المنطقة الآمنة تُباعد بين تركيا وروسيا... واستفزازات موسكو علنية

15 فبراير 2017
يحاول أردوغان ترويج فكرة مشاركة عربية بطرد "داعش"(كيهان أوزير/الأناضول)
+ الخط -



لم يمضِ الكثير من الوقت على تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال جولته الخليجية، حول المنطقة الآمنة وطرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بقوى من التحالف الدولي من مدينة الرقة، حتى جاء الرد الروسي سريعاً، بإعلان حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) عن نيته تنظيم مؤتمر كردي، في العاصمة الروسية موسكو، لن تحضره سوى القوى الكردية التي تدور في الفلك الإيراني، وذلك وسط تصاعد الخلافات التركية الروسية حول المنطقة الآمنة والاستراتيجية العسكرية لضرب "داعش"، على الرغم من استمرار العمل في أستانة للتحضير لمؤتمر جنيف.
ولا يبدو أن استهداف سلاح الجو الروسي لعمليات "درع الفرات"، بالقرب من مدينة الباب والذي أودى بحياة 3 جنود أتراك، كان خطأ بقدر ما كان رسالة تحذيرية روسية لأنقرة لكبح جماحها في ما يخص التوسع في الأراضي السورية بالتعاون مع الإدارة الأميركية، والتي نجحت في ما يبدو بإثارة الخلاف بين الطرفين، عبر إعادة طرح المنطقة الآمنة والتعاون حول معركة الرقة، الأمر الذي تمت مناقشته بجدية، مع رئيس الاستخبارات التركية، حاقان فيدان، وأردوغان، خلال زيارة مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، مايك بومبيو، إلى العاصمة التركية أنقرة في 9 من فبراير/شباط الحالي.
وأكد مصدر تركي مطلع لـ"العربي الجديد" أن بومبيو لم يحمل معه خلال اللقاءات خطة متكاملة واضحة المعالم حول إنشاء المنطقة الآمنة، إلا أنه كان يحاول جر الأتراك للتعاون مع "الاتحاد الديمقراطي" في معركة الرقة، الأمر الذي رفضه المسؤولون الأتراك رفضاً قاطعاً. ووفق المصدر، قدّم الأتراك بدلاً من ذلك اقتراحاً بأن تشمل المنطقة الآمنة مناطق سيطرة "درع الفرات" في شمال سورية والمقدرة بحوالي ألفي كيلومتر مربع، إضافة إلى كل من منبج وتل رفعت الخاضعة لسيطرة "الاتحاد الديمقراطي"، على أن يتكفل الأتراك بتدريب قوات "المعارضة السورية العربية المعتدلة" لمدة ستة أشهر، وتكوين جيش سوري موحّد بدل الفصائل، بالتعاون مع الأميركيين، بهدف إيجاد قوى تكون قادرة على طرد "داعش"، وذلك بمشاركة عربية فاعلة، الأمر الذي يسعى الرئيس التركي للترويج له خلال جولته الخليجية التي تشمل الدوحة والمنامة والرياض.
وأوضح المصدر أن أنقرة حاولت التوافق مع موسكو حول الأمر، إلا أن الروس رفضوا المنطقة الآمنة رفضاً قاطعاً، وكذلك الخطوات التركية الهادفة لاستبعاد النظام السوري من عملية الرقة. ولمواجهة ذلك وفي سبيل منع أنقرة من محاولة قلب الطاولة على النظام، اقترحت موسكو أن تشمل المنطقة الآمنة كل مناطق الشمال السوري الخالية من "داعش"، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها "الاتحاد الديمقراطي"، مشيرين إلى إمكانية إصدار قرار في هذا الشأن من مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي لا يبدو أنه سيواجه أي عقبات.
وأشار المصدر التركي إلى أن "روسيا تلعب بورقة الكردستاني" في محاولة لضبط أنقرة التي تبدو وحيدة في مواجهة "العمال الكردستاني" في سورية، باستثناء الدعم العربي الأخير، ممثلاً بتصريحات وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، خلال زيارته الأخيرة" إلى أنقرة.
وبينما ترسل الإدارة الأميركية إشارات متضاربة حول إمكانية تخليها الجزئي عن "الاتحاد الديمقراطي" في سبيل تعزيز التعاون مع الاتراك، يبدو أن روسيا تحاول استمالة "الكردستاني" إلى جانبها، والعمل على إجراء تقاربات بينه وبين النظام السوري. وبحسب المصدر التركي، فإنه من غير المرجح أن تتخذ واشنطن قراراً نهائياً حول الاستراتيجية الجديدة الخاصة بسورية قبل صدور نتائج الاستفتاء الشعبي المقرر عقده في 16 أبريل/نيسان المقبل حول التعديلات الدستورية التركية، بينما تقوم بمراقبة تحركات "المعارضة السورية المعتدلة" المتحالفة مع الأتراك في ريف حلب، وقدرتها على إدارة المنطقة وتوحيد قواها، لذلك يعمل الأتراك على تسريع العمليات لإتمام السيطرة على مدينة الباب، في سبيل تقديم هذه القوى كأحد العناصر الرئيسية في أي حملة للسيطرة على الرقة من تنظيم "داعش".
في هذا السياق، ذكرت صحيفة "حرييت" التركية أمس الثلاثاء أن مقاتلي "درع الفرات" المدعومين من أنقرة أنشأوا مع قوات النظام السوري ممراً أمنياً لتجنب المواجهات بين الطرفين في المعركة لاستعادة مدينة الباب. وشبّهت "حرييت" هذا الشريط بمنطقة "الخط الأخضر" المنزوعة السلاح بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين في جزيرة قبرص. وتم إنشاء الممر في جنوب بلدة الباب ويتراوح عرضه بين 500 وألف متر، بحسب الصحيفة، التي أضافت أن اتصالات متفرقة تمت بين الفريقين المتحاربين.


