المهنة: "مقاتل" سوري هرباً من البطالة والفقر

25 يوليو 2016
الدمار يغيّر ملامح سورية (هليل فيدان/ الأناضول)
+ الخط -
فيما تسحق الحرب المناطق السورية منذ خمس سنوات، وتحتل سماءها عشرات الدول، التي تقصف طائراتها مختلف أنحاء البلاد بالقنابل والصواريخ بدلاً من الغذاء والدواء، وفي الوقت الذي نزح الملايين من مناطقهم إلى أماكن أكثر أمناً في الداخل السوري، وترك آخرون البلاد إلى دول اللجوء، تعرّض القسم الأكبر من الاقتصاد للدمار، ودخل ما لم يطله الدمار المباشر في مسار موت بطيء. هكذا، بلغت البطالة في سورية مستويات قياسية وتقلصت فرص العمل في غالبية المهن، باستثناء مهنة وحيدة تشهد انتعاشاً كبيراً وتعتبر الأكثر استقراراً ضمن سوق العمل... إنها مهنة "المقاتل". 
وفي حين يدخل الآلاف التنظيمات لأسباب سياسية وأيديولوجية، إلا أن الآلاف أيضاً ينتظمون بدافع البطالة والفقر...

يبرز تقرير حديث لمنظمة "إنترناشيونال أليرت" (International Alert)، قوّة حضور العامل الاقتصادي أثناء البحث عن الأسباب الرئيسة التي تدفع الشباب السوري إلى ساحات القتال. التقرير المعنون بـ"لماذا يختار الشباب السوريون القتال؟"، اعتمد على مقابلات مع شبّان سوريين يعيشون في كل من شمال سورية وتركيا ولبنان.
ويرى التقرير أن أحد أهم العوامل التي تجعل هؤلاء الشباب عرضة للاستقطاب من قبل المجموعات المسلحة، بالإضافة إلى العوامل السياسية والنفسية، هو العامل الاقتصادي، وبشكل أكثر تحديداً الحرمان من الفرص الاقتصادية ومن التعليم.


يقول التقرير أيضاً إن الضرورات الاقتصادية هي العوامل الرئيسة التي تحفز العديد من الشباب السوريين على الانخراط في صفوف تلك الجماعات، كما تحدد الحاجات الاقتصادية اختيار الفرد لمجموعة مسلحة بعينها في بلد يختنق بعشرات المجموعات. وأخيراً فإن تلك العوامل هي الدافع أيضاً وراء ترك المقاتل "العمل" مع بعض الفصائل المسلحة والتحول إلى أخرى بناءً على مستوى الرواتب المقدمة وانتظامها شهرياً من دون انقطاع.

نسب البطالة مهولة
يوضح الباحث الاقتصادي نزار ديب، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الاقتصادي المتردي باستمرار يساعد في دفع الشباب السوري للقتال، إذ "انهار سعر صرف العملة المحلية، ما جعل الأجور المقدّرة بالعملة المحلية لا تفي بالحد الأدنى من الحاجات الأساسية، كما اشتدت حدّة الحرب والقصف الجوي، وهو ما حدّ من حركة التجارة عبر الحدود، كما حدّ من الزراعة وشجع المزيد من السوريين على ترك البلاد".

لكن مغادرة البلاد بالنسبة للكثير من السوريين في مناطق المعارضة، لا تبدو الخيار الأسهل، بسبب "الافتقاد إلى النقود المطلوبة في أي عملية هروب من البلاد. فحتى الخروج من سورية إلى تركيا بات يحتاج إلى التعاقد مع مهرّب بسبب الإجراءات الأمنية المشددة على الحدود"، كما يوضح الناشط السوري معلا حمادة.
ويضيف حمادة لـ"العربي الجديد": "كثيرون توصّلوا إلى قناعة بأنهم يعيشون في هذا الجحيم أو السجن الكبير وأن عليهم أن يتأقلموا. وفي ظل فقدان فرص العمل، فإن مهنة مقاتل هي الأكثر توافراً والأكثر قدرة على تأمين دخل ثابت يعتبر حيوياً لنجاة العائلة".


