المواطن اليمني بلا خدمات وموارد بلده تخدم جيوب الفاسدين

04 اغسطس 2016
يحاولون إيجاد بدائل عن تقصير الدولة(محمد حمود/ فرانس برس)
+ الخط -
يدفع المواطن اليمني كُلفة باهظة لقاء الحصول على خدمات من "الدولة الموازية"، على الرغم من أن الدولة اليمنية ترصد موازنات لهذه الخدمات وتستقطعها من أموال المواطنين، حيث ينفق المواطن الكثير من جيبه الخاص للحصول على المياه والصحة والتعليم والأمن والكهرباء والسكن والصرف الصحي.

فقد أصبحت الدولة اليمنية عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها طيلة العقود الماضية، على الرغم من توافر الموارد الاقتصادية، كالنفط الذي كان يُعول عليه أن يقود قاطرة التنمية، إلا أن الفساد حال دون أن تسخر هذه الموارد لخدمة الإنسان والتنمية.


وتقول البيانات الرسمية إن هناك قصوراً كبيراً في الخدمات الأساسية التي توفرها الدولة للمواطن. ففي المجال الصحي يبلغ متوسط معدل النمو السنوي للإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي سالباً -1.5%، كما يبلغ الإنفاق الحكومي على التعليم 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

يضاف إلى ما تقدّم عجز الدولة اليمنية عن السيطرة على معدّلات الفقر؛ إذ ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة فإن النسبة المئوية للفقراء بلغت 34.8 في المائة في العامين 2005 -2006، ثم ارتفعت هذه النسبة في 2008 إلى 45 في المائة وإلى 54.5 في المائة من مجموع السكان في 2011، ووصلت في عام 2015 إلى 62 في المائة من إجمالي السكان، وبواقع 16.6 مليون نسمة حسب بيانات وزارة التخطيط اليمنية في يوليو/ تموز 2016.

وتندرج التغذية الطاقة الكهربائية ضمن الخدمات الأساسية التي عجزت السياسات الحكومية خلال ثلاثة عقود عن تقديمها إلى المواطنين، واقتصرت على تغطية ما نسبته 43.4 في المائة من إجمالي السكان حتى عام 2009. وتقول وزارة التخطيط في تقريرها الصادر مطلع يوليو/ تموز 2016، والذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، إن 90 في المائة من اليمنيين لا يحصلون حالياً على الطاقة الكهربائية.
وفي ظل الغياب التام للطاقة الكهربائية منذ أكثر من عامٍ ونصف العام لجأ اليمنيون إلى الحصول عليها من الشمس، ووفقاً للمعرض الأول للطاقة الشمسية في اليمن فإن إجمالي ما أنفقه اليمنيون خلال عام على سوق الطاقة الشمسية بلغ نحو 300 مليون دولار.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور سعيد عبد المؤمن لـ "العربي الجديد" إن الأسباب التي دفعت المواطن للتعامل مع الأجهزة الخدمية الموازية هي غياب الأجهزة الخدمية الرسمية أو على الأقل عجزها عن تلبية حاجاته بشكل طبيعي.

فـ"الكهرباء خرجت عن الخدمة بشكل كامل منذ أكثر من عام، وقبلها كانت لا تغطي إلا فترة
زمنية بسيطة في اليوم، والمياه النقية لا تصل إلا إلى بعض الأحياء فقط ولفترات طويلة خلافاً لبقية الأحياء، والتي عادة ما يسكنها البسطاء، فضلاً عن غياب الأمن، حيث قام بعض كبار المسؤولين بإنشاء شركات حماية خاصة فاضطرت الشركات والمؤسسات إلى اللجوء إليها لتحقيق الحماية".
ويشير عبد المؤمن إلى أن خدمات النقل العامة فشلت هي الأخرى، حيث كانت الدولة تقوم بهذه الخدمة عبر شركة النقل البري الحكومية، إلا أنها عجزت عن مسايرة حاجات المسافرين، فانبرى القطاع الخاص ليغطي هذه الفجوة.
بدوره، يشرح الخبير الاقتصادي معروف دُرين أن هناك أموراً ومتغيرات تجبر المواطن البسيط على اللجوء إلى الدولة الموازية، أو ما يمكن أن يطلق عليهم تجار الحروب ومفتعلو الأزمات، وخصوصاً في هذه الظروف الصعبة.

