المقاوم والمسالم عندهم سيّان

04 مارس 2015
+ الخط -
امتدت طريقهم إلى ما يعتبرونه "العدالة" لإحدى عشرة سنة، لكنها لم تكن مُضنية، إذ لم يحبطهم أحد، ولم تدخل على خطوطهم اتصالات "حكماء" و"متريثين"، ولا مخابرات أجهزة وشخصيات سياسية، تنصحهم أو تزجرهم، لكي يعدلوا عن مسعاهم. لذا، لم يضجر هؤلاء ولم يتثاءبوا. امتشقوا لأنفسهم عنواناً مثيراً لعاطفة الفضاء الاجتماعي والسياسي الأميركي، إذ عُرفوا كممثلي عائلات "ضحايا الإرهاب الفلسطيني" الذين سقطوا في ست هجمات فلسطينية، بين عامي 2002 و 2004!
لم يكن هؤلاء بالطبع "مقطوعين من شجرة"، مثلما هو حال الفلسطينيين الذين يطالبهم الشقيق قبل العدو، بالامتناع عن الأنين، كلما أثخنتهم الجراح، وحلّت بهم الفواجع. وللأسف، يقوم معظم المنظمات غير الحكومية في فلسطين، بالمهام النقيضة لمهمة "شورات هادين" التي أسست الدعوى ضد السلطة الفلسطينية. وهذه منظمة متطرفة، في إهاب جمعية إسرائيلية لـ"حقوق الإنسان" في إسرائيل، نشأت في العام 2003، لكي ترفع دعاوى قضائية ضد مجموعات سمّتها إرهابية، وقد تأسست تقليداً لجمعية حقوق مدنية أميركية، في جنوبي الولايات المتحدة، معنية بمساعدة الفقراء على رفع دعاوى قضائية، ثم اهتمت بملاحقة مجموعات النازية الجديدة، وأعضاء منظمة "كو لاكس كلان" العنصرية المناهضة للسود. وقد لعبت شركة "آرنولد أند بيتر" القانونية، وهي إحدى أكبر شركات الخدمات القانونية في العالم، ومقرها في واشنطن، ولها زبائن من الحكومات العربية؛ في رفع الدعوى القضائية ضد منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وكان لرئيس مجلس إدارتها، كنت كالوفيتس، تحديداً، الدور الأبرز في تخليق ذريعة الدعوى، وهي أن السلطة الفلسطينية، ومن ورائها منظمة التحرير، أصل "الجرائم"، لأنهما لم تكتفيا برعاية ثقافة مشجعة على العمليات "الانتحارية"، وإنما أتاحتا كذلك لمنتسبيهما المشاركة في تنظيم وإعداد هجمات "إرهابية"، وأن ياسر عرفات كان حريصاً على دفع مخصصات لعائلات منفذي العمليات، ووصَفَهم شهداء!
موّال هؤلاء ملفّق، يحتقر السياسة ووقائع الأحداث. وهم غير مستعدين للتوقف أمام حقيقة أن التسوية كانت خيار عرفات الاستراتيجي، وما زال خيار السلطة. وقد قُتل زعيم الفلسطينيين عقاباً له على تشبثه بالسلام العادل. فهؤلاء لا يحترمون وقائع الإسهام الأمني للسلطة الفلسطينية في منع الهجمات، ويرون الفلسطينيين جميعاً منفذي أعمال عدائية ضدهم. وبالتالي، سيكون من الجنون دعم السلطة الفلسطينية بأية أموال. أما الحقائق والأسس التي يقوم عليها موقف الدعم المالي الأميركي للسلطة الفلسطينية؛ فإن مكانها عند المحكمة الفيدرالية الأميركية هو سلة المهملات، بعد اختصارها في ورقة ادعاء على الإدارة، بأنها تغذي إرهاباً!
الطريف أن المنظمة الصهيونية في أميركا ZAO حسمت الأمر بأن السلطة الفلسطينية كياناً إرهابياً، وبالتالي، يجب أن تُعامل على هذا الأساس، وأن تُقطع عنها المساعدات، وتُفرض عليها العقوبات. أما الدعوة إلى قيام دولة فلسطينية، فينبغي ألا تُسمع.
منظمة "شورات هادين" الإسرائيلية (أي ورقة القانون) أطلقت إشارة بدء مسيرة الأحد عشر عاماً، واستقطبت مؤيدين في أميركا، والهدف تنميط فلسطين وشعبها ومشروع تحققها الوطني، حالة إرهابية، مع غرامة 218 مليون دولار تعويضات!
المنظمات غير الحكومية التي أقيمت في فلسطين، بتمويل من الغرب، أنعش منتسبيها مالياً؛ فباسم الله وما شاء الله على اهتماماتها. تراها مشغولة، مثلاً، بالتفاعل المجتمعي، كأن تُقيم ما تسميه "ورشات عمل"، تستضيف شباناً وفتيات في فنادق، وفي الأماسي تعلو أدخنة النارجيلة. اهتمامات وملهيات سخيفة، وافتعال قضايا لا تشكل ظواهر متفشية. فلو نشطت منظمة غير حكومية لتأسيس علاقات مع منظمات حقوقية، تقاضي المجرمين الصهاينة، لانقطع عنها التمويل وعُدّت إرهابية. إن المقاوم والمسالم، سيّان، عند الصهيونية وأتباعها. ولا معنى للقانون عندهم إلا اللاعدالة. وبمسلكهم هذا، يستحثون إرهاباً يضاهيهم في القبح والجنون!