يقول الدكتور اليوسف :"لم يتجاوز عرضهم لي 20 ألف دولار كأجر شهري، مع أنني كنت أحصل على 160 ألف دولار في مايو كلينك (مقابل إجراء العمليات)، لم أعترض كثيرا، إذ أريد خدمة بلدي، وكنت قد جمعت الكثير من المال فلم أهتم كثيرا بالفارق لاعتقادي أن هذه هي إمكانات المستشفى، ولكني فوجئت بأنهم أحضروا طبيبا أميركيا ليكون رئيسا للقسم الذي أعمل فيه، وبراتب 140 ألف دولار، والمصيبة الأكبر هي أن الطبيب الذي أحضروه كان أحد أسوأ الطلاب الذين درستهم في حياتي، كنت الذي أشرف على تعليمه، عندها قلت لا يمكن أن أقبل بذلك، فقدمت استقالتي فورا، وعدت إلى مايو كلينك بذات الراتب والوضع المهني، للأسف لم أحظى بالتقدير الذي أستحقه، ولكن في الولايات المتحدة الأميركية وجدت من يقدرني".
اقرأ أيضا: أسماك السعودية.. أسعار مرتفعة وأزمة صيد
العقول السعودية المهاجرة
وفقا لما وثقه معد التحقيق، فإن حالة الدكتور اليوسف ليست ظاهرة فردية، إذ إن المئات من السعوديين الناجحين، لم يجدوا فرصتهم في بلادهم، وتلقفتهم الولايات المتحدة وأوروبا، من بينهم الدكتورة غادة المطيري رئيسة قسم الأبحاث في جامعة كاليفورنيا، التي تحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية، وحاصلة على جائزة الإبداع العلمي في الولايات المتحدة، وتم اختيار اختراعها كواحد من أهم أربعة اختراعات أنجزت في أميركا في عام 2012 من قبل الكونغرس الأميركي.
حاولت المطيري أن تجد فرصتها في السعودية، ولكن الواسطة كانت تقف أمامها، بحسب تصريحات مقربين منها لـ"العربي الجديد"، على العكس من جامعة كاليفورنيا التي قدمت لها كل التسهيلات لمواصلة أبحاثها.
تعيش الدكتورة المطيري، في الولايات المتحدة، ومعها شقيقها الدكتور خالد الذي يعمل جراح تجميل في أميركا وشقيقها الثاني الدكتور عامر الأستاذ بجامعة هيوستن، وأيضا شقيقتها الدكتورة هبة طبيبة الأشعة في بوسطن.
الدكتور حسام الزواوي |
لم يختر الأخوة المطيري، البقاء في الولايات المتحدة الأميركية، ولكنهم لحقوا بالفرصة التي لم يجدوها في بلادهم، كما يؤكد المصدر المقرب من العائلة، وهو ما تكرر في حالة الدكتور حسام الزواوي المقيم في أستراليا، والدكتورة سارة العتيبي الحاصلة على المركز الأول على دفعتها في درجة الماجستير في تخصص تكنولوجيا الويب من كليه علوم الحاسب من جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، والدكتورة داليا بخاري التي اكتشفت تقنيات جديدة في إحياء الخلايا الجذعية، وتعمل حاليا في بريطانيا.
اقرأ أيضا: 60 ألف سعودي.. يطلبون العلاج وراء الحدود
مليون مهاجر سعودي
داخل مجلس الشوري السعودي، فجر عضو المجلس، الدكتور صدقة فاضل، نقاشا موسعا بتصريحاته التي قال فيها إن أكثر من مليون سعودي يشكلون نحو 5% من إجمالي عدد السعوديين، (بلغ عدد المواطنين السعوديين 20,271,058، بنهاية عام 2015، وفقاً لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن التي أعلنتها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات)، صاروا من المقيمين في الخارج بصفة دائمة.
فتحت تصريحات الدكتور فاضل، نقاشا مجتمعيا حول أسباب إقامة السعوديين في الخارج، وعدم استفادة بلدهم بهم، بعد أن سلطت التصريحات الضوء على هجرة السعوديون في الخارج، وطالب الأعضاء من الوزارات المعنية بضرورة عمل دراسة كاملة عن هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها، قبل أن تصبح مشكلة اجتماعية، "غير أن الأمر يحتاج لأكثر من مجرد دراسة، ولن يكون من السهل إغلاق هذا الملف بسهولة"، كما يؤكد أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد الربيعي، والذي يرى أن الأمر يثير الكثير من القلق، فالرقم كبير جدا، ولكن المهم فيه هو نسبة العقول الذكية من هذا الرقم.
