بسبب أغنية "يا بهية وخبريني ع اللي قتل ياسين. قتلوه السودانية من فوق ظهر الهجين"، حيث أرسل السودانيون شكوى إلى الرئيس محمد نجيب، فأمر بالقبض عليه، واستمر في الحبس ثلاثة أيام ثم أفرج عنه، وعند طبع الرواية استبدل كلمة السودانية بـ "السود عنيه".
أعمال أخرى أخذت من الموال موضوعاً وعالجتها مثل مسلسل "ياسين وبهية" الذي أخرجه كمال الشامي سنة 1988. من المفارقات أن بعض المؤرخين، استنكر أن يكون ياسين بطلاً، ووصفوه بأنه كان شقياً مجرماً قاطع طريق، قتله اللواء محمد صالح حرب، شقيق الاقتصادي المصري طلعت حرب، الذي ذكر ذلك في مذكراته، وكيف أن هذا اللواء فوجئ بأنه لم يمر عام حتى سمع المصريين يتغنون بهذا الموال الذي صنعه الخيال الشعبي بعيداً عن الحقيقة.
 
عزيزة ويونس
تضمنت السيرة الهلالية قصة حب بين الأميرة عزيزة بنت السلطان معبد بن باديس حاكم تونس، ويونس ابن أخي أبي زيد الهلالي، ومن خلال الصراع بين أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة تدور الأحداث التي تجمع بين الحب والوطنية. القصة استلهمت من السيرة الشعبية الشهيرة الدكتور شوقي عبد الحكيم في كتابه "عزيزة ويونس"، وقدمها العديد من المطربين الشعبيين في موال قصصي، مثل سعد الشاعر، وفتحي سليمان، ومحمود الشرقاوي، وسيد حواس. في سنة 1959 قدمت الإذاعة المصرية مسلسل "عزيزة ويونس" من إخراج عثمان أباظة، وتأليف بيرم التونسي، وبطولة صباح وصلاح منصور. وفي الثمانينيات، قدم التلفزيون المصري مسلسل "عزيزة ويونس" من إخراج عبد الوهاب الهندي، وبطولة شيرين وعبد الله غيث وطارق الدسوقي. وقدمها التلفزيون التونسي من إخراج لطفي البحري سنة 2006. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

حسن ونعيمة
يحكي الموال قصة حب بين حسن المغنواتي ونعيمة التي تعيش في إحدى قرى الدلتا، تنتهي القصة نهاية مأساوية سنة 1938 بمقتل حسن لأن أهل نعيمة يرفضون ارتباطهما للفوارق الاجتماعية المانعة، حيث ألقيت جثته في الترعة لتطفو وتنكشف الجريمة التي هزت مصر، فيتغنى بها شعراء الربابة. في 1959 يقوم هنري بركات مخرجاً وعبد الرحمن الخميسي كاتباً بتجهيز فيلم غنائي مأخوذ عن الموال المأساوي. قام بركات باختيار الوجه الجديد محرم فؤاد والوجه الجديد سعاد حسني للقيام بدوري حسن ونعيمة. وقد أخذ من هذا العمل مسلسلاً إذاعياً من إخراج محمد توفيق وبطولة صلاح منصور وكريمة مختار. وفي سنة 1984 قدم المخرج فتحي عبد الستار مسلسلاً تلفزيونياً في 8 حلقات عن نفس القصة، قام ببطولته عمر فتحي وشريهان. 
كما قدم المخرج سيد عيسى سنة 1979 فيلم "المغنواتي" من تأليف يسري الجندي وأشعار فؤاد حداد، وبطولة صلاح منصور وعلي الحجار وسهير المرشدي.

أدهم الشرقاوي
استقر في الخيال الشعبي أن الشاب أدهم الشرقاوي (1898-1921) المولود في مدينة إيتاي البارود بالبحيرة كان بطلاً وطنياً، وأن محاولة تشويه تاريخه النضالي مخطط وضعه عملاء الإنكليز والإقطاعيون. انتهت حياة أدهم وعمره 23 سنة برصاص قوات الشرطة وألهمت قصة كفاحه العديد من مؤلفي الأعمال الفنية. في عام 1964، أخرج حسام الدين مصطفى فيلماً بعنوان "أدهم الشرقاوي" (الصورة)، قام ببطولته عبد الله غيث وتوفيق الدقن وشويكار.

المساهمون