"هؤلاء خطر على المغاربة، سمعت أنهم يأكلون البشر، ولا أدري لماذا سمح لهم الدخول. لقد كثروا في البلاد، وتسببوا في انتشار مرض الإيدز في المغرب".
هذه عينة واحدة من العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة، المستقرون في المغرب. وعلى الرغم من أنّهم يعيشون في البلاد قسراً، في انتظار وصولهم الموعود إلى أوروبا، فإنّ كثيراً من المهاجرين استقروا في البلاد، وباتوا يواجهون عنصرية كبيرة من جهة، ويواجه معهم المواطنون المغاربة كثيراً من المشاكل الاجتماعية من جهة أخرى.
على الصعيد الرسمي، وقع المغرب عدداً من الاتفاقيات، التي تهدف إلى دمج المهاجرين وتسوية أوضاعهم. لكن ما زالت هناك العديد من المشاكل، التي تحول دون تحقيق هذا الهدف، خصوصاً أنّ عدداً ملحوظاً من المهاجرين يعاني من الاضطهاد، والعنصرية، وظروف العيش السيئة. عنصرية يشكل الذكور العدد الأكبر من المهاجرين، ويتحدر معظمهم من دول جنوب الصحراء.
ومن هؤلاء السنغالي عبدول (27 سنة) الذي هاجر إلى المغرب، قبل أكثر من سنتين، ويعيش في أحد أحياء العاصمة الرباط الشعبية. يقول لـ"العربي الجديد": "حاولت مراراً السفر إلى أوروبا ولم أنجح. وهنا أقاتل، منذ وصولي، من أجل البقاء، فليس لدي عمل، ولا سكن لائق، وتستمر السلطات في ملاحقتنا".
مثل هذا الوضع يدفع بعض المهاجرين إلى طرق أخرى لكسب القوت، ومنهم بينتا (23 سنة) التي تعيش في المغرب منذ أربع سنوات، وتضطر في كثير من الأحيان إلى التسول: "رغم كلّ شيء فإنّ المغاربة شعب كريم"، تقول بينتا.
في المقابل، يمارس كثيرٌ من المهاجرين تجارة الهواتف النقالة، والإكسسوارات، ومستحضرات التجميل، وبعض الأدوية المهربة من موريتانيا.
وينظر المغاربة إلى المهاجرين الأفارقة بطرق مختلفة، منهم المشجع ومنهم القلق ومنهم العنصري. ويعتبر إبراهيم (22 سنة، طالب) في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ على الحكومة أن "تسوي أوضاع مواطنيها وحقوقهم، قبل تسوية أوضاع غيرهم، فالشباب المغربي يعاني من البطالة، وهو الأجدر بالمبادرات".
من جهتها، تعبر صفاء (26 سنة، طالبة) عن قلقها من هجرة الأفارقة إلى المغرب، وتقول إنّ "المسألة ستكون لها تبعات سيئة على البلاد، لأنّ وضع المهاجرين غير معروف، ولا مدروس، ممّا جعل المتسولين الأفارقة، أكبر عدداً من المتسولين المغاربة حتى!".
لكنّ حسن (39 سنة، موظف في إحدى الوزارات المغربية)، في المقابل، يرحب بالمهاجرين الأفارقة. ويعلل ذلك بحاجة البلاد إلى يد عاملة، خصوصاً في المستقبل "مع تراجع عدد الولادات في المغرب".
ومع صعوبة تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة في المغرب، رغم المحاولات، فإنّ الحياة تجري بالنسبة لهؤلاء بقسوة بالغة، خصوصاً أنّ العنصرية تجاههم تتصاعد يوماً بعد يوم.
وتؤكد مريم (24 سنة، موظفة) التي تعيش في حي شعبي يقطنه كثير من المهاجرين، أنّها خبرت "عن قرب معنى العنصرية ضدهم، وشاهدت ظروف سكنهم غير اللائقة، وعدم قدرتهم على الحصول على عمل يضمن كرامتهم". وتصف مريم لـ"العربي الجديد" أصناف العنصرية ضد المهاجرين الأفارقة: "أقلها تمييزهم بلون البشرة" فيناديهم المغاربة "عزي"، أي أسود.
