برحيل السوسيولوجية، فاطمة المرنيسي، والناقد، مصطفى المسناوي، يكون الوسط الثقافي في المغرب قد ودّع السنة على أثر الغياب.
تزامن هذا الرحيل بانطلاق أشغال اللجنة العليا التنظيمية الخاصة بـ "المجلس الأعلى للغات والثقافة"، على وقع احتجاجات بعض الإطارات المدنيّة من إقصائها في أشغال المجلس.
خصوصاً أن المشهد الثقافي ظل يراهن على هذه المؤسسة لرسم معالم السياسة الثقافية في المغرب، والتي تعيش نفس الاختلالات التي تتجدّد كل عام؛ من انحسار المقروئية وتراجع تداول الكِتاب والخفوت الملحوظ لصوت المثقف وفاعليته في المشهد، فضلاً عن التهلهل التنظيمي المتواصل للعديد من الأطر الثقافية التقليدية في المغرب (كاتحاد كتاب المغرب)، والتي لم تستطع أن تواكب أسئلة التحوّلات التي تعيشها البلاد في السنوات الأخيرة.
يعرف المغرب سنوياً تنظيم العديد من المهرجانات الثقافية والفنية، كثيرٌ منها يحظى برعاية مؤسساتية، في حين تنتظم أخرى ضمن تراكم حقّقته بعض التظاهرات ضمن سياسة الدعم الثقافي.
تقريباً، لا يمكن أن تجد مدينة في المغرب لا تعرف تنظيم مهرجانها السنوي، سواء كانت مهرجانات موسيقية أو مسرحية أو أدبية أو متنوعة، في ما يصفه بعضهم بـ "البهرجة" من دون هوية تنظيمية، أو تلك التي غدت تؤسّس سنوياً للاحتفاء بالإنتاجات التعبيرية مغربية وعربياً ودولياً.
وإذا كان للفن السابع النصيب الأوفر من خريطة المهرجانات، فإن باقي الأجناس التعبيرية تحضر هنا وهناك ضمن مهرجانات محورية تهتم بالشعر والقصة والمسرح والتراث والترجمة والرواية والتشكيل.
شكّل مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة، والذي نظمته وزارة الثقافة المغربية بتعاون وتنسيق مع "الهيئة العربية للمسرح" في الشارقة مطلع 2015، مفتتحاً لانطلاق هذه الفعاليات. وهو ما اعتبر دخولاً مسرحياً ثقافياً في المغرب، بحكم حجم المشاركات العربية والضيوف الذين ساهموا، طيلة الأيام العشرة، في الندوات أو من خلال العروض المسرحية التي تنافست على الجائزة الكبرى والتي توّجت في النهاية العرض الفلسطيني "خيل تايهة".
كما اعتبر مهرجان مراكش الدولي للفيلم في ديسمبر/كانون الماضي، اختتاماً لسلسلة المهرجانات التي شهدها العام في المغرب. اعتُبر المهرجان ممثلاً لصورة المغرب اليوم، في ظل تكرار الاحتجاجات من الهيمنة الفرنسية في التنظيم، ومن تهميش الكفاءات والفنانين المغاربة.
ظاهرياً، لا يبدو أن ثمة ما يجمع بين هذه المهرجانات، غير أن كثيراً منها يعرف احتجاجاً متواصلاً عليه من قبل المجتمع المدني، كما هو حال "مهرجان موازين للموسيقى"، خصوصاً في جانب الموارد المالية الكبرى التي ترصد له.
بينما تحفل بعض المدن، والتي تقع خارج محور مراكز المدن الكبرى كمراكش والدار البيضاء وفاس والرباط، بملتقيات ومهرجانات تنظمها مؤسسات المجتمع المدني، وصل بعضها الى إعلان التأجيل أو توقيف تظاهراتها نظراً لغياب التمويل، فيما يصرّ بعضهم على الاستمرارية. وهو ما يقدّم صورة قاتمة عن السياسة الثقافية اليوم، والتي من المنتظر أن يساهم تأسيس وتشكيل "المجلس الأعلى للغات والثقافة" في ملء فراغها.
