يتوجه المغرب نحو التخلي عن سياسة "الكرسي الفارغ" التي انتهجها بعد انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية التي قبلت عضوية جبهة البوليساريو عام 1984. ويبدو أن هذا التحول الدبلوماسي في سياسة المغرب يرمي إلى قطع الطريق أمام خصوم وحدة المملكة، خصوصاً جبهة البوليساريو ومن يدعمها من الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا وزيمبابوي.
المغرب وجنوب أفريقيا
والمنحى الجديد للدبلوماسية المغربية المتعلقة بملف الصحراء، يظهر من خلال لقاء حصل أمس بين الملك محمد السادس والرئيس جنوب أفريقي جاكوب زوما، جرى الاتفاق خلاله على تطوير العلاقات المجمدة بسبب ملف الصحراء، بسبب مساندة بريتوريا لمطالب البوليساريو على حساب مقترح المغرب المتعلقة بمنحهم الحكم الذاتي في الصحراء.
ولم يكتف اللقاء بين العاهل المغربي ورئيس جنوب أفريقيا بالاتفاق على تطوير العلاقات، وإنما تعداه الى رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين الى مستوى سفيرين رفيعي المستوى.
المغرب وزيمبابوي
وقبل لقاء العاهل المغربي بـِزوما، كان الملك قد أشاد بتقلد الرئيس الزيمبابوي الجديد الحكم في بلاده خلفاً للرئيس المقال روبرت موغابي، أشد خصوم المملكة في ملف الصحراء، من خلال تبنيه فكرة انفصال البوليساريو عن المغرب.
المغرب والجزائر
كما لاقت المصافحة العابرة التي حدثت أمس في أبيدجان بين رئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحيى، والملك المغربي، محمد السادس، على هامش القمة الأوروبية الأفريقية، تفاعلاً لافتاً. واعتبرها بعض المعلقين فاتحة قد تسهم في تخفيف التوتر بين البلدين، خصوصاً على خلفية الأزمة التي خلفتها تصريحات وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، المتشنجة ضد المغرب، التي اتهم فيها الدار البيضاء بتبييض أموال المخدرات في بنوك مغربية تنشط في دول أفريقية.
واعتبر مستشار الرئيس الجزائري السابق، محي الدين عميمور، أن في المصافحة رسائل سياسية ذكية، "المصافحة تمت على رؤوس الأشهاد وفي مؤتمر دولي قيل لكثيرين فيه إن الجزائر تكره المغرب، وأويحيى صافح الملك بشكل عادي وبدون انحناء، وهذه في رأيي رسائل ذكية". لكن الباحث والناشط السياسي، محمد أرزقي فراد، يعتبر أنها عرف دبلوماسي فضّل رئيس الحكومة الجزائرية احترامه، ولا يمكن تحميله أكثر.
وقال إن "الدبلوماسية لها أعرافها، علماً أن العلاقة بين البلدين قائمة، وعليه فلا داعي للنفور، ثم إن الدبلوماسية تعني الحذاقة والسلاسة، وهي في نهاية المطاف مساع للحفاظ على شعرة معاوية في التواصل مع الجيران، حفاظاً على المصالح المشتركة بين البلدين".
ويرى مراقبون أن المصافحة العابرة بين الجانبين، لن تؤدي لأي تطور في العلاقات التي تحفل بكثير من التوتر، خصوصاً وأن حالات سابقة وتواصلاً مباشراً بين الرئيس الجزائري والملك المغربي، والرسائل المتبادلة لم تصحح الوضع، سواء على مستوى وقف المشاحنات السياسية والإعلامية، أو توجه نحو فتح الحدود البرية المغلقة منذ عام 1995.
وتعقيباً على السياسة المغربية الجديدة، يرى الخبير في العلاقات الدولية الدكتور سعيد الصديقي، إنه "كان لا بد أن يعطي النهج الدبلوماسي الجديد للمغرب تجاه أفريقيا مثل هذه النتائج، فحضوره في مختلف الملتقيات والمؤتمرات الأفريقية خلال الشهور الأخيرة، وإطلاقه مشاريع استثمارية كبيرة جعلت منه فاعلاً رئيسياً في القارة السمراء".
وشدد الصديقي في تصريحات لـ"العربي الجديد" على أنه "كان لا بد أن يحدث مثل هذا التقارب مع جنوب أفريقيا التي تخلو علاقتها مع المغرب من تناقضات كبيرة. فباستثناء قضية الصحراء يمكن للدولتين أن تكون سياستهما الأفريقية متكاملة، لا سيما أنهما متباعدتان جغرافياً، ولا تهدد إحداهما الأخرى في الجيوستراتيجية المباشرة".
ولفت إلى أن "الدار البيضاء باتت مقتنعة أن النهج الناجع لمحاصرة محاولات انفصال البوليساريو يقضي بتجاهلها، وذلك بمواصلة سياسة تعزيز حضورها في القارة والانفتاح على مختلف الدول، خصوصاً ذات النفوذ بما فيها تلك المساندة للبوليساريو مثل جنوب أفريقيا، تماماً كما فعل مع نيجيريا. وكذلك تقديم مبادرات كبيرة في إطار منظمة الاتحاد الأفريقي وباقي المنظمات الأفريقية الفرعية، وبعدها سيكون تخلي الأفارقة عن فكرة الانفصال مجرد تحصيل حاصل".