إلى ذلك، يشير التقرير الأخير لمنظمة "الإسكوا" إلى أن الاقتصاد السوري خسر أكثر من مليوني وظيفة بين عامي 2010 و2015، مقدّراً معدّل البطالة في العام 2015 بـ55 في المائة. أما بطالة الشباب فقد ارتفعت من 69 في المائة إلى 78 في المائة، وهما نسبتان مهولتان بكل المقاييس.
في المقابل، وفيما يشير تقرير منظمة "إنترناشيونال أليرت" إلى أن معدل البطالة يصل في بعض مناطق سورية إلى 90 في المئة، تقول المنظمة إن هذا الرقم نتاج تقرير أعدته ولم ينشر بعد. وفي ظل هذا الوضع، يقول التقرير إن الحاجة لكسب الرزق هي الدافع الرئيسي للقتال، أما الدافع الأيديولوجي فهو، في أفضل الأحوال، "عامل ثانوي".

من لاجئين إلى مقاتلين
في صفوف اللاجئين السوريين، وبخاصة في لبنان وتركيا، تكتسب محدودية فرص العمل والظروف الاقتصادية القاسية أهمية أقل منها لدى السوريين داخل سورية، ولكنهما يبقيان بين العوامل التي تساهم في اتخاذ قرار العودة إلى سورية للعمل كمقاتلين. ذلك أن لدى اللاجئين السوريين ظروفاً مختلفة، حيث تتطلع غالبيتهم إلى الابتعاد عن العنف والحصار، ما يجعل أوروبا وجهتهم الفضلى.
غير أن ديب يقول إن السفر إلى أوروبا "مكلف جداً، والحقيقة أن العائلات الفقيرة التي تسكن المخيمات من المستحيل عليها أن تتدبر المبالغ المطلوبة للسفر". ويضيف: "هنالك مؤشرات تشير إلى عودة بعض الشباب للقتال في سورية بدوافع اليأس من الحياة الموجودة في دول الجوار، وطبعاً يسهم العامل الاقتصادي من بين عوامل كثيرة في نشر هذا اليأس".
وبين العوامل البارزة أيضاً التي تدفع الشباب السوري نحو الجماعات المسلحة الافتقار إلى المؤسسات التعليمية وفرص التعليم، سواء في مناطق المعارضة أو في مناطق اللجوء.

يقول تقرير "إنترناشيونال أليرت" إن عدداً من المجموعات المسلحة الأكثر تطرفاً استغلت ذلك وأسست نظامها التعليمي كوسيلة لجذب الشباب، وهي تقدم لهم مبالغ مالية شهرية للانضمام إلى تلك المؤسسات ذات الصبغة الأيديولوجية الطائفية. وبالنسبة للكثيرين داخل سورية، فإن التعليم المقدم من قبل تلك المجموعات كان فرصة أطفالهم الوحيدة لتلقي التعليم خلال السنوات الخمس الماضية والسنوات اللاحقة التي لا يبدو فيها الكثير من الأمل.

حوافز تنتهك الطفولة
يقول الناشط حمادة إن "تدمير المؤسسات التعليمية المتمتّعة بالمصداقية ساهم في زيادة عمالة الأطفال بالمجمل، ولأن فرص العمل قليلة، يعمل كثير من الأطفال مع المجموعات المسلحة،
وحتى لو لم يعملوا كمقاتلين في البداية، لكنهم يشاركون في دعم العمليات الحربية، لكن ليس في صفوف القتال الأمامية، ليتحولوا لاحقاً إلى مقاتلين".

والحال أن الكثير من العائلات لا تعتبر أن التعليم المقدم من قبل المجموعات المسلحة ذو قيمة كبيرة، إذ يعرفون أن ابنهم لن يحصل على شهادة علمية معترف بها في نهاية المطاف يستطيع استثمارها في العمل، لذلك "يفضلون أن يعمل أبناؤهم مباشرة مع المجموعات المقاتلة ولكن يشترطون ألا يتم الزج بهم في الصفوف الأمامية منذ البداية. إنها وسيلة إضافية للعائلة لكسب العيش"، يقول حمادة.

