يُمكن تصنيف المهرجانات السينمائية العربية، المستمرّة في تنظيم دورات سنوية أو مرّة واحدة كل عامين، في فئتين اثنتين: القديمة، أي المُقامة في القاهرة ودمشق وقرطاج، والمُشاركة في طرح أسئلة ثقافية وجمالية وفكرية على السينما وصانعيها، وعلى علاقة الصورة بالمجتمع والناس والقضايا؛ والجديدة، أي المنبثقة إمّا من بلدان خليجية تطمح إلى احتلال مكانٍ بارز في المشهد العربي ـ الدولي، رغم أنها لا تملك "صناعة" سينمائية خاصّة بها، ولا حتّى صناعة فيلمية إلاّ قليلاً، وإما من دول عريقة في صنع صورة سينمائية، وفي تفعيل الدور الإبداعي والصناعي والتجاري للمهرجان السينمائيّ.
ثنائية "قديم ـ جديد"
القول بقديم وجديد رهنٌ بالزمن. فالقديم هو ذاك المُنْشَأ منذ ستينيات القرن المنصرم، والساعي إلى مواكبة حراك سينمائي مرافق لحراك ثقافي ـ فني يعكس شيئاً كثيراً من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية حينها. والجديد متعلّق بمهرجانات تتوزّع على حالتين اثنتين: أولى موجودة في دول الخليج العربي، في محاولة جادّة لإيجاد توازن بين مسائل عديدة، كمواكبة ما يحصل في الدول نفسها على مستوى تحقيق أفلام مختلفة، والمُشاركة في تمويل/ إنتاج مشاريع سينمائية عربية شبابية واعدة، وتأمين فسحة تأمّل سينمائي في المنطقة، يُفترض بها أن تؤدّي إلى تطوير الإنتاجات المحلية هناك، وإلى تفعيل ثقافة سينمائية مرجوّة. وثانية حاضرةٌ في بيروت والمغرب تحديداً، إذ تحتفظ العاصمة اللبنانية بثلاثة مهرجانات أساسية ("مهرجان بيروت الدولي للسينما"، و"أيام بيروت السينمائية"، و"مهرجان السينما الأوروبية")، إلى جانب تظاهرات واحتفالات سينمائية مختلفة، لا تملك مرتكزات المهرجان السينمائي، لاكتفائها بتحريك المشهد المحلي ورفده بنتاجات كلاسيكية (في إطار "استعادات سينمائية" مختلفة الهويات والأساليب والشخصيات)، أو حديثة الإنتاج (أبرزها "أسبوع النقد"، أحد أبرز البرامج الأساسية المرافقة للمسابقة الرسمية الخاصّة بمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي، المهتمّ بالأفلام الأولى والثانية لمخرجيها الشباب).
اقرأ أيضاً: في أن سينمائيين عرباً يكتبون نصوصاً أدبية
أما ربط ثنائية "قديم ـ جديد" بالزمن فقط، فتبقى ناقصة. ذلك أن لكل طرف/ زمن من الطرفين/ الزمنين، خصائصه الثقافية والجمالية والفكرية والصناعية المختلفة إحداها عن الأخرى، إذ يتبدّى للمهتمّ أن المهرجانات القديمة زمنياً، التقليدية والساعية إلى استمرارية تمزج عراقة تاريخها بالغليان الآنيّ، تفتقد أشياء كثيرة من حيويتها الماضية، ومن هويتها الثقافية، ومن أدوات التأثير الفعليّ في شؤون السينما والاقتصاد والثقافة والإنتاجات، من دون تناسي غرق بعضها (خصوصاً القاهرة، منذ أعوام عديدة) في الفساد المتنوّع. في حين أن الجديد، الممتد من الخليج العربي إلى المغرب مروراً ببيروت، يتفوّق على نفسه أحياناً في مواكبة مجريات الحدث السينمائي، وفي بلورة خطاب يريد متبنّوه القول إن المهرجان لن يكون مجرّد عروض ولقاءات فقط، بل مكاناً لتواصل إنتاجي ـ صناعي تحتاج إليه السينما العربية، الجديدة خصوصاً. فأن تُساهم مهرجانات الدوحة ـ ترايبيكا وأبو ظبي (قبل توقّفهما) ودبي في إفساح مجال حيوي بين منتجين وأصحاب مشاريع سينمائية لتبادل وجهات النظر العملية بخصوص عملية الإنتاج بحدّ ذاتها؛ وأن "تتورّط" المهرجانات الثلاثة نفسها (توقّف الأولين دافعٌ إلى التحوّل إلى الإنتاج) في تمويل/ إنتاج مشاريع متفرّقة؛ فهذا يعني أن معنى المهرجان السينمائيّ العربي يتطوّر باتّجاه إيجاد صيغ عملية لتطوير آليات الإنتاج العربي أولاً، ولتثبيت إنتاج عربي مشترك مطلوب وضروريّ ثانياً.
