استمعت إلى كل المناظرات السياسية داخل الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في الولايات المتحدة، وأكثر ما لفت نظري مناظرتا السبت والأحد (18و19 ديسمبر/كانون الأول 2015)، وقبيل بداية الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد للمسيح عليه السلام، رسول المحبة والإخاء، وعيد رأس السنة الميلادية احتفاء واحتفالاً بالعام الجديد 2016.
جمعت المناظرة الأولى التسعة المتقدمين، ويرأسهم دونالد ترامب، ويليه الأميركيان، من أصل كوبي، تيد كروز، ومن مواليد كندا، ماركو روبيو. بعدهما الطبيب من أصل إفريقي بن كارسون، وفي المركز الخامس جيب بوش. وكان موضوع النقاش الأساسي "الأمن الوطني الأميركي". كانوا جميعا متشددين ضد المسلمين، ولم أشعر بأي فارق كبير بين موقف دونالد ترامب الذي ما يزال يصر على عدم السماح بإدخال مسلمين إلى الولايات المتحدة، حتى ُتسنّ القوانين الرادعة والإجراءات الأمنية الكفيلة بعدم تكرار حادثة سان بيرناردينو في ولاية كاليفورنيا. ولعل أفضلهم جيب بوش الذي يحمّل الإدارة الحالية للرئيس أوباما المسؤولية، ويختلف مع ترامب في منع المسلمين من دخول أميركا. لكنه يريد إجراءاتٍ عسكرية أقوى ضد داعش والحركات الإرهابية الأخرى. والعجيب أن أكثرهم تشدداً الطبيب الهادئ بين كارسون، والمرشح عن المتدينين "الايفانجيليين" تيد كروز.
على الجانب الآخر، كان ثلاثة متناظرين من الحزب الديمقراطي، تتقدمهم هيلاري كلينتون، ويليها الليبرالي، بيرني ساندرز، وأخيراً مارتن أومالي.
وكان الفرق الأساسي بين كلينتون وساندرز معالجة الإرهاب في سورية، فالسيدة كلينتون ترى أن الولايات المتحدة مطالبة بفرض وجودها هنالك، وألا تترك الولايات المتحدة فراغاً يملأه الآخرون (روسيا تحديداً). أما بيرني ساندرز فقد اقتبس من الملك عبدالله الثاني في قوله إن المسلمين هم المعنيون، أولاً وقبل الآخرين، بالإرهاب، لأنه يسعى إلى انتزاع روح الدين، وقتل مسلمين أكثر مما يقتل من الآخرين. ومضى ساندرز، بناءً على ذلك، في القول إن الولايات المتحدة يجب أن تقود الحرب، لكنه ضد المشاركة العسكرية الكبيرة جواً أو أرضاً.
واضح أن الفائزين الأساسيين، في هذا النقاش، من الحزبين، هما دونالد ترامب الذي يبدو أن لديه فكراً جاهزاً، ورؤية غير معقدة، وقرارات حاسمة لمعالجة الأمن القومي الأميركي. وهذا، بالطبع، يستهوي كثيرين من أفراد الشعب الأميركي. لذلك، على الرغم من كل التوقعات السلبية بقرب سقوطه، ما يزال قوياً، وجاءت المناظرة الأخيرة داعمة مركزه المتقدم. الفائز الآخر من الحزب الديمقراطي هي هيلاري كلينتون، فتجربتها وزيرة خارجية سابقة، وسيدة أولى لواحد من ألمع الرؤساء الأميركيين وأكثرهم معرفة بالعالم، بيل كلينتون. ولذلك، لا شك أن الأمن القومي ضد المخاطر الخارجية كان ميدانها الذي تفوقت فيه على المتنافسين معها من حزبها الديمقراطي.
