المغرب: 5 تحديات تواجه انتخابات 2021

01 اغسطس 2020
تواجه الأحزاب تحدي رفع نسبة المشاركة (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي يُنتظر فيه استئناف الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين وزارة الداخلية والأحزاب المغربية تحضيراً لانتخابات 2021 مباشرة بعد عطلة عيد الأضحى، تسود أجواء من الترقب من قبل مختلف الفاعلين السياسيين لما ستسفر عنه تلك المشاورات من نتائج في ظل وجود تحديات ضاغطة تفرض تجاوز المشاكل في المشهد السياسي وتعزيز المسار المؤسساتي والديمقراطي بإرجاع ثقة المواطنين فيه. وتأتي الانتخابات في ظل سياق سياسي مختلف عن سابقاتها، أبرز سماته وضع اقتصادي واجتماعي صعب فرضه تفشي فيروس كورونا، واستحقاقات مستقبلية تخص على وجه الخصوص تطبيق النموذج التنموي الجديد الذي يجري التحضير له حالياً، وكذلك نظام الجهوية الموسعة. كما تأتي الانتخابات المنتظرة صيف العام المقبل في سياق سياسي دقيق وصعب يتسم بفقدان المواطن الثقة في العملية السياسية والانتخابية، وفي ظل مطالب بإيجاد عقد سياسي جديد وميثاق جديد لحفظ السلم الاجتماعي، وكلها عناوين ذات أهمية كبرى في "مغرب ما بعد كورونا".

ولئن كانت رهانات مختلف الفاعلين، قبل نحو عام من الموعد الانتخابي، تختلف بحسب موقعهم السياسي وطموحاتهم، فإن مصير الانتخابات، التي سيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، علاوة على انتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان، مرتبط بالتغلب على العديد من التحديات التي يفرضها المشهد الحزبي المغربي، وكذلك تبعات أزمة متعددة الأوجه خلّفها تفشي فيروس كورونا.


يُتوقع أن تكون انتخابات 2021 محطة بلا رهانات سياسية كبرى، إذ لا تأتي في سياق إصلاحات، أو تحول ديمقراطي

وبينما تشير بعض التحليلات إلى أن انتخابات 2021 ستكون محطة بلا رهانات سياسية كبرى، إذ لا تأتي في سياق إصلاحات، أو تحول ديمقراطي، إلا أن الواقع السياسي لمغرب ما بعد كورونا يجعل تلك الاستحقاقات تحت تحديات ضاغطة تضاف إلى أخرى رافقت العملية الانتخابية في المحطات السابقة. وتمثل نسبة المشاركة في رابع انتخابات تجرى في عهد العاهل المغربي محمد السادس، تحدياً صعباً للدولة وللأحزاب بمختلف تلويناتها، على اعتبار أن أي عزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع سيعيد إلى الأذهان سيناريو انتخابات 2007 من تدني نسبة المشاركة إلى 37 في المائة، بل سيوجه ضربة موجعة إلى المسار الإصلاحي الذي انتهجه المغرب منذ الربيع العربي.

صحيح أن لا أحد من مصلحته تكرار سيناريو 7 سبتمبر/أيلول 2007، في ظل التحديات التي تواجه البلد والدولة والأحزاب مجتمعين، بيد أن الواقع السياسي المعيش منذ اعتماد دستور المملكة الجديد في 2011 يشير إلى استمرار السلوكيات والأسباب نفسها التي لا تغري الناخبين بالمشاركة.

وفي موازاة تحدي العزوف عن المشاركة، يبرز تحدٍ ثانٍ في وجه الدولة والأحزاب السياسية حول كيفية رفع منسوب ثقة المواطنين في الأحزاب وهيئات الوساطة وفي الانتخابات كآلية ديمقراطية، ولا سيما في ظل وجود أزمة ثقة في العملية السياسية والانتخابية، كما في القوى السياسية المرتبطة بها. وعلى الرغم مما جاء به الدستور الجديد، والمقتضيات القانونية المنظّمة للحياة الحزبية، لم يتمكّن الفاعل الحزبي من القطع مع الماضي، إذ ما زال فقدان الثقة من قبل المواطنين قائماً في ظل واقع حزبي يتميز بتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وعدم القدرة على القيام بالأدوار الدستورية المتمثلة في تأطير المواطنين وتكوينهم سياسياً، ما يجعل الناخب أمام واقع سياسي لا يغري على الإقبال على صناديق الاقتراع.


من بين أصعب التحديات، تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كورونا

ضمن هذا السياق، تبرز الحاجة الماسة إلى توفير الشروط السياسية لتعزيز الثقة الجماعية في مسار التحول الديمقراطي، من خلال إحداث انفراجة سياسية وحقوقية وتحقيق المصالحة مع المواطن عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات الرمزية لتشجيع المغاربة على مشاركة نوعية وفاعلة في الانتخابات المقبلة. وتبقى من أصعب التحديات التي يمكن مواجهتها في الاستحقاقات المقبلة تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن فيروس كورونا وتجاوز الاحتقان الاجتماعي الذي قد ينتج عنها وتنفيسه. فالتأثير السلبي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية جراء فيروس كورونا، على مستوى التشغيل أو القدرة الشرائية للمواطنين أو على دينامية الاحتجاجات، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى قدرة الدولة على تجاوز ذلك التأثير على الانتخابات الذي قد يصل إلى العزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع.

ويكمن رابع تحدٍ يواجه الانتخابات في إيجاد نخب جديدة ذات كفاءة قادرة على تطبيق النموذج التنموي الجديد، الذي يجري إعداده منذ أشهر من قبل لجنة عيّنها الملك محمد السادس. وتأتي صعوبة هذا التحدي من كون تحققه يرتبط بمدى قدرة الأحزاب على تجديد النخب السياسية الحالية وحسم الصراع مع النخبة التقليدية التي تمسك، منذ سنوات، بكل الخيوط داخل الهيئات الحزبية، وهي النخبة التي ستسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى الحفاظ على مواقعها ومصالحها في مواجهة أي طموح في التجديد والتغيير.

وإذا كانت الأحزاب المغربية اليوم مطالبة بتقديم أجود كفاءاتها، وأنجع برامجها، للمساهمة بشكل جماعي في تجاوز البلاد للأزمة، فإن انتخابات 2021 تشكل امتحاناً لكل الأحزاب السياسية، لجهة استيعاب المتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدها المغرب، والتي يفترض أن تعكسها البرامج المطروحة، واعتماد آليات ديمقراطية في الترشيح وتزكية الكفاءات القادرة على تحمل المسؤوليات، وتطوير آليات التواصل الانتخابي.

وعلى الرغم من أن الانتخابات المقبلة، تعتبر ثالث انتخابات في ظل دستور يوليو/تموز 2011، فإن أهميتها تكمن عموماً في أنها تشكل إحدى الآليات السياسية التي يستند إليها النظام لتكريس النموذج السياسي المغربي، الذي يقوم على الإصلاح في إطار الاستمرارية. وعلى هذا الأساس يبرز تحدٍ آخر يرتبط بمرور هذا الاستحقاق في ظروف سليمة تدعم التنافس الشريف، واحترام إرادة الناخب، وتضمن في النهاية، تكريس مصداقية العملية الانتخابية في الداخل والخارج.

المساهمون