نمط مختلف
دول الخليج العربي تبتكر نمطاً جديداً ومختلفاً في السؤال الأساسيّ لصناعة المهرجان السينمائيّ، ينبعث من مزيج المال والرغبة في التفوّق، ومن عمل جدّي ووعي معرفي سليم بأهمية الفعل الثقافي للصناعة السينمائية. الدول التقليدية في صناعة السينما والمهرجان معاً (تونس وسوريا ومصر) تتراجع بشكل واضح في مسألة المهرجان: أزمات متتالية تُصاب بها، بدءً من انهيار الأفكار الثقافية التي تظلّل دوراتها السابقة، وانهيار الإيديولوجيات المحاصِرة، أعواماً مديدة، الفكر والثقافة والفنون والـ "إبداع" في العالم العربي، وانهيار آليات الاشتغال الإداريّ والتنظيميّ لمهرجاناتها المتعثّرة عاماً تلو آخر، قبل أن يتوقّف "مهرجان دمشق السينمائيّ" عن العمل جرّاء الخراب الضارب سورية منذ أربعة أعوام. أما في بيروت مثلاً، ورغم أن "مهرجان بيروت الدولي للسينما" يعاني مصائب جمّة في هويته وأهدافه وسلوكه وإدارته وتنظيمه، فلا تزال تثابر في مجال تنظيم احتفالات سينمائية عديدة، تبقى "أيام بيروت السينمائية" أبرزها لارتباطها الوثيق بكل جديد في السينما العربية الشبابية.
يُجمع مهتمّون بالشأن السينمائيّ العربي على أن المال وحده غير كافٍ لصناعة المهرجان، رغم أهميته القصوى. التحضيرات الجارية حالياً في بيروت، لتنظيم دورة جديدة لأيامها السينمائية، لا تزال خجولة جداً، بسبب انهماك القيّمين عليها بالبحث عن سبل تمويل حقيقية، بعد المعاناة الكبيرة التي يواجهونها دورةً إثر دورة. رغم هذا الـ "شحّ" الماليّ، تُحافظ الأيام البيروتية على نسق متواضع في التعاطي مع جديد السينما العربية، عروضاً ولقاءات ونقاشات وورش عمل. المال حاجة ملحّة، إن لم يكن البند الأول في كل صناعة. غيابه أو قِلّته يؤثّران فعلياً في يوميات أي مهرجان، واشتغالاته وحضوره ودوره. لكن، هناك من ينجح، ولو إلى حدّ ما، في تخفيف وطأة التأثّر السلبي بغياب المال أو بقِلّته (علماً أن هناك استحالة واضحة لتنظيم مهرجان أو حتّى احتفال سينمائيّ من دون مال) بتفعيل البُعد الثقافي ـ الجماليّ للمهرجان.
في المقابل، مهرجانات عديدة تمتلك ميزانيات ضخمة، لكنها تحتاج إلى وقت طويل لتثبيت حيويتها السينمائية، المرافقة للبهرجة الاستعراضية المطلوبة في المهرجانات الدولية. "مهرجان الدوحة ـ ترايبيكا" يتوقّف بعد أربع دورات، لغياب خطط عملية طويلة المدى، تهتمّ بكيفية تحويل المهرجان إلى حيّز للمُشاهدة والتواصل وتفعيل الحراك الإنتاجيّ العام. هذا يؤدّي بالقيّمين عليه إلى العمل الدؤوب على مستوى الإنتاج، عبر "مؤسّسة الدوحة للأفلام"، تماماً كما يحصل حالياً مع "مهرجان أبوظبي السينمائيّ"، المتخبّط في بداياته (في العام 2014، يُنظّم دورة ثامنة هي الأخيرة له) بارتباكات جمّة، رغم حصول منظّميه على ميزانية كبيرة على مدى أعوام عديدة، قبل أن تستقيم أموره التنظيمية والإدارية والفنية والثقافية لاحقاً. "مهرجان دبي السينمائيّ" (يُنظّم دورته الثانية عشرة بين 9 و16 ديسمبر 2015) يُصرف أموالاً كثيرة في بداية تأسيسه، قبل أن ينتبه منظّموه إلى ضرورة الموازنة بين الاستعراض والعمل السينمائي المرافق لعروض الأفلام حديثة الإنتاج.