يقول الدكتور الربيعي والمهتم برصد الظاهرة المتنامية، لـ"العربي الجديد:"علينا ألا نركز على الرقم كإحصاء مجرد، بل على قيمة المهاجرين، فعندما نجد أن دكتورة عالمية مثل غادة المطيري أو باحث مثل حسام الزواوي أو دكتور عالمي مثل محمد فقيه، يعيشون في الخارج ولا يستفيد الوطن منهم، يعطي أبحاثهم أي قيمة، بينما في كاليفورنيا منحوا غادة المطيري ثلاثة ملايين دولار ومختبرا متكاملا مع فريقها لكي تكمل أبحاثها وتكتشف تقنية مهمة في مجال النانو تكنولوجي الذي أحدث ثورة كبيرة في العالم".
ويتساءل الربيعي :"لو كان الدكتور الزواوي ما زال يعمل في جامعة الملك عبدالعزيز هل كان سيحقق ثورته العلمية في كشف الجرثومة الخارقة؟ أعتقد أنه كان أقصى ما سيصل له هو أستاذ جامعي، ولن تعلق صورته في شوارع مدينة برزبن الواقعة في شرق أستراليا، الجامعة السعودية لن توفر له المختبرات الضخمة التي عمل عليها".
"الأمثلة أكثر من أن تحصى"، كما يقول الدكتور سنان اليامي الحاصل على الدكتوراه في طب الأسنان، بعد أن اكتشف طريقة يمكن من خلالها إعادة بناء "مينا الأسنان" دون جراحة، وأرسل بحثه لأكثر من جامعة سعودية لتتبناه، ولم يوافق أحد منها عليه، يضيف الدكتور اليامي في تصريحات إلى "العربي الجديد": متابعا "انتظرت ثلاث سنوات دون فائدة"، ويضيف متحدثا من مقر سكنه في بالتيمور في الولايات المتحدة الأميركية: "على العكس من ذلك، فبعد شهرين من إرسال بحثي لجامعة برينستون، في نيو جيرسي تم الاتفاق على كل شيء، وقدموا لي منحة بـ750 ألف دولار لإكمال أبحاثي، وفرصة عمل لم أكن أحلم بها في السعودية، ومثلي كثيرون للأسف".
اقرأ أيضا: السعودية.. حملات تبرع وهمية تجمع 100 مليون ريال
أين يعيش السعوديون المهاجرون؟
لا توجد إحصائيات دقيقة عن السعوديين المهاجرين وتخصصاتهم، كما رصد معد التحقيق، عبر بحثه لدى مختلف الجهات ذات الصلة في المملكة، وبحسب بيانات غير رسمية، يقيم كثير من السعوديين في مصر والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر ولبنان، وأيضا في المغرب، ولكن لا توجد دراسة حكومية دقيقة في هذا الشأن، كما يؤكد الإعلامي السعودي المقيم في دبي بخيت الدلال، متابعا في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أكثر المهاجرين هم من الأطباء والباحثين، والإعلاميين، هناك نحو 100 ألف سعودي يعيشون في الكويت ودبي والأكثرية تعيش ما بين مصر بنحو 400 ألف سعودي واليمن بعدد مماثل، ويقول الدلال المهتم بملف السعوديين المقيمين في دول الخليج:"نخبة السعوديين المهاجرين هي الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وهم من طلبة الابتعاث الذين أنهوا دراستهم بتفوق ووجدوا فرص عمل أفضل هناك، ولم تقدرهم الجامعات السعودية".
وتابع الدلال "لدينا أكثر من 630 حاصلا على شهادة الدكتوراه من أرقى الجامعات الأميركية ومع ذلك لم يحصلوا على فرص عمل في بلادهم، بينما يوجد لدينا نحو 20 ألف أستاذ جامعي وافد، مثل هذا الخلل هو ما أجبر السعوديون على الهجرة، هم يريدون فرصة عمل حقيقية".
وليس كل المهاجرين السعوديين، هم من الباحثين أو الأطباء، بل إن كثيرا منهم رجال أعمال استقروا في أوربا أو شرق آسيا لوجود فرص تجارية أكبر، يضيف الدلال:"المهاجرون هم خليط من الطلاب المبتعثين، ورجال الأعمال والإعلاميين، وأيضا من الباحثين عن الحرية، والحياة الهادئة بعيدا عن القيود والتعقيدات الاجتماعية، ومنهم من عاشوا وتزوجوا وأنجبوا في بلاد الغربة، ولهذا لا بد من دراسة أكثر دقة لتحديد الأسباب، لكي لا تتضاعف الأرقام".
ومع وجود أكثر من 130 ألف طالب سعودي يدرسون في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، كما تؤكد الإحصاءات الرسمية السعودية، فإن رقم مليون مهاجر، لن يكون مستغربا لو تضاعف بعد أربع سنوات، ففي عام 2008، كان عدد السعوديين الذين يعيشون في الخارج لا يتجاوز نصف مليون سعودي، والآن يتحدث أعضاء مجلس الشوري عن بلوغ الرقم حاجز المليون، ولو استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فقد يتجاوز الرقم المليونين في أقل من أربع سنوات.