المنظومة الجبائية التونسية تستثني الأثرياء

19 أكتوبر 2015
تظاهرات تونسية مطالبة بالعدالة (فرانس برس)
+ الخط -
"0.05 دولار، قيمة إحدى الضرائب الغريبة التي يدفعها المواطن التونسي من أجل تمويل الإعلام العمومي". تقتطع إجبارياً من جيوب المواطنين، رغم أنّ التلفزيون الرسميّ يحتلّ المرتبة الأخيرة في نسبة المشاهدة. تعتبر هذه الضريبة واحدة من مئات الضرائب التي يدفعها المواطن تحت عناوين مختلفة.

تشير الخبيرة الماليّة نجوى الهمامي إلى أن النظام الضريبي في تونس لا يزال بعيداً عن تحقيق العدالة الاجتماعية، وتشرح أن المنظومة الجبائية تنقسم إلى ضرائب مباشرة تقتطع من الأرباح والمداخيل، وأخرى غير مباشرة، توضع على السلع والخدمات، يدفعها المستهلكون وهي تتراوح بين 12% و18%.

تقول "تعتمد الدولة بشكل رئيسي على الإيرادات الضريبية لتمويل الخزينة العامة، وقد وصلت نسبة الجباية لعام 2014، إلى سبعة مليارات دولار"، مشيرة إلى أنّ المواطنين وخاصة محدودي الدخل يساهمون بنحو 70% من الضرائب المباشرة المقتطعة من الدخل.
ليس هذا فحسب، إذ تضيف الخبيرة الماليّة أن "الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها تونس منذ سنوات دفعت الحكومة إلى زيادة الضرائب واستحداث أنماط مختلفة، بغية تعزيز مواردها الذاتيّة من دون زيادة تذكر في الأجور".

اقرأ أيضا: هل تعفي تونس عمن نهبوا الاقتصاد بحجة دعمه؟

أمّا عن عدد الضرائب التي تقتطع إجبارياً من مداخيل المواطنين، فتقول الهمّامي "علاوة على الضرائب المباشرة على الدخل وضرائب القيمة المضافة على السلع والخدمات، فقد عمدت الدولة إلى زيادة الضرائب الخاصة بتأمين السيّارات، إضافة على استحداث ضريبة التلوّث الناجمة عن استخدام المازوت في السيارات".

بالإضافة إلى ذلك، فقد تم فرض ضريبة على نشر القضايا لدى المحاكم التونسية، وذلك حسب درجة المحكمة، بحيث تبدأ الضرائب من 15 دولاراً في محاكم الاستئناف، وترتفع إلى 30 دولاراً في محاكم التعقيب والمحاكم الإدارية، بمردود سنوي يناهز مليوني دولار. كما تمّ سنّ قانون استثنائي في أغسطس/آب من عام 2014، لاقتطاع 1% من الدخل الشهريّ للمواطن تحت عنوان مساهمة ظرفيّة لفائدة ميزانية الدولة للأشخاص الذّين يتراوح دخلهم السنوي بين خمسة آلاف وعشرين ألف دولار.

وتبقى ضريبة الزواج، آخر إبداعات الحكومة في مواجهة عجز الموازنات، فقد تمّ فرض طابع جبائي بقيمة 15 دولاراً على عقود الزواج، هذا وتقدّر عدد الزيجات السنويّة بنحو 70 ألفاً.
"الضرائب لا تثقل إلا كاهل محدوديّ الدخل، والأزمة الاقتصاديّة لا تُعالج إلا من جيوبهم"، وفق ما يؤكده الخبير الاقتصادي نزار القرافي. ويوضح أنّ أصحاب المهن الحرة ورجال الأعمال، هم أكثر المتهرّبين من الضرائب في وقت لم يتم في تونس إخضاع التهرّب الضريبي إلى عقوبة جنائية تقتضي السجن، بل عوض أن تسعى الدولة بعد الثورة إلى عملية مساءلة جبائية، فإن أصوات بدأت تعلو تطالب بسنّ عفو ضريبي، تحت عنوان المصالحة الجبائيّة، وحاجة الدولة إلى تشجيع المتهربين على مواصلة استثماراتهم.

ويضيف القرافي" يدفع الموظّف العاديّ ما يناهز 60 دولاراً في الشهر في شكل ضرائب مباشرة، في حين لا يتجاوز ما يدفعه التاجر 30 دولاراً، أمّا الأطباء فيعمد غالبيتهم إلى إخفاء حجم معاملاتهم الحقيقيّة لتقتصر الضرائب إلى ما يقارب 300 دولار". هذا وتؤكّد العديد من الدراسات الصادرة عن وكالة النهوض بالصناعة، أن أكثر من 40 %من الشركات في تونس لا تدفع الضرائب.

الظلم الجبائيّ في منظومة الضرائب التونسيّة يجعل من الطبقة الوسطى تتحمّل وحدها تقريباً تمويل الخزينة العموميّة، حيث لا يساهم سوى 10% من أصحاب الأعمال الحرة في الموارد الجبائيّة، في حين يتمّ اقتطاع الضرائب مباشرة في الوزارات قبل تحويل الرواتب للموظّفين بحسب القرافي. وما يزيد من حالة التفاوت والضغط على تلك الفئات الاجتماعيّة الضعيفة هو تساويها مع المتهرّبين الضريبيّن في الإتاوات والضرائب على السلع والخدمات في المرافق العموميّة.

اقرأ أيضا: سالم العياري:لا حلول إلا بتغيير المنظومة الاقتصادية في تونس

ويؤكد أن الحكومات المتعاقبة لم تبد إرادة حقيقيّة في إصلاح المنظومة الجبائيّة، بل تبدو خاضعة تماماً لإرادة رجال الأعمال الذّين تعاظم دورهم السياسيّ خلال السنوات الماضية.
المساهمون