ماذا لو أسفر السباق على رئاسة الجمهورية الأميركية عن مرشحين هما كلينتون وترامب. فمن الذي سيفوز في الانتخابات؟ من الصعب التكهن من الآن بالنتيجة، فيبدو أن دونالد ترامب أتقن فن التواصل مع جمهوره والقاعدة البيضاء من الشعب الأميركي، وهو يبيع نفسه بذكاء، على أنه البديل الأنسب لباراك أوباما. من حيث الشكل، هو يبيع نفسه على أنه رجل أشقر مقابل أوباما ذي البشرة الداكنة، ويبيع شعره على أنه سابل ممتد، مقابل شعر أوباما القصير والمتعرج.
اقرأ أيضا: النفط والسياسة والاقتصاد
ونتذكّر أيضاً أن ترامب اتهم أوباما مرتين بأنه مسلم مولود خارج الولايات المتحدة وكندا. وبعبارة أخرى، فإن وجوده رئيساً أميركياً يخالف الدستور الأميركي الذي ينص على أن مكان مولد الرئيس ونائبه يجب أن يكون في الولايات المتحدة. ولذلك، يتبنى ترامب شعارات معادية للمسلمين، والأجانب عامة، وضد الهجرة، وضد البضائع الصينية، ما يقربه من أهواء الأميركان البيض. ولعل حملته ستزداد قوة إذا اختار معه المرشح الجمهوري في المركز الثاني، تيد كروز، ليكون نائبه، فهذا الرجل محسوب على مجموعة "زمرة شاي بوسطن" الجمهوريين، في أقصى اليمين والمتدينين، خصوصاً في الولايات الجنوبية.
كذلك، اكتسب دونالد ترامب مع الوقت خبرة في الحوار. ولديه أموال كافية تجعله قادراً على الإنفاق الكبير على حملته الانتخابية. ولذلك، لن يكون من السهل اعتباره منافساً ضعيفاً لهيلاري كلينتون.
من ناحية أخرى، لهيلاري أيضاً نقاط قوتها، فهي ليبرالية إلى حد ما، وامرأة ستصوّت لها النساء التوّاقات إلى رؤية رئيسةٍ للولايات المتحدة، مثلما حصل أولاً في آسيا، ثم أوروبا ثم إفريقيا. الأمر الثاني أن الحزب الجمهوري المنافس سوف ينقسم على نفسه انقساماً كبيراً، حتى بعد أن ترسو عمليات التصفية من بين المرشحين التسعة على فائز واحد، كائناً من كان، وإن كان ترامب المرشح الأقوى حتى الآن. وتتمتع هيلاري بخبرة قوية في إدارة الحملة الانتخابية، سواء التي اكتسبتها في العامين 1991/92 و 1995/96 حين شاركت زوجها في حملتيه وفاز فيهما. كما أنها كانت المرشحة ضد أوباما داخل الحزب الديمقراطي في الحملة الانتخابية عام 2011/2012، ولديها زوج خبير في هذا الشأن. وقد ساعدها في حملتها للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك مرتين في الأعوام 1999/2000، و2005/2006.
وإذا فاز أي من الجانبين في الانتخابات، ستكون للعالم العربي مواقف متباينة ومصالح مختلفة مع كل من هذين المرشحين. فهيلاري كلينتون الضاغطة من أجل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، والانفتاح على العالم، ستكون أقرب إلى الدول العربية، مثل مصر والعراق والمغرب وتونس وغيرها. وإذا فاز ترامب، فالأرجح أن تكون علاقاته أقوى مع دول الخليج، ولربما يصطف معها في إرسال قوات إلى سورية والعراق، ويكون أكثر تعاطفاً في اليمن. وهو رجل أعمال في أعماقه، ويريد مصالح الولايات المتحدة ومصالح رجال الأعمال. ولذلك، ستكون له لغة مشتركة أقوى مع دول الخليج. وبشأن الأردن، فإن أياً من المرشحين سيكون بالنسبة له سواء، فهو قادر بخبرته واتصالاته على أن يدخل في حوارٍ بنّاء معهما. وقد أثبت الملك عبدالله ذلك في تفاهمه مع جورج بوش الابن، ومع باراك أوباما. وله كذلك علاقات قوية مع أعضاء الكونغرس من الحزبين.