يأتي ذلك بينما يحاول نظام الأسد بالتعاون مع الروس قطع الطريق أمام الأتراك باتجاه الرقة أو توسيع نفوذ أنقرة باتجاه منبج أو تل رفعت ومطار منغ. وفي وقت تجري فيه أحاديث عن إمكانية تسليم قوات "الاتحاد الديمقراطي" مناطق ريف حلب الشمالي التي سيطر عليها بدعم روسي للنظام السوري، في حال تعرض لضغوطات من الأتراك، يعمل النظام بجهود كبيرة للتقدّم شرف حلب باتجاه منبج والرقة، لقطع الطريق على الأتراك، أو على الأقل فرض تعاون تركي سوري في وقت لاحق حول معركة الرقة، في حال فشل الأتراك والأميركيون ودول الخليج في التوصل لاتفاق، واستمرت قوات "الاتحاد الديمقراطي" في التقدّم باتجاه الرقة.
في غضون ذلك، أعلن الجناح السوري لـ"العمال الكردستاني" عن نيته إقامة مؤتمر كردي في العاصمة الروسية موسكو، في 15 فبراير/شباط الحالي، أي بالتزامن مع اجتماعات أستانة التي ستجمع الروس والأتراك والإيرانيين للتحضير لمؤتمر جنيف. وستحضر المؤتمر الأحزاب الكردية التي تدور في فلك طهران، ممثلة بكل من حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" (برئاسة جلال طالباني)، وحركة "غوران" المنشقة عنه، بحضور ممثل عن حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي التركي للعمال الكردستاني). بينما لم يتم توجيه دعوات لكل من الحزب "الديمقراطي الكردستاني" أو الاحزاب المنضوية في المجلس الوطني السوري والمعروفين بقربهم من أنقرة، مما يدل على خطوة تصعيدية روسية ضد أنقرة.
وأكد ممثل حزب "الاتحاد الديمقراطي" في موسكو، عبد السلام علي، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن الحزب والإدارة الذاتية الديمقراطية يعملان "بالتعاون مع الروس لتنظيم مؤتمر الإدارة الذاتية الكردية"، مضيفاً: "قبل أن نبدأ بالتجهيز لهذا المؤتمر أكد لنا المسؤولون الروس أنهم يودون تنظيم مؤتمر كردي، ونحن دعونا مسؤولين من الخارجية الروسية لحضور المؤتمر، وقد يشاركون به".
وسيحضر المؤتمر الرئيسة المشاركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، آسيا العبدالله، والرئيس المشارك للإدارة الذاتية التي أعلن عنها "الاتحاد الديمقراطي" في عين العرب، أنور مسلم، والنائب عن حزب "الشعوب الديمقراطي" في البرلمان التركي، عثمان بايدمير، وممثلون عن حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" وحركة "غوران" وحزب "الاتحاد الإسلامي الكردي".
وأكد ممثل "الاتحاد الديمقراطي" في موسكو، أنه سيكون هناك مشاركون من القوى الكردية الإيرانية، إلا أنه لم يُعلن أسماءها، مشيراً إلى إنه "لم تتم دعوة الحزب الديمقراطي الكردستاني أو المجلس الوطني الكردي" المنضوي في الائتلاف الوطني السوري المعارض.
وأعلن رئيس المجلس الوطني الكردي السوري، إبراهيم برو، أن المجلس لم يتلق أي دعوة لحضور المؤتمر، سواء من السفارة الروسية في دمشق أو من قاعدة حميميم في اللاذقية أو من القنصلية الروسية في أربيل، مشيراً إلى أنه طالما لم يتم حل المشاكل بين المجلس و"الاتحاد الديمقراطي الكردي"، لن يكون هناك أي لقاء مفاجئ بين الطرفين.