وكذلك، يخلص تقرير "إنترناشيونال أليرت" إلى أن الطريقة الوحيدة لتقويض دور العامل الاقتصادي كمحفز لمشاركة الشباب في القتال هو توفير مصادر لكسب الرزق للعائلات، سواء التي تعيش في سورية أو في مخيمات اللجوء، كي تكون بديلاً عن العمل في القتال. ومن بين ما يمكن توفيره هو التدريب المهني وزيادة الخطوط التجارية عبر الحدود وتوفير قروض صغيرة للعائلات التي تعيش في مناطق المعارضة، وفق التقرير.

رواتب متفاوتة
وبحسب "مجموعة عمل اقتصاد سورية"، فإن رواتب ومنح عناصر الجيش الحر في مدن شمال سورية تراوح بين 100 - 300 دولار. أما رواتب مقاتلي جبهة النصرة، بحسب ناشطين سوريين، فتراوح بين 200-500 دولار. رواتب مقاتلي جيش النظام تراوح حالياً بعد انهيار الليرة بين 75 دولاراً و150 دولاراً فقط. أما رواتب المقاتلين في مليشيات الدفاع الوطني والمليشيات التابعة لبعض الشخصيات الموالية للنظام، فبحسب ناشطين، تراوح بين 200-400 دولار. ويشير تقرير لمركز "موارد بناء السلام النرويجي"، إلى وجود تصنيفات مختلفة لسلّم الرواتب للفصائل المقاتلة في سورية. وبشكل عام يحصل المقاتلون الأجانب من الطرفين، النظام والمعارضة، على أجور أعلى من المقاتلين المحليين.
واقع الحال أن ظاهرة العمل كمقاتل لا تقتصر على السوريين الذين يقطنون في مناطق المعارضة، بل هي ظاهرة منتشرة في مناطق النظام السوري أيضاً.
يقول الناشط السوري سامح محمد، المقيم في مدينة اللاذقية، إنه و"منذ ثلاثة أعوام تزايد إقبال الشباب الموالي للنظام السوري على الانخراط في القتال تحت مسمى فضفاض هو الدفاع عن الوطن. ولكن الهدف الحقيقي كان توفير مصدر دخل شهري ثابت بعد أن فقدوا الأمل في الحصول على فرصة عمل مناسبة".


ويضيف لـ"العربي الجديد": "وفّرت مليشيات الدفاع الوطني، التي قامت إيران بتمويلها، رواتب مغرية جداً لكثير من السوريين العاطلين من العمل، إذ تقدم ضعف الراتب الذي يحصل عليه المقاتل في الجيش السوري. ثم قام بعض رجال الأعمال الموالين للنظام السوري بتأسيس مجموعاتهم العسكرية أيضاً، وهي تقدم أعلى الرواتب حالياً".
فإذا كان الدمار الاقتصادي قد طاول مناطق المعارضة بصورة أكبر بفعل القصف والتدمير الممنهج الذي يتبعه النظام السوري، غير أنه طاول أيضاً، وبنسب متفاوتة طبعاً، مناطق النظام السوري، إذ "أغلقت آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة بفعل إفلاسها أو بسبب نقل مالكيها لأعمالهم إلى خارج البلاد، وفي كلتا الحالتين كانت النتيجة تسريح العمال وارتفاع مذهل وسريع في معدلات البطالة"، كما يشرح الباحث ديب.
فضلاً عن ذلك، لا توفر الحرب السورية مهناً للسوريين فحسب، بل للمقاتلين الأجانب الذين يتدفقون من كل حدب وصوب لمساندة هذا الطرف أو ذاك، مثل مقاتلي "حزب الله" اللبناني الذين يقاتلون إلى جانب نظام الأسد، علاوة على الجهاديين الذين ينضمون للقتال في صفوف تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة". إذ يتلقى هؤلاء بصورة عامة "أجوراً أعلى من تلك التي يتلقاها السوريون، سواء في صفوف النظام أو في صفوف المعارضة"، وفق محمد.