أما المنطقة، فلن تشهد هدوءاً في المدى القريب، على الرغم من اتفاق الأطراف المعنية على المرحلة الانتقالية في سورية. سوف يتطلب الأمر، في نهاية المطاف، قراراً عسكرياً.
اقرأ أيضا: روسيا وتركيا والوطن العربي
جمعت المناظرة الأولى التسعة المتقدمين، ويرأسهم دونالد ترامب، ويليه الأميركيان، من أصل كوبي، تيد كروز، ومن مواليد كندا، ماركو روبيو. بعدهما الطبيب من أصل إفريقي بن كارسون، وفي المركز الخامس جيب بوش. وكان موضوع النقاش الأساسي "الأمن الوطني الأميركي". كانوا جميعا متشددين ضد المسلمين، ولم أشعر بأي فارق كبير بين موقف دونالد ترامب الذي ما يزال يصر على عدم السماح بإدخال مسلمين إلى الولايات المتحدة، حتى ُتسنّ القوانين الرادعة والإجراءات الأمنية الكفيلة بعدم تكرار حادثة سان بيرناردينو في ولاية كاليفورنيا. ولعل أفضلهم جيب بوش الذي يحمّل الإدارة الحالية للرئيس أوباما المسؤولية، ويختلف مع ترامب في منع المسلمين من دخول أميركا. لكنه يريد إجراءاتٍ عسكرية أقوى ضد داعش والحركات الإرهابية الأخرى. والعجيب أن أكثرهم تشدداً الطبيب الهادئ بين كارسون، والمرشح عن المتدينين "الايفانجيليين" تيد كروز.
على الجانب الآخر، كان ثلاثة متناظرين من الحزب الديمقراطي، تتقدمهم هيلاري كلينتون، ويليها الليبرالي، بيرني ساندرز، وأخيراً مارتن أومالي.
وكان الفرق الأساسي بين كلينتون وساندرز معالجة الإرهاب في سورية، فالسيدة كلينتون ترى أن الولايات المتحدة مطالبة بفرض وجودها هنالك، وألا تترك الولايات المتحدة فراغاً يملأه الآخرون (روسيا تحديداً). أما بيرني ساندرز فقد اقتبس من الملك عبدالله الثاني في قوله إن المسلمين هم المعنيون، أولاً وقبل الآخرين، بالإرهاب، لأنه يسعى إلى انتزاع روح الدين، وقتل مسلمين أكثر مما يقتل من الآخرين. ومضى ساندرز، بناءً على ذلك، في القول إن الولايات المتحدة يجب أن تقود الحرب، لكنه ضد المشاركة العسكرية الكبيرة جواً أو أرضاً.
واضح أن الفائزين الأساسيين، في هذا النقاش، من الحزبين، هما دونالد ترامب الذي يبدو أن لديه فكراً جاهزاً، ورؤية غير معقدة، وقرارات حاسمة لمعالجة الأمن القومي الأميركي. وهذا، بالطبع، يستهوي كثيرين من أفراد الشعب الأميركي. لذلك، على الرغم من كل التوقعات السلبية بقرب سقوطه، ما يزال قوياً، وجاءت المناظرة الأخيرة داعمة مركزه المتقدم. الفائز الآخر من الحزب الديمقراطي هي هيلاري كلينتون، فتجربتها وزيرة خارجية سابقة، وسيدة أولى لواحد من ألمع الرؤساء الأميركيين وأكثرهم معرفة بالعالم، بيل كلينتون. ولذلك، لا شك أن الأمن القومي ضد المخاطر الخارجية كان ميدانها الذي تفوقت فيه على المتنافسين معها من حزبها الديمقراطي.
ماذا لو أسفر السباق على رئاسة الجمهورية الأميركية عن مرشحين هما كلينتون وترامب. فمن الذي سيفوز في الانتخابات؟ من الصعب التكهن من الآن بالنتيجة، فيبدو أن دونالد ترامب أتقن فن التواصل مع جمهوره والقاعدة البيضاء من الشعب الأميركي، وهو يبيع نفسه بذكاء، على أنه البديل الأنسب لباراك أوباما. من حيث الشكل، هو يبيع نفسه على أنه رجل أشقر مقابل أوباما ذي البشرة الداكنة، ويبيع شعره على أنه سابل ممتد، مقابل شعر أوباما القصير والمتعرج.
