المناطق الساخنة:العراقيون يعيشون الفقر والبطالة والتشرد

26 أكتوبر 2015
المعاناة تلف المواطنين في العراق (الأناضول)
+ الخط -
يعاني العراقيون من ظروف اقتصادية ومعيشية تزداد صعوبة، مع مرور الوقت، في ظل الحرب التي بدأت منذ سنوات، بالإضافة إلى انتشار الفساد المالي، طيلة السنوات الماضية، والتخبط في القرارات الحكومية، ناهيك عما فرضه هبوط أسعار النفط منذ عام، حيث زادت إجراءات التقشف، والتي ألقت بظلالها على الحالة الاجتماعية للمواطن، بيد أن الأمر يزداد سوءاً كلما اتجهنا صوب المناطق الساخنة. 
الأمر يختلف بين منطقة وأخرى، تبعاً للظروف المحيطة بها، فالحال في الفلوجة التي تقع ضمن محافظة الأنبار وما حولها يختلف عنه في مناطق غرب الرمادي، الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أما المناطق التي لم تقع تحت يد التنظيم فلها شأن مختلف هي الأخرى.
يقول الإعلامي والناشط في الشؤون الإغاثية، مهند الحسيني، من مدينة الفلوجة لـ "العربي الجديد": "أدت الحرب في مناطق الأنبار إلى تراجع اقتصاد الفلوجة بشكل دراماتيكي، حيث تم التضييق على جهاتها الأربع، في المقابل سمح بافتتاح منفذ واحد وهو عبارة عن منفذين متداخلين هما "الشيحة" من جهة الصقلاوية، و"البوعبيد" من جهة الرمادي، وتكمن أهمية هذا المنفذ كونه يمثل خط الإمداد بين الفلوجة وبين المناطق الغربية. وعبر هذا المنفذ، يتم إدخال البضائع إلى الفلوجة". ويضيف: "إلا أن التضييق على هذا المنفذ يزداد يوماً بعد آخر".

الحصار المنظم

وبحسب الحسيني جاء ذلك التضييق، بعد قيام القوات الحكومية بالسيطرة على منطقة النعيمي، وتضييق الخناق من جهة الصقلاوية، إلا أنها لم تستطع السيطرة على منفذي البوعبيد والشيخة، لطبيعتهما الجغرافية وبقيا تحت سيطرة تنظيم داعش.

اقرأ أيضاً:إغراق العراق بالسلع الفاسدة

ووفقاً للحسيني فقد "عمد الجيش الحكومي بدلاً من محاولة السيطرة عليهما، إلى قصف هذه المنافذ، وقبل أسبوعين، قام الطيران الحكومي بقصف المنفذ، مؤكداً أنه "بعد هذا القصف ازدادت المعاناة في وصول البضائع وارتفعت الأسعار إلى الضعفين".
إلى ذلك، يشير الحسيني إلى أن "وصول البضائع إلى داخل المدينة في الأساس لم يكن أمراً سهلاً، فالبضائع تصل عبر ثلاث مراحل، أولاً عن طريق عبور الأنهار بالزوارق، بعد غلق المنافذ الترابية، فتعبر من منطقة البوعبيد، ثم تصل إلى منطقة الشيحة، ثم تعبر النهر، مرة أخرى، من الشيحة إلى جهة الصقلاوية، ثم تنقل إلى الفلوجة في المرحلة الثالثة، ما يعني أن البضائع تستغرق أياماً لوصولها إلى داخل المدينة".
من جهة أخرى، فقد أدت إجراءات الحكومة الأخيرة إلى زيادة معاناة المواطنين، خصوصاً وأن الحكومة، قطعت الرواتب عن الموظفين الحكوميين خلال الشهرين الأخيرين.
ويؤكد الحسيني، أن بعض الأسر في هذه المنطقة، يحاولون النزوح نحو مناطق أكثر استقراراً، فيما تفضل عوائل أخرى البقاء خوفاً من مواجهة صعوبات النزوح عند المعابر أو حتى في مخيمات اللجوء.
ولا تقف حدود المشكلة عند البقاء أو المغادرة، إذ وبحسب الحسيني، فإن إجراءات النزوح ليست سهلة، فتنظيم داعش يطلب من الأهالي تقديم طلب إلى ما يسمى (ديوان المحكمة الشرعية)، فيما يقوم الأخير عادة بإصدار أوامر رفض، فتعود الأسر إلى منازلها دون السماح لها بالمغادرة لمواجهة مصيرها المأساوي، أما بالنسبة إلى الأسر التي استطاعت النزوح، فتسدد بين 800 إلى ألف دولار عن طريق وسطاء مقربين من تنظيم داعش.