المال، وأشياء أخرى أيضاً
إذاً، يُفترض بأي مهرجان سينمائيّ أن يمتلك ميزانيات مالية أساسية ومريحة، مدعومة بخطط وتوجّهات ثقافية ـ فنية ـ جمالية، ومرتكزة على تنويع البرمجة بين عروض وورش عمل متخصّصة بشتّى أنواع الصناعة السينمائية، بالإضافة إلى تأمين لقاءات مع منتجين مثلاً. "المهرجان الدولي للفيلم في مراكش" (المغرب) مختلف. يبدأ في العام 2001 بجهود وتوجّهات فرنسية، مدعومة من القصر الملكي. يتولّى المغربيّ نور الدين الصايل زمام الأمور أعواماً عديدة، فإذا به يُصبح سينمائياً مفتوحاً على اختبارات مختلفة، كأن يُخصّص لقاءً مع سينمائيّ أجنبيّ في إطار "ماستر كلاس" مثلاً.
لا يُمكن سرد المهرجانات السينمائية العربية كلّها. في المملكة المغربية وحدها، هناك نحو 50 مهرجاناً متنوّع الاختصاصات والتوجّهات وأنماط الاشتغالات، وموزّعة في منطاق مغربية عديدة. بعضها معقودٌ على سينما المرأة وسينما المؤلّف والسينما الغرائبية إلخ. أبرزها، إلى "مهرجان مراكش": مهرجان طنجة الوطني، ومهرجان طنجة الدولي للأفلام القصيرة، ومهرجان تطوان المتوسّطي. في تونس، الأمر مُشابه على مستوى تنويع عدد (أقلّ بكثير من عدد المهرجانات المغربية) من المهرجانات المتخصّصة. في مصر، يحتلّ "مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر الأبيض المتوسّط" مكانةً بارزة. الاختصاص أساسيّ، يتيح للمهتمّ فرصة الاطّلاع على أنماط ومواضيع، ويجعل المهرجان أقدر على طرح أسئلة متعلّقة بالاختصاص هذا، على غرار ما هو حاصل في الغرب. المهرجانات العربية ذات البُعد الدولي مهمّة أيضاً. لكن مأزقاً آخر حاضرٌ في المشهد العربي: غياب مهرجان عربي دولي متخصّص بالأفلام الوثائقية، بعد توقّف "مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية" منذ أعوام قليلة.
(كاتب لبناني)
ثنائية "قديم ـ جديد"
القول بقديم وجديد رهنٌ بالزمن. فالقديم هو ذاك المُنْشَأ منذ ستينيات القرن المنصرم، والساعي إلى مواكبة حراك سينمائي مرافق لحراك ثقافي ـ فني يعكس شيئاً كثيراً من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية حينها. والجديد متعلّق بمهرجانات تتوزّع على حالتين اثنتين: أولى موجودة في دول الخليج العربي، في محاولة جادّة لإيجاد توازن بين مسائل عديدة، كمواكبة ما يحصل في الدول نفسها على مستوى تحقيق أفلام مختلفة، والمُشاركة في تمويل/ إنتاج مشاريع سينمائية عربية شبابية واعدة، وتأمين فسحة تأمّل سينمائي في المنطقة، يُفترض بها أن تؤدّي إلى تطوير الإنتاجات المحلية هناك، وإلى تفعيل ثقافة سينمائية مرجوّة. وثانية حاضرةٌ في بيروت والمغرب تحديداً، إذ تحتفظ العاصمة اللبنانية بثلاثة مهرجانات أساسية ("مهرجان بيروت الدولي للسينما"، و"أيام بيروت السينمائية"، و"مهرجان السينما الأوروبية")، إلى جانب تظاهرات واحتفالات سينمائية مختلفة، لا تملك مرتكزات المهرجان السينمائي، لاكتفائها بتحريك المشهد المحلي ورفده بنتاجات كلاسيكية (في إطار "استعادات سينمائية" مختلفة الهويات والأساليب والشخصيات)، أو حديثة الإنتاج (أبرزها "أسبوع النقد"، أحد أبرز البرامج الأساسية المرافقة للمسابقة الرسمية الخاصّة بمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي، المهتمّ بالأفلام الأولى والثانية لمخرجيها الشباب).