اقرأ أيضا: النفط والسياسة والاقتصاد
ونتذكّر أيضاً أن ترامب اتهم أوباما مرتين بأنه مسلم مولود خارج الولايات المتحدة وكندا. وبعبارة أخرى، فإن وجوده رئيساً أميركياً يخالف الدستور الأميركي الذي ينص على أن مكان مولد الرئيس ونائبه يجب أن يكون في الولايات المتحدة. ولذلك، يتبنى ترامب شعارات معادية للمسلمين، والأجانب عامة، وضد الهجرة، وضد البضائع الصينية، ما يقربه من أهواء الأميركان البيض. ولعل حملته ستزداد قوة إذا اختار معه المرشح الجمهوري في المركز الثاني، تيد كروز، ليكون نائبه، فهذا الرجل محسوب على مجموعة "زمرة شاي بوسطن" الجمهوريين، في أقصى اليمين والمتدينين، خصوصاً في الولايات الجنوبية.
كذلك، اكتسب دونالد ترامب مع الوقت خبرة في الحوار. ولديه أموال كافية تجعله قادراً على الإنفاق الكبير على حملته الانتخابية. ولذلك، لن يكون من السهل اعتباره منافساً ضعيفاً لهيلاري كلينتون.
من ناحية أخرى، لهيلاري أيضاً نقاط قوتها، فهي ليبرالية إلى حد ما، وامرأة ستصوّت لها النساء التوّاقات إلى رؤية رئيسةٍ للولايات المتحدة، مثلما حصل أولاً في آسيا، ثم أوروبا ثم إفريقيا. الأمر الثاني أن الحزب الجمهوري المنافس سوف ينقسم على نفسه انقساماً كبيراً، حتى بعد أن ترسو عمليات التصفية من بين المرشحين التسعة على فائز واحد، كائناً من كان، وإن كان ترامب المرشح الأقوى حتى الآن. وتتمتع هيلاري بخبرة قوية في إدارة الحملة الانتخابية، سواء التي اكتسبتها في العامين 1991/92 و 1995/96 حين شاركت زوجها في حملتيه وفاز فيهما. كما أنها كانت المرشحة ضد أوباما داخل الحزب الديمقراطي في الحملة الانتخابية عام 2011/2012، ولديها زوج خبير في هذا الشأن. وقد ساعدها في حملتها للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك مرتين في الأعوام 1999/2000، و2005/2006.
وإذا فاز أي من الجانبين في الانتخابات، ستكون للعالم العربي مواقف متباينة ومصالح مختلفة مع كل من هذين المرشحين. فهيلاري كلينتون الضاغطة من أجل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، والانفتاح على العالم، ستكون أقرب إلى الدول العربية، مثل مصر والعراق والمغرب وتونس وغيرها. وإذا فاز ترامب، فالأرجح أن تكون علاقاته أقوى مع دول الخليج، ولربما يصطف معها في إرسال قوات إلى سورية والعراق، ويكون أكثر تعاطفاً في اليمن. وهو رجل أعمال في أعماقه، ويريد مصالح الولايات المتحدة ومصالح رجال الأعمال. ولذلك، ستكون له لغة مشتركة أقوى مع دول الخليج. وبشأن الأردن، فإن أياً من المرشحين سيكون بالنسبة له سواء، فهو قادر بخبرته واتصالاته على أن يدخل في حوارٍ بنّاء معهما. وقد أثبت الملك عبدالله ذلك في تفاهمه مع جورج بوش الابن، ومع باراك أوباما. وله كذلك علاقات قوية مع أعضاء الكونغرس من الحزبين.
أما المنطقة، فلن تشهد هدوءاً في المدى القريب، على الرغم من اتفاق الأطراف المعنية على المرحلة الانتقالية في سورية. سوف يتطلب الأمر، في نهاية المطاف، قراراً عسكرياً.
اقرأ أيضا: روسيا وتركيا والوطن العربي