المغرب والانفتاح نحو روسيا والصين: عودة لتوازنات الحرب الباردة

29 اغسطس 2014
الملك سيزور بكين و موسكو قريباً (فرانس برس/ Getty)
+ الخط -

بدأت الدبلوماسية المغربية "تتحرّر" تدريجياً من الارتباط السياسي والاقتصادي الذي لطالما ربطها بمعسكر الدول الغربية خلال عقود مضت، من خلال التوجه نحو إقامة علاقات أكثر تميزاً مع روسيا والصين. ويرى محللون أن حرص ملك المغرب، محمد السادس، اليوم، على ذكر روسيا والصين، أكثر من مرة في خطاباته الرسمية الأخيرة، في سياق حديثه عن تطوير العلاقات المستقبلية للمملكة مع دول العالم، إشارة قوية إلى تحول طرأ على دبلوماسية البلاد، نحو هذه القوى الدولية. وخص العاهل المغربي، في خطابي "ثورة الملك والشعب" و"عيد العرش"، روسيا والصين بإعلان الرغبة في تعزيز العلاقات الثنائية معهما، فتوقف عند ما سمّاه "الشراكة الاستراتيجية التي نعمل على تعميقها مع روسيا، إضافة إلى الشراكة التي نبلورها حالياً مع الصين".
ومن المنتظر أن يزور الملك كلاً من بكين وموسكو، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، إذ كان من المقرر أن يقوم بزيارة عمل لروسيا، لكنها تأجلت بهدف الإعداد الجيد لمحاور شراكة سياسية واقتصادية متينة، يتم الاتفاق عليها بين البلدين.

علاقات "رابح ـ رابح"

ويسعى المغرب إلى سحب البساط قليلاً من تحت أرجل شركائه الدوليين التقليديين، خصوصاً فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، متجهاً نحو روسيا والصين، أملاً في الحصول على ثمار سياسية، قد يجنيها بفضل علاقاته مع هذين البلدين، في ملف نزاعه حول الصحراء مع جبهة البوليساريو.

وتطمح الرباط من التوجه نحو روسيا، إلى أن تدعم أكثر موقفها في قضية الصحراء، وخصوصاً أن موسكو ساندت المغرب بشكل حاسم، في السنة الماضية، في استبعاد المقترح الأميركي الذي نص على توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة، لتطال مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وهو ما رفضته المملكة بشدة. وليست الصحراء وحدها ما يدفع الدبلوماسية المغربية نحو تعزيز العلاقات الثنائية مع روسيا، إذ يبرز أيضاً عامل تجارة السلاح، الذي يمكن أن تعتمد عليه الرباط في صفقات التسلح التي تبرمها مع فرنسا وأميركا، لتشكل بذلك منافسة للجزائر التي تعتبر زبوناً تقليدياً لروسيا.

في المقابل، تسعى الصين إلى الاستفادة من علاقات تجارية مربحة مع المملكة من خلال تسهيلات تُقدم إلى رجال الأعمال الصينيين لاقتحام السوق المغربية، بينما قد تستفيد روسيا من المغرب سياسياً في سياق بحث موسكو عن أصدقاء جدد في العالم.

وفي حالة تحسّن الشراكة الاستراتيجية، التي ينتظر أن يقيمها المغرب مع روسيا، يتوقع مراقبون أن تطلب موسكو من الرباط تسهيلات عسكرية لسفنها الحربية، التي عادت إلى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، حتى تستطيع الرسو في الموانئ المغربية.

توازن في العلاقات

يعتبر الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور سعيد الصديقي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "غياب الاستقطاب الحاد الذي كان سائداً في الماضي بين القوى الدول الكبرى، سمح للمغرب بانتهاج دبلوماسية جديدة، تنفتح على مختلف الفاعلين المؤثرين، وتنوع الشركاء السياسيين". كما يوضح الصديقي أن "الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والولايات المتحدة، التي أرادت تقديم مقترح إلى مجلس الأمن لتوسيع مهام بعثة الأمم المتحدة، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، تؤكد أنه ليس من مصلحة المغرب الاستراتيجية، الاعتماد كلياً على حلفائه التقليديين".

شعور تعزز، بحسب الصديقي، خلال الشهور الماضية، عندما برزت بعض بوادر التوتر الدبلوماسي بين المغرب وفرنسا، بعد استدعاء الرباط للسفير الفرنسي في حوادث اعتبرتها المملكة "مساساً بسيادتها"، ما عرّض العلاقات التاريخية بين الطرفين للتوتر، على حد تعبيره.

ويؤكد الصديقي أن "تحقيق نوع من التوازن في علاقات المغرب الدولية مع عدد من القوى الكبرى، يمكن أن يفيد مصالح البلاد السياسية كثيراً، خصوصاً إذا أحسنت الرباط استغلال التناقضات القائمة بين هذه القوى الدولية". ويستدل على كلامه بـ"موقف روسيا المساند للمغرب، وبرفض توسيع مهام بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، بينما نحت الولايات المتحدة حينها منحى خالف المواقف الأميركية التقليدية في نزاع الصحراء".

من جهته، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية في كلية الحقوق بمدينة وجدة، خالد شيات، أن "توجه دبلوماسية المغرب نحو روسيا والصين، يعيد إلى الذاكرة التوازن في العلاقات الدولية الذي كان يقيمه المغرب مع المعسكر الشرقي خلال الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي".

ويوضح أن "اعتزام الدبلوماسية المغربية التركيز على شراكات استراتيجية مع روسيا والصين، يُعد ورقة رابحة في يد الرباط تُشهرها في وجه شركائها التقليديين، خصوصاً فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة، مفادها أن مصالح المملكة لا تتوقف على هذه الدول وحدها".

كما أن المغرب، من خلال تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، تكون قد اقتحمت "مربع الجزائر التي لديها علاقات وروابط سياسية وتاريخية وإيديولوجية متميزة مع هاتين الدولتين"، وفقاً لشيات، الذي يشير أيضاً إلى أن "الإيديولوجية لم تعد عاملاً حاسماً يحدد توجهات السياسة الحالية لبكين وموسكو". 

المساهمون