ويشير دُرين لـ "العربي الجديد" إلى أن من أهم أسباب ذلك عدم وجود دولة مستقرة بمواردها وموازنتها لتقوم بواجبها تجاه المواطن في تقديم الخدمات، بالإضافة إلى سوء الخدمات المقدمة في السابق من قبل الدولة. فـ"في ظل غياب الدولة وانعدام الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى استمرار الحرب والحصار وتفاقم الوضع الاقتصادي، أصبح المواطن مجبراً على التعامل مع الدولة الموازية للحصول على الخدمات اللازمة والضرورية لاستمرار الحياة".
هذه الخدمات التي تخصّص لها الدولة بنوداً في موازنتها العامة، لا يلمسها المواطن، ويتضح ذلك من خلال البيانات الرسمية التي تؤكد اتساع المعاناة، حيث تقول وزارة التخطيط اليمنية في أحدث بياناتها إن 52.6 في المائة من إجمالي عدد السكان يعانون من ضعف الأمن الغذائي، كما يعاني نحو 19.3 مليون نسمة من ضعف خدمات المياه والصرف الصحي، منهم 6 ملايين نسمة بسبب الصراعات المسلحة، وذلك يتزامن مع قصور كبير في الرعاية الصحية لحوالي 14.1 مليون نسمة.

ويوضح دُرين أن المواطن يقف أمام مفترق طرق، إمّا الحصول على الخدمات الموازية
وبأسعار باهظة ومكلفة، أو عدم الحصول على أية خدمات في ظل تخلي الدولة عن واجباتها تجاه مواطنيها الذين تركتهم يعانون الأمرّين بحثاً عن الخدمات الضرورية، أكان من القطاع الخاص أو حتى من العصابات وتجار الحروب ومفتعلي الأزمات.

من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز الدكتور عبد الله المخلافي لـ "العربي الجديد" إن غياب دور الدولة وبالذات في عام 2015 أجبر المواطن على أن يدير نفسه بنفسه، وأصبحت تكلفة الخدمات مرتفعة جداً، لافتاً إلى أن قرابة 90 في المائة من الخدمات التي كانت تقدمها الدولة لرعاياها أصبح المواطن يدفع قيمتها ويسعى للحصول عليها من مصادر أخرى. مما يزيد من التحديات الاقتصادية أمام أغلب الأسر اليمنية، خاصة في ظل التراجع الملحوظ للدخل واتساع دائرة الفقر.

وكان للفساد أيضاً دور في حجب الخدمات عن المواطنين، ووفق الخبير عبد المؤمن: "أحياناً كثيرة كان الفاسدون في الأجهزة الحكومية يعمدون إلى عرقلة العمل وزيادة التكاليف وتعقيد الإجراءات بحيث لا تغطي المؤسسات الحكومية حاجات الناس، فيظهر القطاع الخاص لملء الفراغ، وقد يقف هؤلاء الفاسدون خلف تأسيس الشركات الخاصة، وهكذا يجد المواطن نفسه مضطراً للقبول بالأمر الواقع ودفع تكاليف أعلى، كما هو حاصل في المشتقات النفطية والكهرباء والمياه وغيرها".
والكارثة هنا، حسب عبد المؤمن، أن مؤسسات الدولة تخرج عن الخدمة باكراً، ويضطر المواطن هنا إلى دفع ثمن أعلى في ظل انخفاض الدخل المستمر نتيجة للوضع الذي يمر به اليمن.
المساهمون