لطالما كانت ألمانيا من بلدان الاغتراب المفضّلة لدى كثيرين. ما إن يبلغها المهاجرون، حتى يبدأوا بالعمل على التأقلم مع حياتهم الجديدة وعلى مواجهة صعوبات عديدة، لعلّ أبرزها اللغة الألمانية التي تشكل عائقاً أساسياً في عملية الاندماج. على الرغم من المحاولات المتكررة لإتقان اللغة، إلا أنّ كثيرين من هؤلاء المهاجرين ما زالوا يقعون في أخطاء لغوية عديدة. أما الأسوأ، فهو انتقال تلك الأخطاء مع مرور الزمن إلى الألمان أنفسهم.
في أبحاثه العديدة حول اللغة الألمانية، أشار البروفسور أوفيه هينريش إلى أنّ ثمّة تأثيراً واضحاً لمختلف اللغات الأجنبية على اللغة الألمانية. وأوضح أنّ الأجانب يرتكبون أخطاءً لغوية أثناء تعلم اللغة الألمانية والتحدّث بها، بسبب صعوبتها. ولكثرة ما تكرّرالأمر مع الوقت، كان له أثره في استخدام اللغة من قبل الألمان أنفسهم. بالتالي، راح قسم من الألمان يتحدّث لغته الأم مع الأخطاء التي أدخلها الأجانب إليها. وهذا ما أدّى إلى تحوّل في اللغة الألمانية العامية، دون الفصحى.
عديدة هي الأسباب التي يتحدث عنها هينريش والتي أدّت إلى استمرارية الخطأ في استخدام اللغة الألمانية لدى المهاجرين وعديد من الألمان. إلى قواعد النحو والإعراب الخاصة بالألمانية، يشير هينريش إلى سبب آخر يعيق إتقان الأجانب لها، وهو أنّ لغاتهم الأم قد لا تتضمن القواعد اللغوية التي نجدها في الألمانية. كذلك، تُعدّ قواعد التذكير والتأنيث والجماد من بين المشاكل الأساسية التي تواجه الأجانب أثناء تعلمهم اللغة، إذ ينطق كثيرون مفردات ألمانية من دون تذكيرها أو تأنيثها لعدم معرفتهم بالحالة الصحيحة.
عندما بدأ الألمان يتحدّثون لغتهم الأم مع الأخطاء التي أدخلها إليها الأجانب، لم يتنبهوا إلى تلك الأخطاء. كذلك راحوا يتواصلون بلغة ركيكة مع الأشخاص الذين لا يتقنون الألمانية جيداً. هم يظنّون بأنهم إذا اعتمدوا هذا الأسلوب اللغوي الخاطئ، فإنّ هؤلاء سيفهمونهم بطريقة أفضل. والأمر مماثل في المدارس، حيث يتأثر التلاميذ الألمان بالأخطاء اللغوية التي يرتكبها رفاقهم الأجانب، خصوصاً الجدد منهم. ولأنّ اللغة التي يستخدمها الأهل مع أطفالهم في المنزل تؤثّر عليهم، إذ يحفظ عقل الطفل الأخطاء ويرددها، فقد نصحت الحضانات أولياء الأمور بأفضلية التحدث باللغة الأم في المنزل لمساعدة الطفل على تعلم اللغة الألمانية بسرعة وسهولة.
من جهة أخرى، يخلط عدد من الأجانب بين لغتَين، خصوصاً التركية والألمانية، ويتوجّب على الآخرين فهم الفكرة من مجمل الحديث. وينبّه هينريش من أنّه كلما ازداد الخلط بين اللغات، كلما ارتفع عدد الأخطاء النحوية. على سبيل المثال، الأتراك في ألمانيا هم من أكثر الأجانب الذين يستخدمون اللغة الألمانية مثلما يحلو لهم. والعدد الأكبر منهم لا يتقنها، على الرغم من استقراره في البلاد منذ فترة طويلة. هؤلاء صنعوا لأنفسهم لغة ألمانية-تركية خاصة بهم، وراحوا يتحدثون بها مع الجميع غير آبهين بالأخطاء التي يرتكبونها. بالتالي، يمكن القول إنّ الجالية التركية من الأكثر تأثيراً في التغيير الذي يطاول اللغة الألمانية العامية.
في السياق، يرى عدد كبير من العلماء اللغويين أنّ ما من لغة تلاقت مع أخرى من دون حدوث تغييرات كبيرة عليها. ويُعدّون هذا التنوّع في اللغات داخل البلد الواحد، إثراءً للثقافة اللغوية الألمانية، ويدعون إلى وجوب استثمارها بطريقة صحيحة. بالنسبة إليهم، اللغة بحاجة دائمة إلى تحديث، وارتكاب الأجانب الأخطاء اللغوية منذ سنوات عديدة ما هو إلا دليل على وجود مشكلة في اللغة الألمانية. وهو الأمر الذي يستوجب البحث في سبل تسهيل بنيتها لتكون قريبة من اللغات الأخرى، الإنجليزية والفرنسية على سبيل المثال.