اقرأ أيضاً: في أن سينمائيين عرباً يكتبون نصوصاً أدبية
أما ربط ثنائية "قديم ـ جديد" بالزمن فقط، فتبقى ناقصة. ذلك أن لكل طرف/ زمن من الطرفين/ الزمنين، خصائصه الثقافية والجمالية والفكرية والصناعية المختلفة إحداها عن الأخرى، إذ يتبدّى للمهتمّ أن المهرجانات القديمة زمنياً، التقليدية والساعية إلى استمرارية تمزج عراقة تاريخها بالغليان الآنيّ، تفتقد أشياء كثيرة من حيويتها الماضية، ومن هويتها الثقافية، ومن أدوات التأثير الفعليّ في شؤون السينما والاقتصاد والثقافة والإنتاجات، من دون تناسي غرق بعضها (خصوصاً القاهرة، منذ أعوام عديدة) في الفساد المتنوّع. في حين أن الجديد، الممتد من الخليج العربي إلى المغرب مروراً ببيروت، يتفوّق على نفسه أحياناً في مواكبة مجريات الحدث السينمائي، وفي بلورة خطاب يريد متبنّوه القول إن المهرجان لن يكون مجرّد عروض ولقاءات فقط، بل مكاناً لتواصل إنتاجي ـ صناعي تحتاج إليه السينما العربية، الجديدة خصوصاً. فأن تُساهم مهرجانات الدوحة ـ ترايبيكا وأبو ظبي (قبل توقّفهما) ودبي في إفساح مجال حيوي بين منتجين وأصحاب مشاريع سينمائية لتبادل وجهات النظر العملية بخصوص عملية الإنتاج بحدّ ذاتها؛ وأن "تتورّط" المهرجانات الثلاثة نفسها (توقّف الأولين دافعٌ إلى التحوّل إلى الإنتاج) في تمويل/ إنتاج مشاريع متفرّقة؛ فهذا يعني أن معنى المهرجان السينمائيّ العربي يتطوّر باتّجاه إيجاد صيغ عملية لتطوير آليات الإنتاج العربي أولاً، ولتثبيت إنتاج عربي مشترك مطلوب وضروريّ ثانياً.
نمط مختلف
دول الخليج العربي تبتكر نمطاً جديداً ومختلفاً في السؤال الأساسيّ لصناعة المهرجان السينمائيّ، ينبعث من مزيج المال والرغبة في التفوّق، ومن عمل جدّي ووعي معرفي سليم بأهمية الفعل الثقافي للصناعة السينمائية. الدول التقليدية في صناعة السينما والمهرجان معاً (تونس وسوريا ومصر) تتراجع بشكل واضح في مسألة المهرجان: أزمات متتالية تُصاب بها، بدءً من انهيار الأفكار الثقافية التي تظلّل دوراتها السابقة، وانهيار الإيديولوجيات المحاصِرة، أعواماً مديدة، الفكر والثقافة والفنون والـ "إبداع" في العالم العربي، وانهيار آليات الاشتغال الإداريّ والتنظيميّ لمهرجاناتها المتعثّرة عاماً تلو آخر، قبل أن يتوقّف "مهرجان دمشق السينمائيّ" عن العمل جرّاء الخراب الضارب سورية منذ أربعة أعوام. أما في بيروت مثلاً، ورغم أن "مهرجان بيروت الدولي للسينما" يعاني مصائب جمّة في هويته وأهدافه وسلوكه وإدارته وتنظيمه، فلا تزال تثابر في مجال تنظيم احتفالات سينمائية عديدة، تبقى "أيام بيروت السينمائية" أبرزها لارتباطها الوثيق بكل جديد في السينما العربية الشبابية.
يُجمع مهتمّون بالشأن السينمائيّ العربي على أن المال وحده غير كافٍ لصناعة المهرجان، رغم أهميته القصوى. التحضيرات الجارية حالياً في بيروت، لتنظيم دورة جديدة لأيامها السينمائية، لا تزال خجولة جداً، بسبب انهماك القيّمين عليها بالبحث عن سبل تمويل حقيقية، بعد المعاناة الكبيرة التي يواجهونها دورةً إثر دورة. رغم هذا الـ "شحّ" الماليّ، تُحافظ الأيام البيروتية على نسق متواضع في التعاطي مع جديد السينما العربية، عروضاً ولقاءات ونقاشات وورش عمل. المال حاجة ملحّة، إن لم يكن البند الأول في كل صناعة. غيابه أو قِلّته يؤثّران فعلياً في يوميات أي مهرجان، واشتغالاته وحضوره ودوره. لكن، هناك من ينجح، ولو إلى حدّ ما، في تخفيف وطأة التأثّر السلبي بغياب المال أو بقِلّته (علماً أن هناك استحالة واضحة لتنظيم مهرجان أو حتّى احتفال سينمائيّ من دون مال) بتفعيل البُعد الثقافي ـ الجماليّ للمهرجان.