غياب القدرة الشرائية

بدوره يقول أبو زيد العبيدي، من مدينة هيت، التي تقع على الضفة الغربية من نهر الفرات إلى الشمال من مدينة الرمادي، "لا نعاني من ارتفاع الأسعار، أو شح المواد الاستهلاكية، لأن الطلب قليل جداً، كما يوجد مشكلة غياب الرواتب عن الموظفين، وغياب فرص العمل، ما يجعل إمكانية العيش دقيقة وحساسة".
يقول العبيدي "ساهم انخفاض الطلب الناجم عن انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن في انخفاض الأسعار، فمثلاً سعر الكيلوغرام من اللحم لا يتجاوز 6500 دينار، أما سعر الكيلوغرام من لحم الماعز يصل إلى 5000 دينار، والدجاج الحي الطازج فسعره في حدود ألفي دينار، ما يقارب 1.3 دولار، أما الخضراوات فأسعارها مناسبة، لأن المنطقة زراعية، وهناك صعوبة في نقل الإنتاج إلى مناطق أخرى، مما يسبب وفرةً في العرض في مقابل انخفاض الطلب".

اقرأ أيضاً:الكوليرا تفتك بالعراقيين... اسألوا عن الفساد

ويقول العبيدي "إن عدداً من الأسر يحصل على الدعم من صندوق الزكاة الذي يشرف عليه تنظيم داعش، ولكن هذا الدعم ليس كافياً حتى لهذا العدد المحدود". ويتابع "إن المشكلة الأكبر، اليوم، هي في شريحة موظفي الدولة الذين لم يكونوا فقراء، وأصبحوا كذلك بسبب قرار حكومي يصفه بعضهم بالطائفي"، وفق العبيدي.
أما مدينة حديثة التي لم يتمكن تنظيم الدولة "داعش" من دخولها، تعاني هي الأخرى من أوضاع اقتصادية صعبة، حيث تفوق معاناة المناطق الساخنة الأخرى، وذلك وفقاً لأحد مواطنيها الذي فضل عدم الكشف عن هويته، في اتصال مع "العربي الجديد"، مؤكداَ أن المدينة باتت تعتمد على بعض المعونات التي تصل بالطائرات من بغداد ومدن أخرى، ويتم توزيع بعضها عبر منظمات مقربة من الحكومة العراقية، بينما يتم سرقة بعضهم الآخر وبيعه في السوق السوداء بأسعار عالية جداً".
ويشير إلى أن الأسعار في مدينة الحديثة تعتبر مرتفعة جداً، حيث يصل سعر "شوال" مادة الدقيق إلى أكثر من 250 دولاراً، ما يزيد من معاناة المواطنين. ولذا يفضل كثير من المواطنين الحصول فقط على السلع الأساسية والضرورية التي تبقيهم على قيد الحياة فقط.
ويقول مهند العيساوي، مدير معهد بغداد لحقوق الإنسان، لـ "العربي الجديد"، "تعاني المناطق الساخنة من أزمات اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى غياب الاستقرار السياسي، والحرب الدائرة وما ينتج عنها من أوضاع خانقة، حتى جاءت قرارات الحكومة بقطع رواتب الموظفين لتزيد من حجم المعاناة". ويضيف: "لقد تأثر معظم السكان بسبب غياب الرواتب، لأن أغلبيتهم يعملون في القطاع الحكومي، وبالتالي لا يملكون أي موارد مالية أخرى غير رواتبهم، ما يجعل قرار الحكومة بقطع الرواتب قراراً غير إنساني".
ويلفت العيساوي إلى أن مسألة قطع الرواتب لا تتعلق فقط بعدم قدرة المواطنين لتسديد النفقات اليومية، بقدر ما تتعلق ببحث هؤلاء الموظفين عن موارد جديدة وفرص عمل، لإطعام أولادهم، وهو ما يعتبر من المخالفات الإدارية".
المساهمون