لا تكاد تمر دورة انتخابية في العراق، منذ احتلال البلد ودخوله مرحلة الفوضى عام 2003 ولغاية اليوم، إلا وتشهد الكتب المدرسية تغييرات جذرية أو جزئية فيها، وفقاً لما يشتهي الوزير أو الغالبية البرلمانية.
وتكون التغييرات عادة ذات طبيعة سياسية أو دينية تتعلق بالتاريخ ومناهج التربية الإسلامية وحتى المناهج العلمية من الرياضيات والعلوم والفيزياء، واللغة الإنكليزية، ما يعني طباعة كتب جديدة تكلف الدولة موازنة كبيرة، وإدراج معلومات مختلفة بالكامل تلقي بثقلها على أستاذ المادة والطالب نفسه وكذلك أولياء الأمور.
وشهد العام الدراسي الحالي في العراق تغييراً في مواد دراسية بمختلف المراحل. يصفها مشرفون تربويون ومعلمون أنها زائدة عن الحاجة، ولا ضرورة لها. في حين تؤكد مصادر في وزارة التربية العراقية أن جميع التغييرات كانت بدفع من البرلمان أو من لجان شكلها الوزير تحمل فكراً أيديولوجيا معيناً، وغير مستقلة خصوصاً ما منها يتعلق بكتب التاريخ الإسلامي والتاريخ الحديث للعراق وكتب الجغرافية والتربية الإسلامية والتربية الأسرية ومواد علمية مختلفة
وحرصت المؤسسة التربوية العراقية منذ العهد الملكي في البلاد مطلع القرن الماضي، حين كانت وزارة المعارف المسؤولة عن إدارة القطاع التربوي في العراق ووضع مناهج ذات طابع مدني غير إسلامي أو طائفي، وتناول التاريخ الذي يراعي التعدد المذهبي والقومي بالعراق، إلا أن الحال اختلف اليوم كثيراً بعد الاحتلال.
وقالت معلمة اللغة العربية، هيفاء الجنابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التغييرات التي تطرأ على المناهج لا ترقى للمستوى المطلوب، وهناك أخطاء كثيرة مرت دون مراجعة، فضلاً عن عدم تمكن كثيرين من كوادر التدريس من تقديم المادة بالشكل الصحيح. وتمنت على لجنة تقديم الكتب المدرسية والمعنيين في وزارة التربية مراعاة الأهداف العامة والخاصة في تغيير الكتب، وفق تخطيط ودراسة شاملة لضمان نتائج إيجابية"
وقال أستاذ المناهج وطرائق التدريس، محسن علي عطية، لـ"العربي الجديد"، إن "الكتاب المدرسي العراقي يكاد يكون الوحيد في العالم الذي جرت عليه عمليات تغيير وتبديل خلال عقد ونيف من السنين. وما هو مؤسف في التغيير لم يستند للتقويم ومعايير تطوير محددة وفق فلسفة مشهود بسلامتها وسلامة أهدافها والحاجة إليها، إنما جاءت لتمثل أمزجة سياسية غير قائمة على فلسفة واحدة".
وأضاف "يؤخذ على عمليات التبديل أنها في جانب منها تخضع لسياسات لم تكن سليمة أو مدروسة، ولم يتم التثبت من نجاحها ودورها في تحقيق النمو المعرفي والاجتماعي والسلوكي للطالب، فضلاً عن أن عمليات التبديل لم تتحاش المضامين التي يمكن أن تنخر في وحدة المجتمع العراقي إنما قد تكرسها".
وتابع "أستطيع القول إن الاختيار خضع لأمزجة المؤلفين ومؤهلاتهم المعرفية أكثر من خضوعه لفلسفة المنهج التربوي والمادة العلمية، التي تكاد تكون ضعيفة
وأشار "بكل أسف يمكن القول إن التعليم في العراق، يمر بانتكاسة خطيرة. فهو يتراجع في كل مراحل التعليم من الابتدائية وحتى دراسة الدكتوراه. فمثلاً نجد تلميذاً يتخرج من الابتدائية وهو لا يعرف قراءة جملة واحدة ونجد حامل دكتوراه لا يخلو ما يكتبه من الكثير من الأخطاء الإملائية، ناهيك عن وجود مؤلفين لا تخلو عناوين كتبهم من أخطاء لغوية وعلمية".
وأعاد السبب إلى عدم وجود فلسفة تربوية واضحة معتمدة تتأسس عليها العمليات التربوية ونظم التعليم، وخضوع مدخلات التعليم للأمزجة والاجتهادات السياسية، فضلاً عن ضعف تأهيل كوادر التعليم لأداء المهمات المطلوبة منهم، ثم عدم وجود أهداف عامة تتصل بالحاجات المستقبلية للمتعلمين والمجتمع والدولة
مصادر في وزارة التربية العراقية اعتبرت أن عملية تغيير المناهج المتكررة بالعادة تكون من قبل لجنة المناهج في الوزارة، أو بتوصيات من البرلمان.
وقال مسؤول في الوزارة طلب عدم الكشف عن اسمه في حديث مع "العربي الجديد" إن "بعض المناهج كان من الضروري تغييرها، لكن هناك مناهج كان تغييرها بناءً على رغبة الساسة، وفيها لمسات دينية وفلسفة سياسية تحفظت على بعضها منظمة يونيسكو".
ولفت إلى أن "وزارة التربية تجد في التغيير المتكرر تعباً إضافياً لها، لكنها تكون مجبرة في بعض الأحيان"