فقدت الساحة السياسية في المغرب أحد أكبر الزعماء الحزبيين التاريخيين، وهو امحمد بوستة، الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال، وذلك بعد أن سلم الروح لبارئها في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، عن عمر ناهز 92 عاماً.
وتدهورت صحة امحمد بوستة في الأسابيع القليلة الأخيرة، ما جعله يضطر إلى دخول المستشفى العسكري بالرباط، حيث زاره العاهل المغربي، الملك محمد السادس، أكثر من مرة على فراش المرض ليطمئن على صحته.
واشتهر بوستة بلقب "الحكيم"، بالنظر إلى سمات التريث وبعد الرؤية التي كان يتميّز بها في حياته، وأحياناً أخرى بلقب "الزعيم الصامت"، نظراً لقلة تصريحاته الإعلامية، خاصة بعد أن انسحب من المشهد السياسي.
ويسجل التاريخ السياسي المعاصر في المغرب أن بوستة استطاع أن يواجه الملك الراحل القوي، الحسن الثاني، برفضه منصب الوزير الأول في حكومة يشارك فيها وزير الداخلية الشهير، إدريس البصري، وهو الرجل الذي حاز ثقة العاهل الراحل.
وولد بوستة سنة 1925 بمدينة مراكش، حيث التصقت به روح النكتة التي عرف بها سكان هذه المدينة الجنوبية، والتي درس فيها المرحلة الابتدائية والثانوية، ليكمل بعدها دراسته الجامعية في جامعة السوربون الفرنسية في تخصص القانون والفلسفة.
ودخل بوستة الوظائف الحكومية مبكراً، إذ عمل وكيلاً في الشؤون الخارجية في حكومة أحمد بلفريج عام 1958، ووزيراً للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري عام 1961، وتولى منصب وزير الخارجية في حكومة أحمد عصمان، لكنه قدم اسقالته منها عام 1963 رفقة الزعيم علال الفاسي.
وعاد بوستة إلى أضواء السياسة والحكومة بتوليه منصب وزير الخارجية في الفترة الممتدة بين 1977 و1983، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وأما في فترة الملك الحالي فقد شغل عام 2000 رئاسة اللجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة.
وتسلم بوستة خلال سنة 2003 من الملك محمد السادس وسام العرش، وحصل يوم 16 فبراير/شباط 2012 على وسام "نجمة القدس" من السلطة الفلسطينية، تقديراً لدوره في نصرة القضية الفلسطينية.
وظل بوستة بعيداً عن أضواء السياسة وانشغالات حزب الاستقلال، لكنه كان مرجعاً لعدد من القيادات داخل حزبه، حيث يتم اللجوء إليه للتحكيم في الخلافات الطارئة، كما أنه لعب دوراً كبيراً في المصالحة داخل "الاستقلال" بين قيادته وتيار "بلا هوادة" الذي أعلن رفضه قرارات حميد شباط، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها.