لو كان الأمر بيد التحالف الحاكم في الدنمارك لطلب من الذين قرّروا الهجرة إلى الدنمارك أن يتعلموا لغتها قبل وصولهم إليها. أمّا حزب الشعب الدنماركي المتشدد، فيرى عدم وجوب تقديم خدمة الترجمة لهؤلاء. وبهدف إيجاد حلول في هذا الإطار، يذهب مشرّعون إلى بحث "إلغاء تقديم خدمة الترجمة للمقيمين في البلاد على حساب دافعي الضرائب".
تجذب مقترحات حزب التحالف الليبرالي المشارك في الائتلاف الحاكم اليمين الوسط، وهي تقول بوقف استخدام الأجانب المقيمين للمترجمين على حساب الدولة، خصوصاً لدى زيارة الأطباء أو تلقي العلاج في المستشفيات وكل ما يتعلق بحياتهم اليومية، من دور رعاية الأطفال ومدارس واجتماعات في البلديات. وهو ما أكدته مقررة شؤون القطاع العام في البرلمان عن الحزب لاورا ليندال.
وما يسعى إليه المشرّعون في الدنمارك عبر قانون جديد خاص بالهجرة، لا سيّما في ما يتعلق بالمقيمين في البلد ولأكثر من ثلاثة أعوام، هو وقف استنزاف الخزينة عبر تكاليف سنوية تصل في المتوسط إلى 170 مليون كرونه (نحو 23 مليون يورو) فقط في مجال الترجمة الخاصة بالشؤون الصحية لهذه الفئة. بعض منها يقيم لمدة 18 عاماً في البلد وما زال يستخدم مترجمين لدى مراجعة الأطباء.
والقانون الذي بدأ العمل به مع بداية الشهر الجاري، يقضي بأن يتحمّل من أقام ثلاثة أعوام في البلد كلفة الترجمة الخاصة بالشؤون الصحية، في حين أنّ مقترح القانون الجديد ينصّ على أنّه "بدءاً من اليوم الأول لدخولك إلى البلد، عليك إمّا أن تجيد اللغة أو أن تسدد بنفسك فاتورة المترجم". وتراوح كلفة الترجمة في القطاع الصحي ما بين 50 و150 يورو في الساعة، لتتجاوز 220 يورو في حال تنقّل الاختصاصيين بالإضافة إلى كفاءة المترجم. يُذكر أنّ من يحتاج إلى تلك الخدمة، ما عليه إلا الاتصال بالمستشفى أو بالعيادة لحجز مترجم، ومن الممكن أن تكون الترجمة عبر الهاتف أو الاتصال بالصوت والصورة، وبعد ذلك يحرر المترجم فاتورة تغطّيها الدولة.
يأمل التحالف الليبرالي في "سريان وقف تغطية القطاع العام لتكاليف الترجمة على كل قطاعات الدولة والبلديات، على أن يفرض على المقيمين تحمّل الكلفة بأنفسهم". ويقول هنا أستاذ الطب في جامعة جنوب الدنمارك، مورتن سودامان، إنّه "على الرغم من تحذير الأطباء من أنّ ذلك سوف يؤدي إلى سوء فهم وتواصل مع الأشخاص المراجعين، خصوصاً في ظل تزايد الاستعانة بالأبناء الصغار كمترجمين من دون معرفة بالمصطلحات الطبية مع ما يحمله ذلك من أعباء كارثية على الأبناء، فإنّ هذا المقترح يلقى، بحسب ما يبدو، تأييداً أوسع من قبل أحزاب أخرى في يمين الوسط وكذلك يسار الوسط، بما في ذلك الحزب الاجتماعي الديمقراطي المعارض، الذي يرى أنّه "من المنطقي أن يدفع من لم يتعلم لغتنا تكاليف الترجمة بنفسه"، بحسب ما يشدد مقرر شؤون الهجرة فيه ماتياس تسفاي.
وهؤلاء المشرّعون، مثلما يقول حزب الشعب، يرون أنّ "الأموال التي تُصرف من دون جدوى على أشخاص لم يرغبوا في تعلم لغة البلاد بعد مرور سنوات طويلة على هجرتهم، من الأفضل صرفها على كبار السنّ أو لمصلحة قطاعات أخرى". وهذا الموقف دعمته أمثلة قدّمتها الصحف وقنوات التلفزيون في تقارير متتالية عن "عيش بعض الناس 18 عاماً في البلد، في حين يطلبون مترجمين كلما أرادوا التواصل مع أيّ جهة في القطاع العام، بما في ذلك مكاتب التشغيل والبلديات والأطباء وروضات الأطفال والمدارس". ويؤكد المشرّعون أنّ "ذلك دليل على أنّ البعض لم يختر الاندماج في الأساس في المجتمع حيث يعيش".
من جهة أخرى، يرى منتقدو القانون أنّ فيه "إجحافاً بحق هؤلاء الذين يُصنّفون من ضمن الفئة الأكثر ضعفاً مالياً، إذ إنّهم سوف يضطرون إلى دفع كلفة ترجمة باهظة، لا سيّما أنّهم يعيشون بمعظمهم على المساعدات". وهذا الأمر تحديداً، أي تلقّي الإعانة، هو ما يثير رغبة سياسيي يمين الوسط، وبتأييد واضح من يسار الوسط، في وقفه "لكي يخرج الناس ويكونوا جزءاً من المجتمع، فلا بدّ لهم من الانخراط بسوق العمل وتعلم لغتنا"، بحسب ليندال. يأتي ذلك، في حين يُستثنى اللاجئون الذين تسري عليهم قوانين خاصة، من تسديد فواتير المترجمين. هؤلاء تشملهم معاهدات دولية خاصة، إذ إنّ الأمر يتعلق بمن حضر في إطار لمّ شمل وهجرة. لكن، بعد سنوات من إقامة اللاجئ، يُلزم بتسديد الفواتير بنفسه.
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة منتقدين في صفوف اليسار وبين الأطباء يخشون من "تدهور الوضع الصحي لفئة هشة تختار تقنين زيارة الأطباء بسبب التكاليف التي سوف تكون مرهقة لهم". وتؤكد الرابطة الدنماركية للطب والمرضى أنّ "أشخاصاً من تلك الفئة بدأوا منذ أوائل يوليو/ تموز الجاري، وبعد ثلاثة أعوام من الإقامة، يلغون زيارات مجدولة للمستشفيات والأطباء، وفي ذلك مخاطرة كبيرة". وتتوقع الرابطة "تراجع الاستشارات الطبية بين المهاجرين بسبب القانون الجديد، فما بالك مع التشدد فيه وفقاً للمقترح الذي يُناقَش حالياً".