وتتابع إنّ "أصحاب سيارات الأجرة يشترطون عليهم، أن يدفعوا قبل الرحلة، خوفاً من السرقة.. وهذا في حال قبول السائقين بركوبهم". وفي سيارات الأجرة بالذات، يعاملهم الركاب المغاربة بانزعاج، "ويقفلون أنوفهم دلالة على الروائح الكريهة منهم".
من جانبها، تعبر السعدية، وهي سيدة مغربية، عن سعادتها لتمكنها من تأجير بيتها، القائم في حي شعبي في مدينة القنيطرة، للتو، بعد شهرين كاملين، لم تتمكن فيهما من تأجيره، عقب خروج مستأجرين أفارقة مهاجرين منه. تقول عن تلك الفترة "لم يعد في البيت إلا اسمه، فقد دمروا الجدران والأبواب والحنفيات... هؤلاء وحوش وليسوا بشراً".
وأضافت "في البداية أجّرته لستة اشخاص بمبلغ ألف درهم للشهر (نحو 120 دولاراً)، لكنني فوجئت بعدها بأعداد هائلة تفوق العشرين شخصاً من الرجال والنساء والأطفال، ما وضعني في مشاكل مع أهل الحي، بسبب الضوضاء والشجارات المتواصلة".
إشكالات واستغلال جنسي
تشهد بعض الأحياء التي يقطنها مهاجرون أفارقة اشتباكات، كالتي حصلت قبل حوالي فترة في الرباط. فقد شهد أحد أحياء العاصمة اشتباكات عنيفة بين العشرات من السكان والمهاجرين الأفارقة، استخدم الطرفان فيها السيوف والسواطير والهراوات. كما رميت الحجارة من نوافذ الأبنية وأسطح المنازل. وتسبب في الاشتباكات، خلاف صغير بين شاب مغربي وآخر من المهاجرين الأفارقة. فاستعان كلّ طرف بجماعته، وما لبثت الفوضى أن عمت الحيّ، وخلقت حالة من الرعب في المنطقة كلها.
وقال بعض السكان لـ"العربي الجديد"، إنّ المهاجرين باتوا يشكلون مصدر قلق لراحتهم، رغم أنّ بينهم أشخاصاً مسالمين لا يبحثون سوى عن لقمة عيشهم. كما اتهم سكان الحي، المهاجرين الأفارقة بالاتجار في المخدرات، والمشروبات الكحولية، والعمل في الدعارة. وهو وضع سيؤدي حتماً إلى صعوبة في التعايش بين المغاربة والمهاجرين الأفارقة، بحسب سكان الحيّ.
كما شهدت بعض أحياء مدينة طنجة، بدورها، إشكالات مماثلة. وهو ما أدى إلى خروج سكان بعض الأحياء في مسيرة احتجاجية، هي الأولى من نوعها، ليطالبوا، علناً، برحيل المهاجرين عن أحيائهم. مثل هذه التحركات تكشف عن صعوبة الدمج والتعايش بين المغاربة والمهاجرين الأفارقة. وهو ما يعزز استغلال المهاجرين والعنصرية تجاههم.
وعن ذلك تقول بينتا: إنّ بعض المهاجرات يعانين في المغرب من استغلال جنسي وعبودية. وتروي بينتا حكايات مؤلمة عن صديقاتها اللواتي تعرضن للاستغلال الجنسي أكثر من مرة. كما تروي قصصاً أخرى عن صديقاتها اللواتي يعملن في الخدمة المنزلية، وما يلاقينه من إهانة وسوء معاملة وتعذيب جسدي.
تقول بينتا: "معظم صديقاتي الخادمات لا يحصلن على الأجر نفسه الذي تأخذه الخادمة المغربية. كما أنّ بعض الأسر لا تقدم أيّ أجر، مكتفية بتقديم المأوى والغذاء للخادمة المهاجرة".