التراجع اللافت، اليوم، لبعض الأطر الثقافية في المغرب، كرّس خطاباً جديداً وصل إلى حد اعتبار المثقف المغربي غير معني بالأساس، اليوم، بالتحوّلات التي تحدث.
وزاد من حضور هذه المقولة استمرار تراجع الأطر التقليدية، كـ "اتحاد كتّاب المغرب"، وهو تجمع مستقل للكتّاب والمثقفين المغاربة. في المقابل حضرت بعض الأطر المدنية الجديدة، من خلال مباشرتها مواضيع محورية تهم "الخطاب الديني"، و"ثقافة حقوق الإنسان"، و"النقد الأدبي"، و"الحريات" ومواضيع أخرى ساهمت ضمن حلقة اشتغالها في المحافظة على إسماع صوت الباحث والكاتب المغربي وموقفه من الأسئلة "الحارقة" التي تهم المشهد الثقافي.
وعلى الرغم من استمرار وتيرة المطبوعات والإصدارات المغربية، وتزايد الإنتاج السينمائي، وكثرة الإقامات الفنية الخاصة بالفنون البصرية. ظلّت أسئلة المقروئية وانحسار تداول الكِتاب وتراجع القرّاء، من ضمن الأسئلة التي تتكرّر في كل مقاربة تستكشف الوضع الثقافي في المغرب.
ولم تستطع وزارة الثقافة، والتي تُصدر مجلّتين هما "الثقافة المغربية" التي توقفت و"المناهل"، من الحفاظ هي أيضاً على وتيرة الانخراط في هذا المجال، خصوصاً على صعيد البعد التنظيمي، والتعامل مع طلبات الدعم الخاصة بإصدار الكتب والمجلات. وهكذا عاد الناشرون لاستلام زمام الأمور من الوزارة ومن الكاتب، فيما يظل الكاتب نفسه والقارئ هما الحلقة الأضعف.
من جهة أخرى، دخلت إلى المشهد الثقافي في السنة المنقضية، أصوات شابة جديدة في مجالات معرفية وأدبية متعددة. وعلى الرغم من الاحتجاج الذي عرفته "جائزة المغرب للكتاب"، والذي تجدّد السنة الحالية ضمن افتتاح "المعرض الدولي للكتاب" في الدار البيضاء بعد حجب جائزة المغرب للشعر على إثر تسريبات وتضاربات في أقوال لجنة التحكيم، فإن كثيراً من الأسماء الثقافية المغربية حصدت جوائز عربية.
الروائي المغربي عبد الرحيم حبيبي حضرت روايته "تغريبة العبدي" ضمن اللائحة القصيرة لـ "جائزة البوكر العربية"، حضر في جائزة "كتارا" كل من الروائيين المغربيين عبد الجليل التهامي الوزاني وزكريا أبو ماريا في فرع الروايات غير المنشورة، وهو ما مكّن الوسط الثقافي المغربي من اكتشاف اسمين غير متداولين في الإعلام الثقافي، خصوصاً أن الروائي الثاني زكريا أبو ماريا سبق له أن فاز بجائزة الطيب صالح السودانية في فرع المسرح، وبحكم انتمائه لما يعرف بـ "مغرب الهامش" فقد ظل الاسم غائباً عن المشهد الثقافي.
كذلك استطاعت "شبكة القراءة في المغرب"، كفاعل جديد داخل الوسط الثقافي، أن تنخرط في الإشكالات المرتبطة بالنشر والقراءة والكتاب، ونظمت ندوات تدفع في اتجاه خلق ترسانة قوانين قادرة على حل جزء من إشكالات الوضع القرائي وانحساره.
ما تمثله الشبكة وما تمثله هذه الوجوه الأدبية الجديدة، ربما يؤشر إلى تحوّل تدريجي في الوسط الثقافي المغربي. وهو تحوّل ساهمت في ظهوره بشكل قوي انتكاسات المشهد واختلالات الوسط وتراجع دور ووظيفة بعض الأطر التقليدية الثقافية وتراجع دور المثقف والكاتب المغربي عما كان عليه في عقود سابقة.
اقرأ أيضاً: المغرب: دخول أدبي من أبواب ضيقة