في المقابل، مهرجانات عديدة تمتلك ميزانيات ضخمة، لكنها تحتاج إلى وقت طويل لتثبيت حيويتها السينمائية، المرافقة للبهرجة الاستعراضية المطلوبة في المهرجانات الدولية. "مهرجان الدوحة ـ ترايبيكا" يتوقّف بعد أربع دورات، لغياب خطط عملية طويلة المدى، تهتمّ بكيفية تحويل المهرجان إلى حيّز للمُشاهدة والتواصل وتفعيل الحراك الإنتاجيّ العام. هذا يؤدّي بالقيّمين عليه إلى العمل الدؤوب على مستوى الإنتاج، عبر "مؤسّسة الدوحة للأفلام"، تماماً كما يحصل حالياً مع "مهرجان أبوظبي السينمائيّ"، المتخبّط في بداياته (في العام 2014، يُنظّم دورة ثامنة هي الأخيرة له) بارتباكات جمّة، رغم حصول منظّميه على ميزانية كبيرة على مدى أعوام عديدة، قبل أن تستقيم أموره التنظيمية والإدارية والفنية والثقافية لاحقاً. "مهرجان دبي السينمائيّ" (يُنظّم دورته الثانية عشرة بين 9 و16 ديسمبر 2015) يُصرف أموالاً كثيرة في بداية تأسيسه، قبل أن ينتبه منظّموه إلى ضرورة الموازنة بين الاستعراض والعمل السينمائي المرافق لعروض الأفلام حديثة الإنتاج.
المال، وأشياء أخرى أيضاً
إذاً، يُفترض بأي مهرجان سينمائيّ أن يمتلك ميزانيات مالية أساسية ومريحة، مدعومة بخطط وتوجّهات ثقافية ـ فنية ـ جمالية، ومرتكزة على تنويع البرمجة بين عروض وورش عمل متخصّصة بشتّى أنواع الصناعة السينمائية، بالإضافة إلى تأمين لقاءات مع منتجين مثلاً. "المهرجان الدولي للفيلم في مراكش" (المغرب) مختلف. يبدأ في العام 2001 بجهود وتوجّهات فرنسية، مدعومة من القصر الملكي. يتولّى المغربيّ نور الدين الصايل زمام الأمور أعواماً عديدة، فإذا به يُصبح سينمائياً مفتوحاً على اختبارات مختلفة، كأن يُخصّص لقاءً مع سينمائيّ أجنبيّ في إطار "ماستر كلاس" مثلاً.
لا يُمكن سرد المهرجانات السينمائية العربية كلّها. في المملكة المغربية وحدها، هناك نحو 50 مهرجاناً متنوّع الاختصاصات والتوجّهات وأنماط الاشتغالات، وموزّعة في منطاق مغربية عديدة. بعضها معقودٌ على سينما المرأة وسينما المؤلّف والسينما الغرائبية إلخ. أبرزها، إلى "مهرجان مراكش": مهرجان طنجة الوطني، ومهرجان طنجة الدولي للأفلام القصيرة، ومهرجان تطوان المتوسّطي. في تونس، الأمر مُشابه على مستوى تنويع عدد (أقلّ بكثير من عدد المهرجانات المغربية) من المهرجانات المتخصّصة. في مصر، يحتلّ "مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر الأبيض المتوسّط" مكانةً بارزة. الاختصاص أساسيّ، يتيح للمهتمّ فرصة الاطّلاع على أنماط ومواضيع، ويجعل المهرجان أقدر على طرح أسئلة متعلّقة بالاختصاص هذا، على غرار ما هو حاصل في الغرب. المهرجانات العربية ذات البُعد الدولي مهمّة أيضاً. لكن مأزقاً آخر حاضرٌ في المشهد العربي: غياب مهرجان عربي دولي متخصّص بالأفلام الوثائقية، بعد توقّف "مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية" منذ أعوام قليلة.
(كاتب لبناني)